الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن ذلك بلا ريب إصلاح اجتماعى خطير، لأنه يحمى الإنسان من أخيه الإنسان ولأنه بقيام القصاص تكون حياة كريمة آمنة لا اعتداء فيها ولا إفساد؛ ولأن ذلك إبطال للعادات الجاهلية التى كان يقتل فيها الألف بالواحد، ولا يقتل قاتل الكبير، بل يقتل من يرى أهله أو قبيله قتله ممن يحسبون أن يكون له كفئا، ولا يرضون أن تكون النفس بالنفس.
ولقد كان في القصاص قتل الروح الحسد والحقد في النفس، أو تخفيف لآثار الحسد، أو حمل للحسود على أن يضبط نفسه، إذ يرى العقاب يترصده، ولقد قال الله سبحانه وتعالى عن أثر الحسد الذى حمل قابيل على أن يقتل هابيل أخاه التقى الذى تقبل الله سبحانه وتعالى قربانه: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ، فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً (المائدة- 32) .
وإن أحكام الديات بأنواعها كما ذكرنا تابعة لأصل الحكم بالقصاص في هذه الآية، وقد بينت آية القصاص في التوراة أن شريعة النبيين في التوراة القصاص، واستمرت في الإسلام، فقال الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ، وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (المائدة- 45) .
وبهذا يتبين أنه في الفترة بين الغزوتين كان الإصلاح الاجتماعى بإقامة العدل بين الناس، وسن سنة القصاص، وبيان الديات، حيث لا تتوافر شروط القصاص، أو حيث لا يمكن، والله سبحانه وتعالى أعلم.
بناء على بن أبى طالب بفاطمة رضى الله عنهما:
402-
فى هذه السنة بعد غزوة بدر بنى على بن أبى طالب كرم الله وجهه بفاطمة الزهراء رضى الله تبارك وتعالى عنها وصلى الله وسلم على أبيها سيد الخلق أجمعين.
وقد روى البخارى بسنده في ذلك عن على بن أبى طالب رضى الله عنه: قال: كان لى شارف من نصيبى من المغنم يوم بدر، إذ كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد أعطانى شارفين مما أفاء الله من الخمس يومئذ- فلما أردت أن أبنى بفاطمة بنت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، واعدت رجلا صواغا من بنى قينقاع أن يرتحل معى فنأتى بأذخر (نبات نفيس بالصحراء) فأردت أن أبيعه من الصواغين، فأستعين به في وليمة عرسى فبينا أنا أجمع لشارفى من الأقتاب والغرائر والحبال، وشارفاى مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، حتى جمعت ما جمعت فإذا بشارفى قد أخبت (أى قطعت)
أسنمتها، وبقرت خواصرها وأخذ من أكبادها فلم أملك عينى حين رأيت المنظر، فقلت: من فعل هذا؟
قالوا: فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار، وعنده قينته وهى تغنيه، وجاء في غنائها «ألا يا خمر للشرف النواء
…
» فانطلقت حتى دخلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وعنده زيد بن حارثة.. فقلت: يا رسول الله ما رأيت كاليوم، عدا حمزة على ناقتى فأجب أسنمتها، وبقر خواصرها، وها هو ذا في البيت مع شرب (أى ندامى يشربون الخمر) ، فدعا إلى ردائه، فارتداه، ثم انطلق يمشى، واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذى فيه حمزة، فاستأذن، فأذن له، فطفق النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرة عينه فنظر إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبتيه، ثم صعد النظر، فنظر إلى وجهه، ثم قال:
وهل أنتم إلا عبيد لأبى، فعرف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه ثمل، فنكص على عقبيه القهقرى، فخرج وخرجنا معه. هذا لفظ البخارى في روايته.
سقنا هذا الخبر لأن فيه خبرا عن زواج فارس الإسلام على بن أبى طالب وقد كان يناهز الرابعة والعشرين من عمره، وإنا نتيمن دائما بذكر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وآله الأبرار.
والخبر يدل فوق ذلك على أمور:
أولها: أن عليا المجاهد العظيم، ما كان عنده مال لعرسه، فخرج يجمع المال من جوف الصحراء ليستعين بجهده على ذلك، وهو ابن عمه، وربيبه الذى رباه.
ثانيا: أنه يصرح بأن الناقتين من نصيبه في الخمس الذى كان للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم وآله، فدل هذا على أن أنفال بدر خمست ولم توزع بالتساوى، كما ادعى أبو عبيد في كتابه الأموال.
وثالثها: أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في هذا الوقت المثير، لم ينس الاستئذان، فاستأذن على الشرب.
ورابعها: ما تفعله الخمر في النفوس، فمحال أن يصدر عن أسد الله حمزة في صحوه ما صدر عنه.
وخامسا: أن الخمر لم تكن حرمت تحريما قاطعا، ولم يكن قد تبين حكمها بيانا شافيا.
وأنها تغرى بالعداوة والبغضاء، وكادت توجد العداوة بين على وحمزة، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم وحمزة، لولا أنهم الحكماء الأبرار.