الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونرى من هذا النص أن القوة المعنوية عشرة أمثال القوة المادية إذا لم يكن في أوساط المؤمنين ضعاف الإيمان، الذين يخالطون المؤمنين الصادقين خصوصا عند ما كان في المسلمين منافقون. لا يريدون بأهل الإيمان إلا خبالا كما قال الله سبحانه وتعالى فيهم: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ، يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ، وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ.
هذا هو الضعف في الصفوف، وقد ظهر في غزوة أحد، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يسوى الصفوف للقتال. كما قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
هذه هى النسبة في حال قوة الإيمان. وألا يخالط المؤمنين نفاق قط. وهى قوة الواحد بعشرة فإذا خالط المؤمنين منافقون مع مرضى القلوب كان هناك ضعف فيكون الواحد من المؤمنين يقابل اثنين من المنافقين، فالنسبة الكبرى في حال قوة الإيمان الخالص، والنسبة الثانية إذا كان مرضى القلوب في صفوف المؤمنين، فلا ناسخ ولا منسوخ. كما يقال إن الثانية نسخت الأولى.
التقاء الجمعين يوم الفرقان
380-
ذهب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى بدر ليدرك العير، فلم يدركها، وأدركه النفير فلم يكن من القتال بد، وقد أقبلت قريش بخيلائها وفخرها، فتعرف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم العدو، فقدره بين تسعمائة وألف، مما كانوا يعقرون من إبل، فقد قيل له، وقد سأل عن عددهم، فقال المسئول: إنهم كثير لا يحصون، فسأله عما ينحرون من إبل، فقال: يوم تسع، ويوم عشر. فقال: هم بين تسعمائة وألف، فكانوا خمسين وتسعمائة. وسأل عن أشراف رجالاتهم، فذكروا عتبة بن ربيعة وأخاه شيبة، وغيرهم من أشرافها، فقال عليه الصلاة والسلام لمن معه من جند المسلمين ليحثهم على القتال ويحرضهم:«هذه قريش قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها» .
وقد نزلوا من بدر بالعدوة القصوى، وهى كثيب من الرمل مرتفع، بعيد عن بدر، ونزل أهل الإيمان بالعدوة الدنيا من بدر، وهذا ما ذكره الله سبحانه وتعالى بقوله: وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا، وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ، وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا. لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ (الأنفال- 41، 42)
كان اختيار المكان بتوفيق الله سبحانه وتعالى، لا بإرادة أحد، ولو كان بإرادتهم وأمرهم لاختلفوا في المكان والزمان، ولكن الله سبحانه وتعالى دبر الميقات، فجعله في هذا الزمان، ودبر المكان فكان هذا المكان، وكان منزل المؤمنين دهسا رمالا يعوق السير، فأنزل الله سبحانه وتعالى مطرا خفيفا لبّد الأرض، وجعلها معبدة يسهل السير فيها، وأنزل أمامهم على قريش مطرا كثيرا عوق سيرهم.
روى النسائى عن مجاهد: أنزل الله سبحانه وتعالى عليهم المطر، فأطفأ الغبار، وتلبدت الأرض، وطابت به أنفسهم. جاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، بجيش الإيمان، فنزل على أقرب ماء من بدر، وعرض الأمر على الصحابة فجاء إليه الحباب بن منذر بن الجموح وقال:
يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله تعالى، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره، أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟
قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: بل هو الرأى والحرب والمكيدة.
قال: يا رسول الله هذا ليس بمنزل، فامض بالناس، حتى تأتى أدنى ماء من القوم، فتنزله ثم تغور «1» ما وراءه من القلب، ثم تبنى عليه حوضا فتملؤه ماء، ثم تقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون.
اختار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ذلك المنزل، وأخذ برأى الحباب بن المنذر كاملا، وبنى الحوض على البئر التى اختارها، وامتلأت ماء لأنه آل إليها كل ماء الآبار التى غورت، ورأى المشركون ذلك فأحسوا بأنها المكيدة التى تحرمهم من الماء.
