الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإفك مع أنها الضرة التى كانت تناصى عائشة رضى الله عنهما المنزلة عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان قد نزل حد القذف من قبل.
وهنا يرد سؤال: إن الذين تحدثوا حديث الإفك كانوا أكثر من ثلاثة، فقد تناول القول به غير ثلاثة، بل إن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: إن الذى تولى كبره عبد الله بن أبى، فلماذا لم يقم الحد، إلا على هؤلاء الثلاثة.
ونقول في الجواب عن ذلك أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر أن هؤلاء قد صرحوا بالرمى ويظهر أنه قام الدليل على أنهم تكلموا، ولم يقم الدليل على غيرهم.
ولكن أم المؤمنين عائشة قالت إن الذى تولى كبره رأس المنافقين فكيف لا يحد، وهو الآثم الأوّل.
ونقول في الجواب عن ذلك أنه بلا ريب هو الذى تولى كبر هذا، بالتنبيه على ما يسهل على غيره الرمى، من غير أن يصرح بالرمى، ويدس الخبر في الناس بلحن القول من غير تصريح، فيحمل الناس على أن يتكلموا، وهو لا يظهر الكلام إلا بين خاصته الذين يشيعون الإفك بتوجيه الأذهان إليه من غير أن يصرحوا، فهم يوعزون بالقول، ولا يظهرون، ويدفعون غيرهم، ولا يتكلمون، وتلك حال المنافقين يستترون ولا يتكلمون، وبذلك تتحقق في غيرهم شروط إقامة الحد، ولا تتحقق فيهم، والله أعلم.
والقذف هو الرمى بالزنى، سواء أكان رميا للرجل أو المرأة.
حد اللعان
501-
واللعان نزل عقب بيان حد القذف وقبل حديث الإفك، وحد القذف سببه رمى الرجل أو المرأة بالزنا إذا لم يكن بينهما عقد زواج، أى يكون المقذوف ليس زوجا للقاذف.
أما اللعان فإنه يكون عند ما يرمى الزوج زوجته، واللعان أن يحلف الزوج الرامى أربع مرات أنه صادق فيما يرمى به زوجته من الزنا أو نفى الولد منه، والخامسة أن لعنة الله تعالى عليه إن كان من الكاذبين، فالحلف تضمن سلبا وإيجابا، والإيجاب كان بالحلف على وقوعه، والسلب كان بالحلف باستحقاق لعنة الله إن كان كاذبا.
وقد ثبت بقوله تعالى بعد آية حد القذف: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ، فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخامِسَةُ
أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ. وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (النور- 6، 9) .
وكان اللعان إذا كانت الزوجية قائمة وقت الرمى بالزنا بأن تكون قائمة حقيقة، أو حكما بأن تكون في عدة الطلاق الرجعى.
واختص رمى الزوج لزوجته بألا تكون شهادة أربعة، لأنه لا سبيل لأن يحضر أربعة يشهدون واقعة زنى زوجته، ولأن الغيظ الذى يكون عليه الزوج لابد أن يطفأ ولو بالقول في حضرة الحاكم.
ولقد جاء رجل إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: يا رسول الله، إن الرجل يجد الرجل مع أهله، وإن قتله قتلتموه، وإن تكلم ضربتموه، وإن سكت، سكت على غيظ، اللهم بين، فنزلت آية اللعان مبينة كاشفة.
وإنه إذا تم اللعان فرق بين الزوجين، فرقة أبدية عند جمهور الفقهاء، وأجاز أبو حنيفة العودة إليها بعقد جديد ومهر جديد إذا كذب نفسه.
وقد قال بعض الناس في أيامنا هذه هل يطبق حد اللعان إذا رمت المرأة زوجها بالزني، ولم يكن عندها شهداء أربعة.
ونقول في الجواب عن ذلك أن اللعان ورد بالنص في حال ما إذا رمى الزوج زوجته، وكان تفصيله في الحلف أربعة إيجابية، وواحد سلبى، أما المرأة، فكان أربعة سلبية وواحد إيجابى.
ولا يمكن ثبوت الحدود إلا بالنص، إذ أنها تدرأ بالشبهات، فإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقول:«ادرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم» .
ولا يمكن أن نثبته بالقياس، لأن علة القياس غير ثابتة بقدر واحد في المقيس والمقيس عليه، إذ أن المرأة وعاء النسل للرجل، فمن حقه أن ينفى نسب الولد إذا كان من غيره، ولأن زنى المرأة أشد خطرا على الأنساب من زنا الرجل، فليسا مشتركين في علة التخفيف من القذف إلى اللعان، ولأن المرأة في بيت الرجل، فالحكم منه بالزنا عليها قد يكون من غير حضور شهداء، يشهدون.
أما الرجل فالزنا منه في أكثر الأحوال يكون خارج المنزل، فعلمها به، إما أن يكون من غير بينة، بل بالحدس والتخمين أو بإخبار الناس من غير تعيين للمخبرين، وذلك هو الغالب، وإما أن يكون بمخبرين معينين، وفي هذه الحال تثبت الرمى بالزني، ويكون حينئذ حد القذف، وما يترتب عليه من عقوبات مادية وتبعية، والله سبحانه وتعالى هو العليم بذات الصدور.