الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يكن ممن يجعلون الاعتقاد عنصرية، بل كان ممن يؤمنون بالحق، ويعلمون أن الحق أحق أن يتبع، ويقول ابن إسحاق «غلب عليه إلف دينه، حتى إذا كان يوم أحد، قال: يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق» .
ثم أخذ سلاحه، فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بأحد، ودخل في جنده وعهد إلى من وراءه من أهله، فقال: إن قتلت هذا اليوم، فأموالى لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم يصنع فيها ما أراه الله سبحانه وتعالى.
فقاتل حتى قتل، فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول:
وقد أسلم في ساعته الشديدة، يوم جاءت قريش تريد أن تغزو المدينة المنورة ثأرا وانتقاما، فأبى إلا أن يكون مع المؤمنين، فاستشهد في سبيل الله تعالى، فكان خيرا في ذاته، وكان خير من في اليهود.
الغيرة:
397-
صدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول في شأن أهل الكتاب عامة، واليهود خاصة،
…
مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ. (المائدة- 66) ، ولكن الكثرة هى التى كان لها لجب وصخب، وهى التى ظهرت بلجاجتها، وعنفها في الكراهية وحسد الناس، وهؤلاء هم الذين ظهروا، وهم الذين ظهر زبدهم، واستمر ظاهرا، فهم يكرهون الناس، أينما كانوا، وحينما ثقفوا.
وقد ذكرنا حالهم بعد غزوة بدر، وأعمالهم التى كانت أثرا لانتصار أهل الإيمان، فإن الخير يجيء إلى المحسود، فيزيد الحاسد بغضا وضراوة.
لقد سكتوا في السنة الأولى عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على إثر المعاهدة التى عقدها، والموالاة التى أولاهم بها، ليكون منهم جماعة مندمجة معه، وهى على دينها، ولسان حاله يقول لهم لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ وليس بيننا وبينكم من بعد إلا التواد، والتعاون على البر والتقوى، والتناصر على أعداء المدينة المنورة الذين يهاجمونها.
كان ذلك، والحسد للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وللذين آمنوا يملأ قلوبهم، والضغن يأكل صدورهم، فإذا كان المؤمنون قد أخلصوا في ولائهم فأولئك قد أضمروا البغض.
ولما كان الانتصار، كان أولى ثمرات الانتصار في قلوبهم المدنفة بالحسد أن تحركوا لإفساد أهل الإيمان وتعاونوا في ذلك مع المشركين.
اجتذبوهم إلى النفاق، فانجذبوا إليه، وكان منهم منافقون، والنفاق يسكن القلوب الحاقدة الحاسدة الضعيفة المستكينة، فكان أوّل أثر مرير من آثار تلك الغزوة المباركة أن ظهر النفاق ناتئا برأسه، ويفت في جماعات المسلمين، ويعملون على تفريق صفوفهم ويشتد أثر النفاق في مدة الحروب، حيث تشتجر السيوف، وتلتحم الأجسام.
ففى غزوة أحد التى كانت في السنة الثالثة، كانوا يبثون في جيش المسلمين روح التمرد والهزيمة، ويأخذون قلوب الضعفاء من المؤمنين يبثون فيها الذعر والخوف، حتى همت طائفتان من جيش الإسلام أن تفشلا، كما قال تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ، تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا، وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(آل عمران 121: 123) .
وهاتان الطائفتان كانتا من المنافقين، وضعاف الإيمان، فإذا كان المؤمنون في غزوة بدر قد دخلوا وقلوبهم مستبشرة، فقد دخلوا في غزوة أحد، والمنافقون يبثون فيهم روح التردد والعجز، ولكن الله سبحانه وتعالى عليه نصر المؤمنين إن لم يأخذوا في أسباب الهزيمة، وإن استقاموا على الطريقة، ولم يخالفوا، وأنه إذا كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعيش في المدينة المنورة والمؤمنون من أصحابه يحيط بهم أولئك المنافقون والمفتونون والحاسدون، فإنه يجب عليه الحذر منهم، وقد نفذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك بأمر ربه، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا، وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ. ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ، وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا، وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ، قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها، وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً، إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (آل عمران 118: 120) ، وهكذا نجد حقد اليهود وصدهم قد أفسد النفوس، وفرق ما بينهم وبين أهل الإيمان.
ولم يقفوا عند حد العمل على إفساد العلاقات الاجتماعية بين الناس، ومحاولة إضعاف الإيمان، وإغراء غير المؤمنين بالنفاق، حتى شاركوهم، بل كانوا يحاولون التشكيك في قلوب المؤمنين، لأنهم يودون أن يكفروا حسدا من عند أنفسهم.