الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، وكانت معه في هذه الغزوة فذكر ما لقى من الناس، فقالت أم سلمة بعاطفة المحبة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، والعاطفة الشريفة تنطق بالحق أحيانا قالت أم سلمة: يا نبى الله، أتحب ذلك، اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فخرج، فلم يكلم أحدا منهم، حتى فعل ذلك، ثم نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه.
فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما، لعصيانهم، وهذه رواية البخاري، وقد كان فيها خبر الحلق وخبر النحر معا، وقصة النبى عليه الصلاة والسلام مع أم سلمة رضى الله عنها، وإن هذا التفصيل زاد به البخارى عن ابن إسحاق، وزيادة الثقة مقبولة في ذاتها.
أحكام ثبتت في الحديبية
513-
بعد صلح الحديبية جاء نسوة إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مؤمنات مهاجرات، ولم يردهن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، لأنهن لم يشملهن العهد، الذى يوجب رد من يجيء مسلما من غير ولى أمره، وفي هذا جاء النص الذى يحرم بقاء المسلمة في عصمة كافر سواء أكان كتابيا أم كان من المشركين، ولذا قال الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ، فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ، وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا، ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (الممتحنة- 10، 11) .
وقد قال الحافظ ابن كثير: جاءت نسوة مؤمنات. فأنزل الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ- حتى بلغ- بِعِصَمِ الْكَوافِرِ
…
(الممتحنة 10) فطلق عمر ابن الخطاب امرأتين كانتا في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبى سفيان، والآخرى صفوان بن أمية، ثم رجع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى المدينة المنورة.
قال ذلك ابن كثير في سرد ما كان في الحديبية، ولذلك قلنا إن تحريم زواج المسلمة بغير المسلم، وزواج المسلم بالمشركة جاء في الحديبية بعد إمضاء الصلح.
وهذه الآية تدل على ثلاثة أمور:
أولها- أن المسلمة لا تجوز للكافر سواء أكان كتابيا أم كان مشركا، والكتابى كافر لا كما أوهمت كتابة المحدثين ممن لا يمحصون الحقائق، ويقولون ما يقولون مجاملة، أو موادة للنصارى الذين لا يوادون المسلمين، فالنصرانى كافر بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم وبما نزل على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وبالوحدانية، واليهودى كافر بالقرآن الكريم وبمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ووصف الله في القرآن الكريم اليهود والنصارى بأوصاف الكفر فقال الله سبحانه وتعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ (المائدة- 73) وقال الله سبحانه وتعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ (البينة- 1) .
والذين يجيزون زواج المسلمة بغير المسلم قد خرجوا عن إطار الإسلام، لأنهم أنكروا القرآن الكريم وأنكروا أمرا معروفا من الدين بالضرورة، وأجمع عليه المسلمون.
وتدل ثانيا على أن المسلم لا يجوز أن يتزوج مشركة، ومن كان عنده مشركة فليفارقها، وقد فهم ذلك الإمام عمر رضى الله تبارك وتعالى عنه، ففارق امرأتين كانتا تحته، وهما مشركتان، وأخذ ذلك من النهى في قوله تعالى: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ أى لا تتمسكوا بزواج الكافرين إن كان بينكم وبينهن زواج، لأن الكوافر جمع كافرة، لا جمع كافر، إذ لا يجمع وصف العاقل الذى يكون على وزن فاعل على فواعل، ولكن تجمع فاعلة على فواعل، كفاطمة وفواطم، وقافلة وقوافل، وأريد المشركات، لأنه الذى يتفق مع إباحة الكتابيات بقوله تعالى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ، وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ (المائدة- 5) .
وتدل ثالثا- على أن العدالة توجب عند فسخ الزواج بهذا الحكم الشرعي، أن يرد إلى الأزواج المشركين ما أنفقوا على أزواجهم اللائى انفسخ زواجهن بالإسلام، فيرد إليهم الصداق، لأن الفسخ كان بحكم الإسلام يعد من قبل الزوجة.
وفي مقابل ذلك من ينفسخ زواجها من المشركات بحكم إسلام أزواجهن عليهن أن يردوا إلى المؤمنين ما أنفقوا من أموال، فى هذه الزيجة، وذلك لأن امتناعهن عن الدخول في الإسلام، وقد دخل الزوج في الإسلام يعد تفويتا لحقه فوجب التعويض عما أنفق، لأن سبب الفرقة من جانبها.
وإن المسلمين يستجيبون لحكم الإسلام، فيردون ما وجب من إعطاء ما أنفق هؤلاء، لأنه مما يؤدى إليه عقد المسالمة وما تؤدى إليه العدالة التى هى خاصة الإسلام مع العدو والولى على سواء، لقوله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (المائدة- 8) .