الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانت غزوة الأحزاب، وكان ما كان من بنى قريظة، ويظهر أنه لم يفعل ما فعل حيى بن أخطب من إقحام نفسه مع بنى قريظة لعهد له مع كعب بن أسد من أن يكون معه في حصنه إن انتصروا أو هزموا.
ولكن عين الحق لا تغافل عن ذلك الذى حرض العناصر المعادية للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم في كل أرض العرب، وأنه على استعداد لمثلها، فكان الحذر الذى أمر الله به في قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ يوجب على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتولاه قبل أن يعيد إفساده وتحريضه لما بدأه، فأرسل إليه من المؤمنين من قتله في حصنه الذى يقيم فيه بخيبر.
الثانى:
أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان يميز بين الرجال والصبيان في بنى قريظة، ليتبين من يستحق القتل، ومن أعفى منه من الذرارى تنفيذا لحكم سعد بن معاذ رضى الله تبارك وتعالى عنه، كان يميز بخروج شعر الفرج، فمن نبت له ذلك الشعر قتل، ومن لا ينبت له لا يقتل، روى عن ابن عطية القرظى قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد أمر أن يقتل من بنى قريظة كل من أنبت منهم وكنت غلاما فوجدنى لم أنبت فخلوا سبيلى.
وروى مثله أهل السنن الأربعة عن طريق آخر.
الثالث:
قوة الضمير في أبى لبابة، لقد سأله القرظيون أينزلون على حكم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، فأشار إلى عنقه بأنه الذبح، وما أن قالها، حتى استيقظت النفس اللوامة، وعلم أنه خان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، إذ كشف أمرا لم يأذن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بكشفه، وما كان له ذلك، لذلك انطلق هائما على وجهه، ولم يأت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وارتبط بعمود من عمد المسجد، وقال: لا أبرح مكانى هذا، حتى يتوب الله على مما صدمت، وأعاهد الله تعالى ألا أطأ أرض بنى قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت فيه الله ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أبدا.
ولما استبطأه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وعلم أمره قال الرسول الكريم، أما والله لو جاءنى لاستغفرت له، فأما إذ فعل ما فعل، فما أنا بالذى أطلقه من مكانه، حتى يتوب الله تعالى عليه وإن التوبة النصوح تجب ما قبلها، وعلم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بوحى من ربه أنه تاب على أبى لبابة، وأبلغ ذلك إلى أم سلمة، إذ كان في بيتها وأذن لها أن تبشره به، إذ قالت: أفلا أبشره يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، بلى إن شئت، فقامت على باب حجرتها، ونادت أبا لبابة فى المسجد، فقالت: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله تعالى عليك، فثار الناس ليطلقوه. فقال: لا، حتى
يكون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هو الذى يطلقنى، فلما مر عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه.
وقد أقام أبو لبابة رابطا نفسه بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة، فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع، وقالوا إنه نزل فيه قوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً، وَآخَرَ سَيِّئاً، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة- 102) .
وهكذا حكم الضمير، أو النفس اللوامة تحس بذنوبها لتتوب، وترجو المغفرة فتذل لله سبحانه وتعالى، ولقد قال الصوفية «إن معصية، أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة، أورثت دلا وافتخارا» «1» وكذلك كانت نفس أبى لبابة الذى ما كذب، ولكنه ظن أنه خان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، إذ أخبر بالحكم قبل صدوره، وبالأمر قبل ظهوره.
رابعها: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعث بسبايا بنى قريظة إلى نجد فابتاع بها خيلا وسلاحا، وذلك ليكون منها قوة للمسلمين، وإعداد للعدة لقوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ.
وقد اختار صلى الله تعالى عليه وسلم من نسائهم ريحانة بنت عمرو إحدى نساء بنى قريظة لنفسه وأراد لها الإسلام فتعصت عنه، وأبت أن تدخل في الإسلام، زاعمة أنها تبقى على اليهودية، ولكن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكرهها، ولم يصنع ما قد يكون إغراء مانعا من اختيار سليم حر، ولكنها جاءت إليه من بعد ذلك طائعة فأسلمت، فسر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من إسلامها، وقد عرض عليها صلى الله تعالى عليه وسلم أن يعتقها، ثم يتزوج منها زواج الحرة المختارة، فاختارت أن تستمر على رقها، ليكون أسهل عليها، إذ لا تتحمل واجبات الزوجية، فلم تزل عنده إلى أن توفى صلى الله تعالى عليه وسلم. ولم تذكر بين أزواجه صلى الله تعالى عليه وسلم.
479-
وإن قصة سبى نساء بنى قريظة تدل على أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد أنشأ الرق على أعدائه في ميدان القتال، لتكون المعاملة بالمثل، إذ لو أسروا من المسلمين لا سترقوا، والله تعالى يقول: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (البقرة- 194) وإن المشركين كانوا يسترقون من غير قتال، فقد ذكرنا أنهم أخذوا بعض المسلمين غدرا، وباعوهم في مكة المكرمة، وسامهم أهل مكة المكرمة سوء العذاب، فلا تثريب على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أخذ من بنى قريظة سبايا، وباعهن بخيل من نجد.
(1) القول لابن عطاء الله السكندري: (رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا) .