وقد تواجهت الفئتان وتقابل الفريقان، وحضر الخصمان، واستغاث برب العالمين سيد الأنبياء.
وقد ابتدأت المناوشات بأن رجلا شرسا من بنى مخزوم أحس بمكيدة الماء، وظن أنه يستطيع أن يهدم على المؤمنين الحوض الذى بنوه، فقال: لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه «2» ، فخرج إليه وانقض حمزة بن عبد المطلب أسد الله فانقض عليه، فلما التقيا قطع حمزة بسيفه رجله إلى نصف ساقه، ولكنه لحرصه على أن ينفذ ما أقسم عليه حبا إلى الحوض، فضربه حمزة حتى قتله.
كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الجيش كسائر جنده، ولكنه رأى أن يكون في مكان مرتفع ليشرف على حركة جنده، فاتخذ له عريشا على مرتفع من الأرض، ويروى أن سعد بن معاذ هو الذى أشار به على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. يروى ابن إسحاق بسنده أن سعد بن
(1) رويت في هذه الكلمة بحرف الغين، المعجمة، ومعناها تغوير ما حولها ليذهب ماؤها، ورويت بالعين ومعنى تعويرها إفسادها بما يشبه ردمها فينحصر الماء في القليب المختار.
(2)
هو الأسود بين عبد الأسد المخزومى.
معاذ قال: يا نبى الله، ألا نبنى لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله تعالى وأظهرنا على عدونا ذلك ما أحببنا، وإن كانت الآخرى جلست على ركائبك، فلحقت بمن وراءنا، فقد تخلف عنك أقوام يا رسول الله، ما نحن بأشد حبا لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا، ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك، فأثنى عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ودعا له بخير.
بنى له عليه الصلاة والسلام العريش، وكان فيه فائدة، وهو الرقابة على حركة الجند وعمله، وليكون مع الجند كله ببصره، لا مع فريق منه، فهو يراقبهم، ويعرف أعمالهم.
ولا شك أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان بوجدانه وشعور العطف والرحمة بجيشه يغلب عليه الإشفاق، فعندما رأى جيش قريش ضرع إلى ربه داعيا قائلا:
وكان أبو بكر مع رسول الله في العريش، ومعاذ بن جبل في نفر من الأنصار يطوفون حوله، والرسول صلى الله تعالى عليه وسلم دائم الدعاء والضراعة إلى ربه يقول فوق ما روينا ما رواه على بن أبى طالب رضى الله عنه: كان رسول الله يكثر الابتهال والتضرع والدعاء، ويقول فيما يدعو «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض» وجعل يهتف بربه عز وجل ويقول:
«اللهم أنجز لى ما وعدتنى، اللهم نصرك» ويرفع يديه إلى السماء حتى سقط الرداء عن منكبيه، وجعل أبو بكر يلتزمه من ورائه، ويسوى عليه رداءه، ويقول مشفقا عليه من كثرة الابتهال، يا رسول الله:
«بعض مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك» . وهكذا كان القائد الرشيد الحكيم لمحبته لجيشه، ولكل رجل من رجاله، ولحرصه على الأمر الباعث على الجهاد، وهو حماية الوحدانية، والقضاء على الوثنية، كان يشتد في الابتهال إلى الله سبحانه وتعالى. وبجوار ذلك كان يجتهد في بث العزيمة على القتال في جيشه الحبيب إليه، فهو يلجأ إلى جنده ليأخذ الأهبة، ويعمل على النصر، ثم يضرع إلى ربه متوكلا عليه مستغيثا، لتجتمع له ولجيشه قوة العمل، وقوة الاعتماد على الله سبحانه وتعالى الذى لا يغير أمر إلا بأمره.
(1) أحنهم: من الحين والهلاك.