الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأم المؤمنين زينب
482-
نزل في السورة التى تسمت باسم غزوة الأحزاب أمران، تحريم التبنى، وتطبيق التحريم فى زواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش، ولذلك أوجبنا على أنفسنا الكلام في زواجها في هذا المقام، لأن هذا الزواج كان تطبيقا لحكم شرعى، وأعقب زواجها حكم شرعى، فحق علينا بيان الأحوال التى أحاطت بزواجها.
نزل تحريم التبنى في أوّل سورة الأحزاب، إذ قال الله تبارك وتعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ، وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ، وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ، ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ، وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ، وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ، وَمَوالِيكُمْ (الأحزاب- 3، 4) .
كان ذلك تحريما قاطعا، لا ريب فيه، ولذلك جاز للرجل أن يتزوج امرأة من يتبناه لأنه ليس ابنه، ووصف زوجة الابن التى يحرم الزواج منها بأن يكون ابنه من صلبه، لا أن يكون ابنا بالادعاء، ولذلك قال الله تعالى في ذلك في باب المحرمات وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ (النساء- 23) .
ذلك لأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، يقرر حكم الإسلام بأن تكون الأسرة مترابطة بالأرحام لتكون قوية، ولا يكون فيها دخيل ليس من رحمها، ولا من صلبها، ولا من دمها، لأنه يفسدها، ويحرم ذا الحقوق من حقوقه، وينافى القاعدة المقررة في القرآن بقوله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.
483-
ولقد كان التبنى شائعا في البلاد العربية مأخوذا من القانون الرومانى، وقد ألحق النبى صلى الله تعالى عليه وسلم زيد بن حارثة به بناء على ذلك العرف المأخوذ من قانون الرومان، وذلك قبل البعث المحمدى، وقبل نزول الوحى على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
ذلك أن زيدا هذا كان عبدا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فعثر عليه أهله عنده صلى الله تعالى عليه وسلم، وأرادوا أن يفتدوا رقه بثمنه، فقال محمد صلى الله تعالى عليه وسلم: هو لكم إن اختاركم، فأرادوا أخذه، فاختار أن يبقى مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فأعتقه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وألحقه به بعد البعثة إكراما له، كما كان العرف في البلاد العربية، ولم يعد ابن حارثة فكان ينادى زيد بن محمد.
وقد تزوجته القرشية زينب بنت جحش، وهى نسيبة بين العرب، على أنه قرشى، وأنه أعظم العرب وأوسطهم نسبا، وهو من أنفسهم، كما قال الله تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (التوبة: 138) على قراءة فتح الفاء.
فلما نزلت الآيات التى تلوناها بتحريم التبنى، ونفى الادعياء، تململت بحياتها مع زيد إذ أنه لم يعد ابن محمد، بل أصبح الأمر الحقيقى فيه أنه ابن حارثة.
شكا الزوج من تعالى زينب عليه بنسبها، فكان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقول له: أمسك عليك زوجك واتق الله.
وكان الله تعالى قد أمر نبيه محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم بألا يمنع زيدا من طلاقها لأن الله تعالى قد قضى أمرا، وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (الأحزاب: 36) .
قضى الله سبحانه وتعالى أن يطلق زيد زينب، وإذا انتهت العدة تزوجها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأمر الله، ليكون ذلك تطبيقا عمليا لمنع التبنى، وليضرب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك الأمثال على إهمال التبنى ونفيه نفيا مؤكدا بالعمل.
تزوجها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تنفيذا لأمر ربه ولكيلا يكون حرج في أزواج أدعيائهم.
ولم يكن زواجه عليه الصلاة والسلام شهوة أو رغبة إلا أن تكون استجابة لأمر الله تعالى، وكذبت الإسرائيليات التى أدخلت على كبار المؤرخين كابن جرير الطبرى الذى تولى كبر إذاعة هذا الكذب الإسرائيلى والنصرانى، وكذب أولئك الكتاب الأوربيون الذين راحوا يروجونها آثمين، وإن كانوا لا يعرفون الإثم، وكذب الذين يقلدونهم تقليدا أعمى، ويحتذون حذوهم كحذو النعل بالنعل.
484-
وإن الآيات في هذا المقام صريحة بأمر الله تعالى بالزواج، وصريحة في أن ذلك لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا، وصريحة في أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ليس أبا لأحد من رجالهم، صريحة في كل ذلك، ومع ذلك كان التقليد وترويج الكذب لهما الأثر، ففسد الفهم، وكانت الآفة في نفوسهم وفهمهم، لا في الوقائع ذاتها.
ولنتل الآية، وهى توضح الحقيقة. وتكذب الكذابين، والذين إيف تفكيرهم بالكذب الرائج، قال الله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