الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن تفصيل الأذان وبيان أجزائه التى لا يمكن أن يجزى الأذان إلا بها لا تكون إلا بأمر من الله تعالى، لأن الأذان عبادة، ولا تعرف أجزاء العبادة إلا بوحى من الله تعالى لنبيه، لا برؤيا لغيره مهما تكن مكانته في الإسلام.
الإذن بالقتال
344-
بعد أن استقر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم اتجه إلى تعميم الدعوة وحماية الضعفاء من المؤمنين الذين كانوا يفتنون في دينهم، ويؤذون في اعتقادهم، وكان لا بد أن يكون ذلك بقتال المشركين الذين يؤذون المؤمنين، ولا بد من استنقاذ البيت الحرام من عبادة الأوثان، وأن تحطم الأوثان التى تحيط به.
ولذلك شرع الله تعالى القتال، فقال تعالى في كتابه المبين: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ. أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج- 38: 41) .
كان الإذن بالقتال، وفتح باب الجهاد، وفي هذا النص الكريم بيان الباعث عليه، والنتيجة التى ينتهى إليها، وإنها لخير، ووسائل الخير تكون خيرا ولو كانت أمرا كريها، ما دام قد تعين ما هو الطريق، وإنه إذا تعين كان خيرا، ولذلك قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ، وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ، وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة- 216) .
والآية التى كان فيها الإذن بالقتال فيها إشارات بيانية تليق بالقرآن الكريم أبلغ كلام في هذا الوجود الإنسانى.
أولاها: أن فيها الإذن بالقتال، ولكنه لم يصرح بها، إذ أنه صرح بأشد ما يبعث عليه، وهو أن القتال من جانب الأعداء قد وقع فعلا، لأنه سبحانه وتعالى عبر بقوله «يقاتلون» بالبناء للمجهول، أى أن المشركين قاتلوا المؤمنين فعلا، فقد آذوهم وحاولوا أن يفتنوهم عن دينهم، والفتنة أشد من القتل كما قال الله تعالى، وحاولوا قتل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وحاولوا أن يقتلوا المبايعين في بيعة
العقبة الثانية، فكان التعبير بالبناء للمفعول دليلا على أن قتال المؤمنين في مقابل أنهم ابتدأوا، وهو دفع للأذى، وللفساد في الأرض، كما قال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (البقرة- 251) .
الإشارة البيانية الثانية أن الله تعالى صرح بأن القتال دفع للظلم أو منع لاستمراره.
الثالثة: أن أهل الإيمان هم أهل الحق، فإن قاتلوا فهو دفاع عنه وعن التوحيد، والإيمان به، فهو قتال يحمل في باعثه، وفي ذاته، الدعوة إلى الله تعالى.
الرابعة: أن القتال الذى يكون جهادا في سبيله هو دفع الباطل، وإلا كان الفساد في الأرض، وألا يعبد الله تعالى فتهدم بيع وصلوات، ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا. فالقتال نصرة الله تعالى.
وحماية للحق، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج- 40) .
الخامسة: أن القتال فيه تمكين للحقائق الإسلامية، فنتيجة القتال تمكين للذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، فالقتال من نتيجته أنه يمكّن أهل الحق من الدعوة إليه بالقول وبالعمل، وبذلك تقوم شريعة الله سبحانه.
وفي هذا إشارة إلى أن غاية القتال بعد دفع الاعتداء ومنع الظلم، هى التمكين للدعوة الإسلامية، وأن يدخل الناس في دين الله تعالى مختارين من غير فتنة، ومن غير إرهاق لهم في عقائدهم.
وبذلك نأخذ من الآية الكريمة أن الباعث على الجهاد في الإسلام أمران:
أولهما: دفع الظلم ومنع الفتنة- كما قال تعالى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة- 193) . وأن الاعتداء يرد بمثله، فمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم الذى جاء بالحق لا يدفع إرادة الأذى بالسكوت عليه واستمراره، بل يدفع الاعتداء بمثله، كما قال تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ، وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة- 190) .
الأمر الثانى: هو التمكين للدعوة الإسلامية، بأن تزال المحاجزات التى يقيمها الملوك والحكام الظالمون بين دعوة الإسلام والاستجابة لدين الحق أو أن يعوقوه، وليس معنى ذلك حمل الشعوب على الدخول في الإسلام كرها بقوة السيف، بل إن مؤداه أن يعرفوا الإسلام، ويتمكنوا من تلقى الدعوة الإسلامية، فإذا عرفوها فقد تبين الرشد من الغى، والحق من الباطل، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، ولذلك قال تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى، لَا انْفِصامَ لَها، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256- البقرة) .