الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد كان رجوعه سببا في اضطراب بعض المسلمين من المترددين، وإن لم يكونوا من المنافقين، فقد همت طائفتان من المسلمين أن تفشلا والله وليهما.
وهمّ بنو سلمة، وبنو حارثة أن يعودوا مع من عاد مع عبد الله بن أبي، وكان ذلك من فرط جزعهم من لقاء عدد يفوقهم أضعافا، وهو مزود بزاد الضغن والعدة، وقد أثر النفاق في نفوسهم وإن لم يكونوا منافقين.
وهؤلاء هم الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (آل عمران- 121: 122) .
وقد فرح رجال هاتين الطائفتين لقول الله سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما إذ اطمأنوا إلى أنهم لم يكونوا منافقين وإن كانوا مترددين، لأن الله تعالى ولى المؤمنين، والمنافقون وليهم الشيطان.
وإنه إذ خرج هؤلاء كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعرض عليه صغار المؤمنين الذين لم يبلغوا الخامسة عشرة، ولم تكن فيهم مهارة في الرماية ولا قوة بدنية تغنى غناء الرجال، فقد ثبت في الصحيحين أن عبد الله بن عمر عرض على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في أحد فرده، وكذلك رد يومئذ أسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، والبراء بن عازب
…
وغيرهم.
وقد همّ برد رافع بن خديج وكان في مثل هذه السن، فقيل له: إنه يحسن الرماية، فأجازه، لأنها لا تحتاج إلى قوة في البدن، ولكن إلى مهارة في إصابة الهدف.
وكان سمرة بن جندب قد تقدم أيضا في قريب من هذه السنة فهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يرده، فقيل: إنه يصرع رافعا، ويظهر أنه رآه أقوى منه، فأجازه.
مقاعد القتال:
417-
أخذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يبويء المؤمنين مقاعد القتال، وقد صفى الله تعالى الجيش من المنافقين، وثبّت المترددين، فقد قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم داعيا إلى التقوى والصبر، وأن الله تعالى ناصرهم، كما نصرهم ببدر وهم أذلة، ومبشرهم به إن صبروا، فقال الله سبحانه وتعالى حاكيا عن نبيه عليه الصلاة والسلام في تثبيتهم في ذلك اليوم وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ
رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ. وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ، وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أَوْ يَكْبِتَهُمْ، فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (آل عمران- 123: 127) ثبت الله سبحانه وتعالى قلب المؤمنين بهذه البشرى، وهى الإمداد الروحى بالملائكة، إن صبروا في الميدان وثبتوا، وذكروا الله تعالى، وأنه فوق كل القوى، وصبرت نفوسهم، فلم تنحرف عن القتال والإيغال وراء العدو، ولم تشغل بالغنيمة عن النصر، وإن صبروا فلم يخالفوا القائد المدرك الذى يدعوهم إلى الرشاد، وإلى أن يتعاونوا جميعا في الميدان، وعلموا أنهم يؤلفون جيشا متعاونا وليسوا فرقا متفرقة تتنافس في الغنائم، ولا تتنافس فى النصر.
تقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ومضى حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادى إلى الجبل، فجعل ظهر عسكره عنده لكيلا يتمكن المشركون.
وصف الصفوف، كما فعل في بدر، وقلده المشركون في هذا فصفوا الصفوف أيضا وجعل الرماة وعددهم خمسون راميا، وراء ظهر الجيش، وجعل عليهم عبد الله بن جبير أميرا، وأوصاه بأن ينضح عن المسلمين الخيل، وقال له:«انضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك» .
ولبس رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لأمته، وشدد الوصية للرماة، وذلك ليمنع التفاف جيش المشركين حول جيش المسلمين، وعدد المشركين كبير، وجيشهم كثيف.
وبعد أن صف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم جيشه أمره بألا يقاتل، حتى يأمره بالقتال، ليتقدم الجيش على قلب رجل واحد، وظهورهم في حماية الرماة.
وذلك تنظيم حربى لم يعرفوه، ولو أن الرماة أطاعوا ما اضطرب جيش المسلمين، ولا أصابهم قرح في هذه الغزوة، وقد كان أمام جيش الإيمان جيش الشرك يفاخر بكثرته وعدته، وقد اتخذ الأفراس التى تجاوزت مائتين، والإبل مزارع المدينة المنورة مسترادا، ومذهبا، وذلك مما أثار حمية أهل المدينة للقتال حتى قد قال قائلهم، والنبى عليه الصلاة والسلام يشاورهم في الخروج إلى المشركين: أترعى زروع بنى قيلة الأوس والخزرج ولما تضار.