الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان الله تعالى لخطأ الأسر
390-
نزل القرآن الكريم من بعد القيام بما اتجهت إليه الشورى بالنسبة للأسرى ببيان الخطأ فى أن المسلمين أسروا قبل أن يثخنوا، وهو ما كان يميل إليه سعد بن معاذ الأنصارى رضى الله تبارك وتعالى عنه، ولقد ذكر الخبر كما رواه ابن إسحاق «أنه لما وضع القوم أيديهم يأسرون رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في وجه سعد بن معاذ، فقال له: كأنى بك يا سعد تكره ما يصنع القوم. قال: أجل والله يا رسول الله كانت أوّل وقعة أوقعها الله تعالى بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرجال» ولقد قال الله سبحانه وتعالى بعد إنهاء ما أشار إليه الشورى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا، وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى، إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً، يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنفال- 76: 70) .
إذن كان الخطأ، لا في أنهم فدوهم، ولا في أنهم منوا عليهم، ولكن في أنهم أخذوا الأسرى قبل الإثخان، أى قبل أن يثقلوهم بالجراح، حتى لا يستطيعوا أن يثيروا عليهم معركة أخرى، أو تكون صعبة عليهم لكثرة القتلى، ومن بعد ذلك يكون الأسر، ويكون المن أو الفداء، كما قال الله سبحانه وتعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ، وَإِمَّا فِداءً، حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها (محمد- 4) .
ويجب أن نذكر هنا ثلاثة أمور:
أولها- فى معنى قول الله سبحانه وتعالى: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فإن الكتاب الذى قرره الله سبحانه وتعالى، هو أنه لا عقوبة إلا بنص على المنع، ولم يكن ثمة نص على منع أخذ الأسرى، قبل الإثخان، وإن ما فعله النبى صلى الله تعالى عليه وسلم اجتهاد، ولا عقوبة على الاجتهاد في الخطأ.
ثانيا- أن كثيرين ممن كتبوا في الماضى- وتبعهم أهل الحاضر- أن القرآن الكريم نزل موافقا لرأى الإمام الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه، فى الأسرى، ونحن نرى أن ما جاء به القرآن الكريم لا يوافق رأى الفاروق، لأن ما جاء به القرآن الكريم، إنما كان معارضة لأصل الأسر قبل الإثخان، ولم يعترض الفاروق على الأسر قبل الإثخان.
إنما الذى كره الأسر قبل الإثخان في القتل سعد بن معاذ رضى الله تبارك وتعالى عنه، فإذا كان ثمة فضل في نزول القرآن الكريم موافقا لما كره سعد، فله في هذا الفضل، يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ (آل عمران- 74) .
ثالثا- وهو الأمر الجدير بالاعتبار عند أهل الاعتبار، وهو أن الله سبحانه وتعالى وحده يعلم الغيب، ويعلم السر وأخفى، وهو سبحانه وتعالى يعلم أن أخذ الأسرى قبل إثخان العدو، خطأ، فلماذا ترك النبى- رسوله وحبيبه- ومعه صحابته يخطئون، وقد كان وحده هو الذى يعلم الصواب.
والجواب عن ذلك أن هذا فيه عظة وعبرة، ذلك أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الذى يوحى إليه، والذى علمه ربه وأدبه فأحسن تأديبه، إذا ترك يتصرف باجتهاده فقد يخطئ، ولا ينزه عن الخطأ أحد ولو كان نبيا، إلا أن يعلمه الله سبحانه وتعالى، فهو وحده العليم الحكيم الذى يعلم المستقبل كالحاضر والماضى، وفي ذلك توجيه للذين يستبدون، وبيان أنهم يخطئون، وليس لهم أن يدفعهم الغرور، فيحسبوا أن آراءهم منزهة عن الخطأ فيتردون بأممهم في أفسد النتائج.
إن ترك محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو الذى يوحى إليه، ثم هو في ذاته أعقل الرجال، إذ كانوا قبل البعثة يهتدون برأيه- يخطيء في رأيه، ثم ينبه إلى الصواب، فيه عبرتان لأولى الأبصار: -.
أولهما- لأنه لا يصح لأحد أن يغتر برأيه، فيحسبه الصواب الذى لا يقبل الخطأ، ويعتقد فى نفسه العلم، وفي غيره الجهل.
الثانية- أنه ليس لأحد أن يستبد في تفكيره الذى يعمل فيه للجماعة، فلا يقول ما قاله فرعون.
ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى، وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (غافر- 29) .
فعلينا معشر المؤمنين أن نتأدب بأدب الله سبحانه وتعالى، وهو ألا ندلى أنفسنا وجماعتنا بالغرور، فتكون السوءى، فى حاضر الأمة ومستقبلها، وعلينا أن يكون لنا في رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أسوة حسنة، ولا يكون لنا من فرعون، متبوع يتبع، فالحق أحق أن يتبع.
ولقد رأينا في عصرنا إخوان فرعون يطلبون أن يتلى ما يكتب لهم كأنه تنزيل من التنزيل وقد بوؤا بهذا الغرور عنهم، والخنوع من غيرهم- أمتهم سوء الدار، وبئس القرار، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37- ق) .