الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوم الفرقان بدر العظمى
375-
كانت الغزوات التى قام بها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في أوّل العام الثانى من الهجرة، والسرايا التى قام بها أصحابه بأمر منه، لإشعار قريش بأن الإسلام صارت له قوى تناويء من آذوا أهله. وحاولوا فتنة الضعفاء عن دينهم، فأرهقوهم ليحولوهم عن اعتقادهم، فلم ينالوا خيرا.
وكانت ليتعرف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم داخل البلاد العربية، ويشعرهم بوجود الإسلام، ويتألف قلوبهم ليجمعهم من بعد على كلمة الحق، وقد عقد عليه الصلاة والسلام مع بعضهم مواثيق عدم اعتداء، والنصرة لهم وبهم.
وكان من بعد ذلك أن يلاقى صلى الله تعالى عليه وسلم قريشا لا بسرية يرسلها، ولكن بغزوة يغزوها بنفسه، وقد مهدت الأسباب، وعلم المشركون أنه صار للمسلمين قوة يقدرون معها عواقب أمرهم.
وأنه عليه الصلاة والسلام قاطع عليهم طريق تجارتهم، فقد صارت الحرب قائمة بعد أن أخرجوا المؤمنين من ديارهم، وبعد أن هموا بقتله، وأخذوا العدة، فما أن علم بتجارة لهم ذاهبة إلى الشام أو عائدة، حتى يبادر إليها.
ولما قتل عبد الله بن جحش في سريته ابن الحضرمى كما أسلفنا، وأسر المسلمون من أسروا أحس المشركون من قريش فكانوا يحصنون تجارتهم بحراس.
خرجت قريش بتجارة عليها نحو أربعين مقاتلا، وسارع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قبل سرية ابن جحش ليدركها، ولكنها أفلتت، وكانت فيها أموال ذوى المال من قريش، فأخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يترصدها عند عودتها من الشام، وتتبع أخبار قريش وأخبارها.
العير:
376-
علم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن عير قريش قافلة راجعة من الشام، وفيها ثلاثون أو أربعون رجلا، فندب المسلمين إليهم، وقال عليه الصلاة والسلام:
«هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعل الله سبحانه وتعالى ينفلكموها» .
فخف بعضهم استجابة لنداء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وثقل بعضهم، وإن كان على استعداد، لأنهم لم يتوقعوا قتالا، كما كان في السرايا والغزوات السابقة، فإنهم لم يلتقوا بالمشركين، ولم يكن قتال.
وإن أبا سفيان الذى كان على رأس العير التى حمولتها ألف بعير، كان يتخوف من أن يلقاه المسلمون فيأخذوه، كما أخذوا عير ابن الحضرمى وقتلوه، ولذلك كان يتحسس أخبار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه، ويتعرف حركاتهم.
فكان يسأل من يلقى من الركبان، حتى أصاب خبرا، بأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم استنفر أصحابه للقاء أبى سفيان، وعيره، وتأكد أن المصير الذى سيلقاه هو والعير هو ما لقيه ابن الحضرمى وعيره.
وقد دفع به الحرص على عير قريش إلى أمرين:
أحدهما- أنه مال عن طريق بدر، ونجا بعيره، وجاء محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه من المهاجرين فوجدوا العير قد أفلتت منهم، ولم ينالوا منها، وعلموا أن وراءها القتال.
الأمر الثانى: أنه أرسل إلى قريش يستغيث بها لتحمى عيرها التى معه، وليعمل على أمن الطريق من محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى أصحابه وليجهز جيشا يقضى على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى أصحابه.
أرسل ضمضم بن عمرو الغفارى يبين ما تتعرض له العير، وأن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم وصحبه يتعرضون لها، فذهب ضمضم يصرخ ببطن الوادى، واقفا على بعيره وقد جدعه وحول رحله، وشق قميصه ليسترعى الناس، وينبههم إلى ما يقول، ثم قال:«يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة «1» أموالكم مع أبى سفيان، قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث، الغوث» .
كانت تلك الكلمات الحارة مع المظهر الذى ظهر به دافعة القوم إلى أن يندفعوا معتزمين الدفاع عن أموالهم، وإنقاذها، فكانت قريش ما بين رجلين، رجل اعتزم أن يخرج بنفسه، وآخر ينيب عنه من يدافع عن ماله، ومال قريش كلهم، وبينما هم قد تجهزوا وأعدوا العدة بلغهم أن العير قد نجا بها أبو سفيان إذ غير الطريق كما أشرنا، فأرسل إلى قريش يبشرهم بنجاة العير، إذ قال لهم «إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم، ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله، فارجعوا» .
