الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرأى إزاء تلك المحبة والمودة أن يرسل الجمل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد وهبه له، فرده النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إليه، وأرسل معه ثمنه، وهو الأوقية من الذهب التى ارتضاها ثمنا له.
ولننقل كلام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لنرطب به أسماعنا، ونملأ به قلوبنا.
لما رأى الجمل قال: ما هذا؟ قالوا: هذا جمل جابر، فقال: أين جابر، فذهب إليه فقال الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم:«يا ابن أخى خذ برأس جملك فهو لك» ودعا بلالا فقال له: اذهب بجابر. وأعطه أوقية ذهب.
ذكرنا هذه القصة لنعرف مودة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ورأفته بهم، وملاحظته وإدخال السرور على نفوسهم، وإذهاب العنت عنهم، لتكون منهم قوة في الأرض، فليست القوة، بالفظاظة والتحكم، إنما القوة بالمحبة والتراحم والتودد.
غزوة بدر الآخرة
454-
فى نهاية غزوة أحد من قبل المشركين نادى أبو سفيان مهددا، أو واعدا بأن موعدكم بدر من العام المقبل. وما كان أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ليخافوا اللقاء، وقد أدوه في أعقاب قفول قريش.
ولذلك خرج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى بدر في شهر شعبان من السنة الرابعة فيلقاهم بمنى ولينتصف لجرحى أحد وشهداء المسلمين، وخصوصا سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عمه وأخاه في الرضاعة. خرج في ذلك الميقات. وأقام على المدينة المنورة عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول، أى ابن رئيس المنافقين ولم يكن كأبيه، بل كان برا تقيا، ومؤمنا صادقا. حتى إنه لما اشتد أمر النفاق، قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: دعنى أقتل عبد الله بن أبى حتى لا يقتله مؤمن فيحنقنى. اختاره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على المدينة، لمكانته في الإيمان وأهله، ولتبرأ نفسه من سقامها. وفي الوقت الذى كان يقيم فيه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عبد الله بن عبد الله بن أبى مقامه على المدينة، كان أبوه عبد الله بن أبى يثبط المسلمين عن الخروج للقاء قريش، فيروى عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم استنفر الناس لموعد أبى سفيان، وانبعث المنافقون يثبطونهم،
فسلم الله تعالى أولياءه، وخرج المسلمون وصحبه إلى بدر. وأخذوا معهم بضائع، وقالوا: إن وجدنا أبا سفيان، وإلا اشترينا من بضائع موسم بدر. خرج المسلمون كما ترى يتمنون أن يكسروا أنف الشرك.
خرج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى بدر ومعه نحو خمسمائة وألف، وقد خرج على نية لقاء العدو حتى نزل وانتظر ثمانى ليال، عساه يلقى قريشا بقيادة أبى سفيان كما وعد أو توعد، ولكنه لم يجيء في الميقات.
وأبو سفيان كان قد أراد الخروج على تردد، فخرج في أهل مكة، حتى نزل مجنة من ناحية الظهران، ولكنه مع خروجه ووصوله إلى ذلك المكان كان التردد لا يزال يسيطر عليه، خشية العاقبة، ولذا بدا له أن يعود من حيث نزح، وقال في سبب نكوصه لقومه:
…
فكان أهل مكة المكرمة يسمون الجيش الذى خرج بقيادة أبى سفيان ثم عاد جيش السويق يقولون إنما خرجتم تشربون السويق.
ولعل هذه النظرة وذلك القول فيه لوم وتهكم، لأنهم خرجوا للقتال وعادوا من غير لقاء أو قرب منه. وإن هذا يدل على أن أبا سفيان تخاذل عن اللقاء، والسبب الذى استحله للعودة وهو الجدب كان قائما وقت الخروج فكان أولى أن يمنع الخروج، لا أن يوجبه. ولكنه فكر وقدر الهزيمة، وقد ذاق مرارتها في بدر، فاثر العافية، ورضى من الغنيمة بالإياب.
وأتى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو بماء بدر بعض بنى ضمرة الذين كان قد وادهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في غزوة ودان التى غزاها، وقال للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم:
يا محمد أجئت للقاء قريش، وقد يوهم سؤاله أنه مال مع المائلين لقريش بعد أحد، وإشاعة قريش أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم هزم، وما كانت هزيمة.
قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: «نعم أخا بنى ضمرة وإن شئت رددنا- أى ما كان بيننا وبينك من موادعة- وجالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك» .
قال: لا، والله يا محمد ما لنا بذلك من حاجة.
رجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى المدينة، ولم يلق حربا، وكان النكوص من جانبهم وإن ذلك بلا ريب يزيل ما كانوا يرجونه من إشاعة الهزيمة ليوهنوا شأن النبى والمؤمنين في بلاد العرب، ويعلو شأنهم فيتهيبهم الناس دونه.