الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصحابة قد استطالوا الزمن، وركبتهم ظنون الغدر، وكما قال ابن إسحاق: استلبثوا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، أى اعتقدوا أنه لبث زمنا طويلا، فسألوا عنه رجلا مقبلا من المدينة المنورة داخلا المدينة.
أقبل أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى انتهوا إليه، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم بحركاتهم، وبما كانوا قد أرادوا من الغدر.
إجلاؤهم:
445-
لم يجيبوا داعيه إلى المعاونة التى يفرضها عليهم العهد الذى عاهدوا عليه، وأعطوه كلاما لينا، ودبروا تدبيرا خبيثا، وكان ذلك غدرا في العهد ابتداء، وما كان ليرضى أن يعيشوا معه، وهم ينقضون الميثاق الذى وثقه عليهم، ووفى به من جانبه صلى الله تعالى عليه وسلم، والمواثيق عهود فيها واجبات وحقوق متبادلة تلزم كل فريق، بمقدار ما يلزم الآخر، ولا يمكن أن يكون جوار حسن من غير عهود توفى، ومواثيق تربط بالمودة، أو بالوفاء، فكان الجلاء أمرا لا بد منه، وفوق ما علمه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من إرادة الغدر به، والقضاء عليه، فلم يكن لبقاء الجوار مكان، وكان على أخفهم حملا، وأقلهم عددا أن يرحل، ويترك الأرض لأهلها، يعيشون في أمن واستقرار فلا يعيش الثعبان بين ظهورهم.
بعث رسول الله يأمرهم بالخروج من جواره لنقضهم العهد أولا، إذ لم يعينوا في دية الرجلين ولأنهم هموا بالغدر ثانيا، وإذا كانوا يدعون أنهم لم يفعلوا مع علم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم اليقينى بذلك فإنهم يكفيهم نقض الميثاق في المعاونة، ولا سبيل لإقامتهم معه من غير وفاء بعهد وثقوه.
أرسل لهم محمد بن مسلمة أن يخرجوا، وأرسل إليهم عبد الله بن أبى بن سلول ينهاهم عن الخروج، وأنهم معهم، ولئن قوتلوا ليقاتلن معهم.
ويقول ابن كثير في تاريخه: بعث إليهم أهل النفاق يثبتونهم، ويحرضونهم على المقام، ويعدونهم النصر، فقويت عند ذلك نفوسهم، وحمى حيى بن أخطب، وبعثوا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونابذوه بنقض اليهود.
أعلنوا بهذا نقض الميثاق جملة لا الجزء الخاص بالاستعانة في الديات، فكان هذا إعلانا للحرب من جانبهم. وما كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ليتركهم ينقضون العهد، ويهمون بالغدر في غير اكتراث بعهد ولا حسن جوار ويهمون بالقتال ولا يقاتلهم.
أمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالخروج إليهم، مهما يؤيدهم المنافقون سرا أو علنا، فجعل على المدينة ابن أم مكتوم، وكان ذلك في شهر ربيع الأوّل.
سار بمن معه من المهاجرين والأنصار فنزل بساحتهم فحاصرهم وتحصنوا بحصونهم، وقد أوهمهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه سيقطع نخيلهم ويحرقها فنادوه: أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيب من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها.
ويظهر أنهم توهموا ذلك، أو أوهموا لتضعف نفوسهم، ويهون عليهم الاستسلام، ولم يقطع ولم يحرق كما تدل الآية الكريمة التى بينت مالهم في سورة الحشر، وهى سورة جلائهم.
وقد ذكرنا أن المنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبى قد بعثوا إليهم ابتداء بأنهم معهم ليثبتوا ويتمنعوا، فثبتوا وتمنعوا، وكان الحصار، وقد استمروا في غيهم، وقالوا لهم: لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم.
تربص اليهود ذلك من المنافقين، وصدقوهم، وتوقعوا أن ينصروهم، وهم بين المسلمين، فما فعلوا شيئا، فاضطرب أمر اليهود وانزعجوا، وقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب.
عندئذ اضطروا لأن يعودوا ويقبلوا الجلاء الذى طلبه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من غير حرب ولا حصار، وإعنات، ولكن لم يرضوا بسبب تحريض أهل النفاق.
عادوا وطلبوا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يجليهم، ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم.
أجابهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يأخذ من بيته ما يخلع به بابه، فيضعه على ظهر بعيره، فينطلق به.
خرجوا إلى خيبر، حيث تجمعوا في حصونها مع بنى قينقاع، ومنهم من ذهب إلى الشام، فكان من أشرافهم الذين ذهبوا إلى خيبر ابن أبى الحقيق، وحيى بن أخطب، فكانوا لهم سادة، ودانوا لهم بالطاعة.
وقد نزل في بنى النضير، وما كان من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وما أمر الله تعالى نزل أكثر سورة الحشر، قال الله تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ، لِأَوَّلِ الْحَشْرِ، ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ، فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي