الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثانى: أن القرآن الكريم الذى كان ينفذه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ويبينه كما قال سبحانه وتعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ أن هذا القرآن الكريم يذكر بالنسبة للأسرى أمرين لا ثالث لهما، وهما إما المن عليهم بإطلاق سراحهم، وإما الفداء بالمال أو الرجال، فقد قال الله سبحانه وتعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ، وَإِمَّا فِداءً، حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها (محمد- 4) .
وكما أشرنا: أن الفداء قد يكون بالرؤوس، فيطلق من أسارى المسلمين في نظير أن يطلق المسلمون من أسرى الأعداء. وقد يكون بالمال.
وإذا كان الأسير فقيرا ولا مال له، فإنه يتعين تسريحه، ويكون ذلك من الصفح الجميل الذى أمر الله سبحانه وتعالى نبيه به بقوله: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (الحجر: 87)، وعن أخذ الأمور بالعفو كما قال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ
(الأعراف- 199) .
حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عبادة
361-
أعظم العبادات الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، وإذا كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد علم المؤمنين الصلاة، وقال:«صلوا كما رأيتمونى أصلى» فقد علمهم الحرب الفاضلة أيضا، بل علم الإنسانية كلها الحرب الفاضلة، ولسان حاله عليه الصلاة والسلام يقول:«حاربوا في سبيل الفضيلة وبالفضيلة كما رأيتمونى أحارب» فحرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد أدت مقصدها، وهو جعل كلمة الله سبحانه وتعالى هى العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، ولا تزال المثل السامية التى صورتها الحرب المحمدية قائمة تهدى وترشد العالمين، ولقد عد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أعلى درجات الزهادة والعبادة الجهاد، ولذلك قال صلى الله تعالى عليه وسلم:«الجهاد سنام الدين» .
وقد منع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الرهبانية. وقال «لا رهبانية في الإسلام» وبين أن رهبانية الإسلام هى الجهاد، فقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم:«فى كل أمة رهبانية، ورهبانية هذه الأمة الجهاد» ، وقد علل ذلك الإمام السرخسى بأن فيه العشرة مع الناس، والتفرغ عن عمل الدنيا والاشتغال بما فيه سنام الدين، وفيه أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وهو صفة هذه الأمة.
وأنه يتشابه المجاهد مع الراهب في ثلاثة أمور، ويختلفان في أمر.
أما الأمور المتشابهة فهى:
أولا- اعتزال الناس جملة، والخروج عن الحياة التى يحياها الناس لأنفسهم آكلين شاربين متمتعين بحلاوة الحياة وما فيها.
وثانيا- أن الراهب يعتزل النساء، والمجاهد التقى الذى نال شرف الجهاد ومعناه يعتزل النساء وينقطع عن الأولاد في مدة الجهاد، وهم فلذات كبده.
وثالثا- أن كليهما قد قدم نفسه لله سبحانه وتعالى الراهب بالعبادة ليسمو في نظره إلى الروحانية التى تقربه من الله سبحانه وتعالى في زعمه. والمجاهد قد قدم نفسه فعلا لله سبحانه وتعالى ليحمى الحق الذى أمر الله بنصرته، وترى أن المشابهة قائمة، وإن اختلف القصد في كليهما.
ومن هنا كان موضع الافتراق، فالراهب يعتزل الناس لأجل نفسه وعبادته الانفرادية، أما المجاهد فيعتزل الناس، ليحمى الناس، وينفذ أمر ربه، فالأوّل عبادته في دائرة وجوده الشخصى لا تعدوه، والثانى عبادته في دائرة النفع العام. والأوّل لا تخلو عبادته من أثرة، والثانى عبادته كلها إيثار.
وإن الإسلام منع الرهبنة، لأنها فرار من الحياة ومتاعبها، ولذلك تعتبر القوانين الأوربية الرهبان في حكم الأموات، والرهبنة موت اختيارى، والإسلام لا يريد للمتعبد هذا الموت ولا ذلك الفرار، ولكنه يريد المؤمن نافعا للناس، حيا في وسط الأحياء، حاميا لهم من المضار، جالبا لهم المنافع، إذ ليست العبادات الإسلامية سلبية، بل هى إيجابية، هى المشاركة في رفعة النوع الإنسانى، ولذلك يعد كل نفع للأحياء صدقة، فقد قال عليه الصلاة والسلام:«ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان أو دابة إلا كتب له به صدقة» وإنه ليس معنى ذلك أن الروحانية في الإسلام لا وجود لها، بل إن لها المقام الأوّل، ففى الصوم والصلاة والحج روحانية، بل كلها روحانيه، وفي الاعتكاف روحانية، ولكن روحانية الإسلام ليست انقطاعا عن الحياة والأحياء، بل هى مع ما فيها من سمو نفسى، وتجرد من الجسم وأهوائه وشهواته، هى لتحسين العلاقات الإنسانية، وأن يكون المؤمن مألفا يألف الناس، ويألفونه.