الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ. هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ. يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (المنافقون- 1- 8) .
هذا حكم الله على المنافقين، وقد حكم الله تعالى بأنهم لا يفقهون، ولا يجزيهم استغفار الرسول لهم، لأنهم عثوا في كفرهم إذ الكفر من غير نفاق جهل وحمق وعناد، ومنشؤه غالبا من عدم إدراكهم الحق، فهم لا يذعنون، وتوبتهم قريبة إذا زالت غواشى الضلال والجهالة. أما النفاق فهو دركتان فى الكفر هو عناد وحقد من غير جهل، ومحاولة لستر الحقائق وإبعادهم ذرائع الإيمان عن نفوسهم، ومحاولتهم طمس الحقائق في قلوبهم، فطبع على قلوبهم، ولذلك وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنهم لا يفقهون، فلا يشق نور الحق قلوبهم المعتمة.
الأسرى والسبايا من بنى المصطلق:
493-
أثخن المسلمون في بنى المصطلق، إذ لم تبق فيهم قوة يستطيعون أن يغيروا بها على المؤمنين فإنه قتل منهم من قتل، وسيق الباقون أسرى وسبايا، ولم يسترقهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهائيا فقد شد الوثاق ابتداء، وقيل إنه وزعهم غنائم على المحاربين، ولكنه أطلقهم في النهاية، ونرى أنه تدرج في معاملة الأسرى، ونرجح بهذا المعنى أن غزوة بنى المصطلق كانت بعد غزوة قريظة، ذلك أنه فى غزوة قريظة قتل الرجال، وسبى النساء، وباعهن في نجد في خيل اشتراها في مقابلهن قوة للمسلمين.
أما في هذه وهى غزوة بنى المصطلق فقد تصرف صلى الله تعالى عليه وسلم تصرفا حكيما أدى إلى ألا يباع منهم أحد، حتى بعد تقسيمهم بين الغانمين، وألا يسبى منهم امرأة بعد تقسيمهم.
فإن كتب السيرة تروى ما ثبت في صحاح السنة، وذلك أن الناس قسموا الرجال والنساء بينهم، وأبقى رسول الله جويرية بنت الحارث التى صارت من بعد من أمهات المؤمنين، ولنترك الكلمة لابن هشام الذى روى بعض الروايات، فهو يقول:
يقال أنه لما انصرف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من غزوة بنى المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث، دفعها إلى رجل من الأنصار وديعة وأمره بالاحتفاظ بها. وقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المدينة، فأقبل أبوها الحارث بن ضرار لفداء ابنته، فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التى جاء بها
للفداء، فرغب في بعيرين منها، فغيبهما في شعب» من شعاب العقيق، ثم أتى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وقال:«يا محمد، أصبتم ابنتى، وهذا فداؤها» فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا» فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، فو الله ما اطلع على ذلك إلا الله تعالى.
أسلم الحارث، وأسلم معه ابنان له وناس من قومه، وأرسل إلى البعيرين، فجاء بهما الرسول؛ فدفع الإبل إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ودفعت إليه ابنته جويرية، فأسلمت، وحسن إسلامها، فخطبها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أبيها، فزوجه إياها، وأصدقها أربعمائة درهم.
وقد أعتق بعد ذلك كل من كان في يده واحد منهم، وقالوا: أنسترق أصهار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
هذا ما قاله ابن هشام، ولم يذكر الرواية التى اعتمد عليها، وإن كانت الصحاح توميء إلى ذلك، وإن لم تفصله ذلك التفصيل، وهذا الخبر يدل على أن الرق لم يكتب على أم المؤمنين جويرية.
ولكن ابن إسحاق روى عن أم المؤمنين ما يفيد أن رقا قد كتب عليها، وإليك ما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها وعن أبيها، وإليك ما رواه عروة بن الزبير عن عائشة قالت: «لما قسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سبايا بنى المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس أو لابن عم له، فكاتبت على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مستعينة في كتابتها
…
فدخلت؟ فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث، سيد قومه، وقد أصابنى من البلاء ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس أو لابن عم له، فكاتبته على نفسى، فجئتك أستعين على كتابتي، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:«هل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضى عنك كتابتك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول الله، قال: قد فعلت» .
وإن الفارق بين الروايتين أن ما ذكره ابن هشام، أن أباها هو الذى زوجها من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنه لم يجر عليها الرق إذ افتداها أبوها بالإبل، وذكر فيها الصداق، وهو أربعمائة درهم، أما رواية ابن إسحق فكتبت أن الرق قد كتب عليها، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم دفع عنها ما كاتبت عليه.
ونحن نرى أن سياق ابن هشام أكثر انسجاما، واتساقا مع أحكام الإسلام، إذ أن وليها هو الذى زوجها، وذلك مبدأ مقرر في الإسلام، ولم يجز للمرأة أن تعقد زواجها بنفسها إلا أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه، وخالفه جمهور الفقهاء.