الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسْتَقِيمٍ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ، وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها، كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا، وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (آل عمران- 100: 105) .
ففى هذا النص الكريم تحذير للمؤمنين من اليهود الذين يفرقون جمعهم، وتذكير بما كانت عليه حالهم من قبل، وبيان الطريق لأن يمنعوا الأشرار من الدخول بينهم، وذلك بالتواصى بالخير بينهم، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فمن يقع في الغواية منهم يرشده ذو العقل والحكمة فيهم. وإن التفرق بعد البينات إثم كبير، وله عذاب عظيم.
ليسوا سواء
396-
إذا كان ما ذكرناه صادقا على اليهود الذين كانوا بالمدينة المنورة عند ما هاجر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إليها، فالحكم فيه بنى على الغالب الكثير، لا على الجميع، فمنهم ناس اختاروا الإسلام دينا، وآمنوا بالله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم حق الإيمان، كما قال الله سبحانه وتعالى:
…
مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ.
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ، وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (آل عمران- 113: 115) فهؤلاء من أهل الكتاب، وأهل الإيمان بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وسيجزون أجرهم مرتين.
ونذكر من هؤلاء اثنين كان كلاهما من أحبار اليهود:
وهما عبد الله بن سلام، ومخيرق.
وجاء من أخبار السيرة في إسلام عبد الله أنه قال:
لما سمعت برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذى كنا نتوكف له، أى نترقبه، فكنت أسر ذلك صامتا له، حتى قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المدينة المنورة.
فهو قد عرف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قبل قدومه المدينة المنورة وتعرف صفات النبوة فيه التى بشر بها في التوراة، وخاطب بذلك بعض أهل بيته، إذ كان فرحا بقدومه ولم يوافقه ابتداء من عرف من أهل بيته، حتى قالت له عمته في فرحته:«والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما مازدت، فقال لها المؤمن المخلص الذى لم يشب إخلاصه تعصب لنحلة سابقة: أى عمة هو والله أخو موسى بن عمران، وعلى دينه بعث، ولم تلبث أن وافقته» .
وإذا كان عبد الله بن سلام الحبر اليهودى المخلص قد عرف الحق، وأدرك فقد عرف قومه من اليهود وأدرك انحرافهم، وأنهم اتخذوا آلهتهم هواهم، وهواهم هو شهوة التحيز، حتى جعلوا الدين عنصرا، وليس اعتقادا خالصا فأراد أن يكشف حالهم.
ذهب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعد إذ آمن، ولم يعلن إيمانه، فقال له:
يا رسول الله إن يهود قوم بهت (أى يبهتون ويكذبون بالباطل) ، وإنى أحب أن تدخلنى في بعض بيوتك، وتغيا بنى عنهم، ثم تسألهم عني، حتى يخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامى فإنهم إن علموا بهتونى، وعابونى.
وأدخلنى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم في بعض بيوته، فدخلوا عليه وكلموه، وسألوه ثم سألهم: أين الحصين «1» بن سلام، فقالوا سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وعالمنا.
فلما فرغوا من قولهم خرج عليهم، فقال لهم: «يا معشر يهود، اتقوا الله، واقبلوا ما جاءكم به، والله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته فإنى أشهد أنه رسول الله، وأومن به وأصدقه وأعرفه، فقالوا: كذبت.
فقلت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ألم أخبرك أنهم قوم بهت، أهل غدر وكذب، وفجور، فأظهرت إسلامى وإسلام أهل بيتى جميعا.
ولقد كانوا يكثرون من الطعون فيه، ويقولون: إنه من الأشرار عندنا. وهو الذى ذكروا أنه من خيرهم وأعلمهم وأعدلهم، ولكنهم يكفرون بما يعلمون، ويكتمون ما عندهم.
وأما الثانى وهو مخيرق، فقد كان علما من أعلامهم، وحبرا من أحبارهم.
وكان رجلا ذا مال أعطاه الله تعالى بسطة من العلم والمال، وكان يعرف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بصفته في التوراة.
(1) وكان اسمه هذا قبل الإسلام.