الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال على: فإنى أدعوك إلى النزال. فقال له: لم يابن أخى، فو الله ما أحب أن أقتلك، قال له على: لكنى والله أحب أن أقتلك، فحمى عمرو عند ذلك واقتحم عن فرسه، وعقره. ونزل للقاء على، ويظهر أن عليا كان راجلا، فأبى أن يقاتل عليا إلا راجلا.
ثم أقبل على على، فتجاولا وضرب ضربة تلقاها على بدرقته، ولكنها اخترقتها وجرحت رأس على، فضربه على ضربة في ترقوته فقتلته، وكانت ضربات على أبكارا: عندئذ كبر المسلمون، فعلم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن عليا رضى عنه قد قتله.
أقبل على نحو رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ووجهه يتهلل، فقال له عمر بن الخطاب:
هل استلبته درعه، فإنه ليس للعرب درع خير منها، قال على: ضربته، فاتقانى بسوءته، فاستحييت ابن عمى أن أسلبه.
ويظهر أنه كان عظيما بين المشركين يعزونه فأرسلوا يطلبون جثمانه بمال يقدمونه، فأعطاهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إياه، وقال: هو لكم لأننا لا نأكل ثمن الموتى.
كان أولئك الذين قد اجتازوا الخندق وفيهم عكرمة، وغيره، وفي بعض الروايات فيهم خالد بن الوليد، قد رأوا ما كان بين على وعمرو بن عبد ود الذى كان كما قيل لم يهزم في مبارزة قط، ولم يلبثوا من بعد مقتله إلا أن يجتازوا الخندق كما بدأوا، وما تقدم أحد منهم لعلى بعد أن قتل عمرو بن عبدود.
وقد ذكر ابن جرير في تاريخه أن نوفل بن عبد الله بن المغيرة تورط في الخندق، ورماه المؤمنون بالحجارة وجعل يقول: قتلة أحسن من هذه، فنزل إليه على وقتله، وروى أن الذى قتله الزبير بن العوام، وطلبت قريش جثته بعد قتله في نظير مال، فأعطاه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من غير مال، وقال لا نأكل ثمن الموتى.
الهجوم على بيوت المؤمنين
469-
استمر الحصار قائما بعد الهجمة التى هجمها الذين اجتازوا الخندق من مكان ضيق غير مرتفع، وقد قتل اثنان من المشركين فيه، وهما نوفل المخزومى، وعمرو بن عبد ود العامرى، ثم الرهبة بعد ذلك من اجتيازه، وكان النبل من الجيش منهمرا كالسيل، والمسلمون ينالونهم بالرمى أيضا، وقد قتل منهم واحد بالنبل، وقتل من المسلمين خمسة، أصيبوا فقتلوا والسادس كان هو سعد بن معاذ الصحابى الجليل الذى كان ثانى اثنين ذهبا إلى بنى قريظة، ورأوا خيانتهم للعهد في وقت الشديدة، وسعد رضى الله عنه كان قد خرج إلى الميدان بدرع غير سابغة، فذراعاه كانتا عاريتين، وأصابه سهم في
أكحله، أثبته، ولكنه دعا الله تعالى ألا يموت إلا بعد أن يرى في بنى قريظة جزاء غدرهم فعاش رضى الله تعالى عنه، حتى كان هو الحاكم فيهم ثم قبضه الله تعالى إليه راضيا مرضيا.
كانت المناوشة إذا بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم والمشركين، إذ عجزوا عن أن يصلوا إلى المؤمنين والخندق أمامهم، والمؤمنون الصادقون من على وإخوانه من ورائه، ومعهم سيوف تبرق.
فلم يكن لهم إلا الهجوم على بيت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من أسفل المدينة، وإن ذلك كما يظهر من جانب قريظة، فهو الجانب الذى يمكن أن يجيء الشرك إلى المدينة من جانبه، وإن الظن أن بنى قريظة هم الذين قاموا به تأييدا لحلفائهم الذين نقضوا الميثاق من أجلهم، وليشفوا غيظهم، ولينالوا ثأر بنى النضير وبنى قينقاع من إخوانهم، وإن كان ما أصابهم إنما هو بالاعتداء ونقض العهد، وغدرهم برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
يقول ابن كثير في تاريخه نقلا عن عقبة بن موسى «وجهوا نحو منزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كتيبة فقاوموهم يوما إلى الليل، فلما حانت صلاة العصر رجعت الكتيبة فلم يقدر النبى ولا أحد من أصحابه الذين كانوا معه، أن يصلوا الصلاة على نحو ما أرادوا، فانكفأت الكتيبة مع الليل، وروى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: شغلونا عن الصلاة ملأ الله بطونهم وقلوبهم وقبورهم نارا» .
وإن هذا الخبر يفيد أن الذين كانوا على حراسة المؤمنين من خيانة بنى قريظة هم الذين قاتلوهم، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لحق بأولئك المجاهدين الأبرار، وردوهم فلم ينالوا شيئا من بيوت المؤمنين، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إذ لحق بأولئك المجاهدين ترك حراسة الخندق للمجاهدين من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله تعالى عليه، وما بدلوا تبديلا.
وإن كانوا لم ينالوا منالهم، فقد أزعجوا البيوت في المدينة، وتلك هى الجريمة الكبرى التى ارتكبها القرظيون بنقضهم للميثاق كشأن أسلافهم وأعقابهم من بعدهم، وإن ذلك أمارة اشتداد البلاء، وأن الجمع بين صلاة العصر والمغرب في وقت المغرب قد ثبت في صحاح السنة في هذه الموقعة.
فقد رواه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى، وصيغته كما في البخارى عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أصلى حتى كادت الشمس تغرب، قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم «والله ما صليتها» فنزلنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فتوضأ للصلاة، وتوضأنا، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس. ثم صلى بعدها المغرب.