(1) اللطيمة: الإبل التى تحمل الحرير والطيب وغيرهما
وبذلك ذهب السبب الذى كان من أجله الخروج، ولكن لأجل الحقد والعنف في قلوب بعض المشركين، وعلى رأسهم أبو جهل أبى إلا المضى إلى بدر، فقال:«والله لا نرجع حتى نرد بدرا» .
فرد كلامه بعض حلفاء بنى زهرة، وقال وهم بالجحفة:
ولم يكن بقى من قريش بطن إلا وقد نفر منهم ناس، وبنو عدى بن كعب لم يخرج منهم.
وكانت محاورات في صفوف الذين خرجوا للقتال من شأنها أن توجد ترددا في الخروج، وقد قال بعضهم في محاورة لطالب بن أبى طالب، وقد استعد للخروج «لقد عرفنا يا بنى هاشم، وإن خرجتم معنا أن هواكم لمع محمد» فغضب لذلك طالب. ورجع مع من رجع.
كان هذا التردد والرجوع من بعضهم بعد أن خرجت رجالات قريش للدفاع عن العير، ولا شك أن من بقى مصرا على القتال قد نهنه من عزمته ذلك الخلاف، مع رجوع بعضهم، وخصوصا أن سبب الخروج قد زال.
ومهما يكن من أمر ذلك التردد فقد خرجت قريش على الصعب والذلول في خمسين وتسعمائة مقاتل معهم مائتا فرس يقودونها، وأعداد من الإبل تجاوزت الحسبة، ومعهم القيان يضربن بالدفوف، ويغنين بهجاء المسلمين.
377-
لنترك هؤلاء وعيرهم وجيشهم وقيانهم، ولنذكر العطر من أخبار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. لقد خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بنحو تسعة وثلاثمائة أو حول هذا العدد، وكان في هذه المرة من المهاجرين والأنصار قاصدين بدرا، ليلقوا العير هنالك، فلم يدركوها، وفربها أبو سفيان مخالفا طريق بدر جاعلا بدرا على يساره، وبذلك نجا العير ومن معه.
وعلم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مما تحسس من أخبار أن قريشا قد خرجت في هذا العدد بجيش لجب فيه الأفراس والإبل، وأنه إذ فر منه العير فقد لقى النفير، وإنها الحرب لا محالة.
ولذلك أخذ يجمع قلوب جنده، بعد أن جمع عددا وإن كان قليلا في عدده فهو قوى في إيمانه، إنه واثق من المهاجرين والأنصار، ولكن خشى أن يفهم الأنصار أن العهد لا يلزمهم أن يخرجوا معه، بل يلزمهم العهد إن دهم في المدينة المنورة وأن ليس عليهم أن يسيروا معه لقتال عدو لم يجيء إلى بلدهم.
ذلك أن صيغة العهد أنهم قالوا: يا رسول الله- عليه الصلاة والسلام إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع به أبناءنا ونساءنا.
وربما توهم بعضهم أن هذا العهد لا يلزمهم بالخروج ولا بد من اليقين عند الحروب، لذلك أراد أن يتعرف ما في قلوب أولئك الذين آووا، وهل ينصرونه في هذا الموطن، وقد خرجوا للعير، لا للنفير.
استشار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه ليظفر بمشورة رجل حسن المشورة، وليتعرف حال جنده مهاجرين وأنصارا بصفة خاصة.
استشار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال أبو بكر وأحسن القول، وقال عمر بن الخطاب فأحسن القول، وما كان يريد قول عمر وأبى بكر، فهو مستيقن بإيمانهما وإقدامهما، ولكنه يريد من وراءهم.
فقام المقداد بن عمرو واقفا وقال:
يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم «امض لما أراك الله، فنحن، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون» ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فو الذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك، من دونه، حتى تبلغه»
فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خيرا، ودعا له.
وهنا استيقن من المهاجرين، وبقى أن يطمئن إلى الأنصار الذين قد يتوهمون أن العهد الأوّل لا يلزمهم بالخروج، فقال: أشيروا على أيها الناس (يريد الأنصار) . قال سعد بن معاذ: «والله لكأنك تريدنا يا رسول الله» قال عليه الصلاة والسلام: «أجل» .
عندئذ آمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى قد صدق وعده، وأن معه جيشا يؤمن بالله وبالحق، وأنه لا يتردد، ولذلك سر عليه الصلاة والسلام بقول سعد، ونشطه