الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليهود وأعداء محمد صلى الله تعالى عليه وسلم على شيء دون ما نص عليه، وقد وفي النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بهذا العهد.
فهل وفي اليهود؟!!، إن الأمور التى تجرى كفيلة بالجواب، مع ملاحظة أن الأمر يوجب الوفاء من الجانبين، وإن أخل أحدهما ذهبت الحقوق التى تضمنتها الوثيقة له، وإذا كان الإخلال فيما يتعلق بالأمور الخارجية، وهى موالاة اليهود للمشركين على المؤمنين، فإنه في هذه الحالة تزول صفة الجوار، ويكون من الواجب على من ينكث أن يترك الجوار، ويتخلى عن الإقامة في المدينة، وحل للطرف الآخر أن يخرجه طوعا أو كرها، فإن لم يفعل كان يحل له أن يحمى ظهره، ولو بقتله، لأنه صار عدوا له، وأصبح كالثعبان يكون في بطانة الرجل، فيجب أن يبعده، ولو بقتله، لأن الأمر إما سلم فيها الأمن، وإما حرب فيها الخوف.
الأذان
343-
تكونت جماعة الإسلام، ووضع صلى الله تعالى عليه وسلم نظم هذا الاجتماع، وألف القلوب فيه، بالإخاء بين المؤمنين. ووضع النظم للتأليف بين من يدخلون في الإسلام من بعد.
ثم كان عقد الوثيقة التى ألفت بين الجماعات في المدينة المنورة كما ألفت الإخاء بين الآحاد، وبين الواجب على كل جماعة ثم عقد العهد مع اليهود على أن يكون لهم ما للمؤمنين في الشئون العامة، ولهم شئونهم الخاصة، يتحاكمون فيها فيما بينهم، وإن احتكموا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فله أن يحكم بينهم بما أنزل الله تعالى في القرآن الكريم.
وبعد هذا التأليف وذاك التكوين بيّن ما يربط جماعة المؤمنين قلبيا، بعد أن سن ما ألف بين قلوبهم اجتماعيا، وذلك بتنظيم الجماعات في الصلاة والتنبيه العام بمواقيتها، والدعوة إليها، لتؤدى جماعة في أوقاتها، وذلك بالأذان، فكان شرعه في هذا الإبان.
يقول في ذلك ابن إسحاق: «فلما اطمأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالمدينة المنورة، واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين، واجتمع إليه أمر الأنصار، استحكم أمر الإسلام فقامت الصلاة وفرضت الزكاة والصوم وقامت الحدود، وفرض الحلال والحرام، وتبوأ الإسلام بين أظهرهم، وكان هذا الحى من الأنصار هم الذين تبوؤا الدار والإيمان.. وقد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حين قدمها، إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة، فهمّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن
يجعل بوقا كبوق يهود الذى يدعون به لصلاتهم، ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس، فنحت ليضرب به للمسلمين» .
ويلاحظ على هذا الكلام أمران:
أولهما: أن ما ذكره من قيام الصلاة وفرضية الزكاة والصوم، وإقامة الحدود وفرض الحلال والحرام إنما كان في أوقات مختلفة من بعد ذلك، وبعضها كان قبل الهجرة، وهو فرض الصلاة، فقد فرضت في الإسراء والمعراج، كما هو مذكور في موضعه، ولعل الذى جد في المدينة المنورة هو قيامها جماعة في أمن واطمئنان، وعبارة ابن إسحاق قد توميء لذلك.
الأمر الثانى: أن كلام ابن إسحاق فيه أن خاطر البوق اليهودى خطر للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكذلك ناقوس النصارى.
ولكن روى ابن ماجه عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم استشار الناس لما يهمهم من الصلاة، فذكروا البوق، فكرهه من أجل اليهود، ثم ذكروا الناقوس، فكرهه من أجل النصارى.
وهذا الخبر يخالف ما قاله ابن إسحاق في روايته من جهتين:
أولاهما: فى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هو الذى هم بالبوق، والرسول في الرواية الثانية قد استشار، وكره عليه الصلاة والسلام ما أشاروا به.
الثانية: أن رواية ابن إسحاق فيها ما يفيد أنه أخذ في تنفيذ فكرة الناقوس، مع أن الرواية الأولى تقول أنه كرهه، ونحن نرى أن هذه الرواية الأخيرة هى الأليق بمقام الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وهى الأنسب، فهى عندى أصح، والله أعلم.
ويسترسل ابن إسحاق في أمر الأذان، فيقول:«فبينما هم على ذلك إذ رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه «النداء» فأتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: «إنه طاف بى هذه الليلة طائف: مربى رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده، فقلت له: يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به! قلت ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خير من ذلك! قلت: وما هو؟ قال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حى على الصلاة، حى على الصلاة، حى على الفلاح، حى على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله» . فلما أخبر بها رسول الله
صلى الله تعالى عليه وسلم قال إنها لرؤيا حق إن شاء الله. فقم على بلال فألقها عليه، فإنه أندى صوتا منك، فلما أذن بلال سمعها عمر بن الخطاب. وهو في بيته. فخرج إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو يجر رداءه، ويقول:«يا نبى الله، والذى بعثك بالحق، لقد رأيت مثل الذى رأى» فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: فلله الحمد على ذلك.
هذا سياق ابن إسحاق في هذا الاهتداء إلى صيغة الأذان. وأن ذلك كان برؤيا رآها بنصّه اثنان من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأن هذا نتيجة لرواية الشورى التى استشار بها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه.
وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أقر الرؤيا فكان الأذان على ذلك شرعا بإقرار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وذلك على أن إقرار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم هو الذى شرع الأذان لا الرؤى والأحلام.
ولكن علق ابن هشام في سيرته على رواية ابن إسحاق بأن الوحى قد نزل بالأذان، وصيغته، فقال:«ذكر ابن جريج قال: قال لى عطاء: سمعت عبيد الله بن عمير الليثى يقول: «ائتمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة، فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشترى خشبتين للناقوس إذ رأى في المنام: «لا تجعلوا الناقوس، بل أذنوا للصلاة، فذهب عمر إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ليخبره بالذى رأى وقد جاء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الوحى بذلك، فما راع عمر إلا بلال يؤذن، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حين أخبره بذلك، قد سبقك بذلك الوحى»
وإن هذه الرواية تصرح بأن الوحى نزل على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وفيه تفصيل الأذان بأركانه وهى ليست رؤيا عبد الله بن ثعلبة بن ربيعة.
وإنا نميل إلى هذه الرواية، وذلك، لأن الأذان شعار من شعائر الإسلام، وأنه تعرف به الجماعات الإسلامية، وما يكون كذلك من العبادات لا يكون من الأمور التى تكون بشورى الناس، وقد تكون الشورى ابتداء لمعرفة طريق الإعلام، فجاء الوحى بهذا الطريق الذى يعتبر سنة، وما كانت السنة تعرف بطريق رؤى الآحاد، إنما تكون بوحى من الله تعالى، وإن الأذان لكل صلاة سنة مؤكدة، وكثيرون من العلماء يقولون إنه بالنسبة للجماعات فرض كفاية تأثم الجماعة كلها إذا تركته.