الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاؤا معهم بالشعراء والخطباء ليحرضوا، وليدفعوا في الجند روح البأس والقوة وحب النضال، ولم يتركوا بابا من أبواب الإعداد إلا دخلوا منه.
وكان ممن اشترك في التحريض على القتال أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحى، وكان قد أسر ببدر الكبرى، فمن عليه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بغير فداء، لأنه فقير كثير العيال، على ألا يظاهر عليه، وبالتالى لا يكون لسانه للتحريض على قتال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
ولكن المشركين مازالوا به حتى أخرجوه عن عهده للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد قال له صفوان بن أمية: يا أبا عزة إنك امرؤ شاعر، فأعنا بلسانك، فاخرج معنا، فقال: إن محمد قد منّ على، فلا أريد أن أظاهر عليه، قال: بلي، فأعنا بنفسك، فلك عهد الله على إن رجعت أن أعينك في بناتك وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتى، يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر.
خرج أبو عزة وأخذ يحرض بنى كنانة هو وغيره على أن ينضموا إلى جيش قريش ومن معهم فى قتال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
ويظهر أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد علم بمخرجهم، وفي كثير من الروايات أن العباس ابن عبد المطلب الذى لم يشترك في هذه الحملة أرسل إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يخبره.
وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان له فوق ذلك العيون يبثها ويتعرف أخبارهم، فيعرف عيرهم وبالأولى يعرف نفيرهم، ولكنه انتظر حتى يقع ما توقع، ويكون أمامهم وجها لوجه، وما كان له أن يلقاهم قبل ذلك في غير مأمنه، وحيث مستقره.
وقد سار جيش قريش سيرته، حتى وصل إلى المدينة المنورة، وانساب في مزارعها، تأكل وتعبث أفراس المشركين وإبلهم، متحدّين مهاجمين.
لقاء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لهم
414-
كان قدوم ذلك الجيش اللجب إلى المدينة المنورة في أوّل شوال من السنة الثالثة، وكانت الغزوة في منتصفه، وروى أنها كانت في الحادى عشر منه.
وقد أخذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الأهبة للقاء لا بكثرة العدد والعدة، ولكن بقوة الإيمان والحق وقوة الشورى، وبث روح التعاون، والاندماج النفسى بالشورى، فإن الشورى بين المخلصين تجعل نفوسهم تندمج، وتحس كل نفس بأنها جزء من الأنفس.
وقف عليه الصلاة والسلام بعد الصلاة بين المسلمين، وقد عاينوا، وأحس المؤمنون منهم بأن الأمر خطر، أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يستشير المسلمين قبل المعركة.
وكان محور الشورى يدور على أمرين: أيخرج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بجيش الإيمان، ويقاتلهم حيث يكون خير مكان للقتال، أم أنه يبقى في المدينة المنورة، فإن أقاموا أقاموا في أسوأ مقام، وقد ينفد منهم الزاد والراحلة، وإن يدخلوا إلى المدينة المنورة ولها مسالكها المبنية بالحجارة والآجر، وكأنها حصن وهم لا يعرفون مداخله. كانت الشورى في أى الأمرين أنكى للعدو، وأقرب إلى النصر، لقد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يكره الخروج، وروى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال:
«امكثوا واجعلوا الذرارى في الآطام فإن دخل علينا القوم في الأزقة قاتلناهم، ورموا من فوق البيوت» ، وروى ابن إسحاق أنه عليه الصلاة والسلام قال:«إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة، وتدعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها» .
وإنه مما يسترعى الأنظار أن عبد الله بن أبى ابن سلول كان على هذا الرأى، ولعله جبن اللقاء منه، ولكيلا ينكشف النفاق، أو لأنه يرى أن بعض مواليه اليهود قد يجدها فرصة للانقضاض.
ومهما يكن من مقصده، والله أعلم بذات الصدور، فإنه قد قال:
يا رسول الله، أقم بالمدينة لا تخرج إليهم، فو الله ما خرجنا منها إلى عدولنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤا.
وقد خالف ذلك الرأى- مع أنه رأى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم- كثيرون من المجاهدين، وكانوا صنفين، صنف من أهل النجدة والبأس والقوة لم يجدوا في الانتظار ما يتفق مع ما عندهم من إقدام، وأنه لابد أن يلاقوهم ولا ينتظروهم ومن هؤلاء حمزة بن عبد المطلب أسد الله، فقد قال في قوة:
«والذى أنزل عليك الكتاب لنجالدنهم» .
وقال رجال من الأنصار الأشداء: ومتى تقاتلهم يا رسول الله إذا لم تقاتلهم عند شعبنا.
والصنف الثانى من الذين لم يحضروا بدرا، وأرادوا أن يكون لهم في هذه الموقعة شرف مثل شرفها، وقالوا: كنا نتمنى مثل هذا اليوم، وندعو الله، فقد ساقه إلينا، وقرب المسير.
وبذلك انتهى الرأى بالخروج، لتكاثر الذين أرادوه، وكثرة الذين أرادوا أن يستعيضوا عن شرف الجهاد في بدر بشرف الجهاد في أحد.
وما كان لمحمد عليه الصلاة والسلام الذى جاء بالشورى، وأمر بها إلا أن يستجيب لحكم الكثرة، ولا يفرض فيه الخطأ، كما يفعل ويروج المستبدون في هذا العصر، إذ يفرضون في أنفسهم