الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غزوة الفروع من بحران
406-
كانت قريش لا تريد أن يعيش محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه من المؤمنين فى أمن، وما كان يمنعهم من الإغارة على المدينة المنورة إلا أنهم في غب هزيمة، وهى توجد الفزع، فكان الخوف يردهم عن غاياتهم.
والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعمل على تتبع أحوالهم، وتقصى أخبارهم، ونقص الأرض من أطرافها، وهو يريد بهذا مع تخويفهم أن يتعرف أحوال قبائل العرب، وينشر نور الإسلام متنقلا في أحياء العرب وقبائلهم في منتجعاتهم، ومتعرفا أرضهم.
لذلك خرج من المدينة المنورة تاركا عليها ابن أم مكتوم، وسار يريد قريشا، حتى بلغ بحران، وهو معدن من ناحية مكان يقال له الفروع.
ذهب إلى ذلك المكان فأقام به شهر ربيع الآخر، وجمادى الأولى، وهو في هذه المدة يدرس حال القبائل ويتعرف حالها، ويدعو إلى الإسلام في ربوعها، غير وان ولا مقصر، فذلك عمله الذى بعث له.
فما كان مبعوثا لأجل الحرب، وإنما كان مبعوثا لأجل الهداية، والحرب كانت لحماية الدعوة من الأذى، ولمنع الفتنة في الدين، ولفتح الطريق لها.
ولذلك لا يصح لأحد أن يعترض فيقول إذا كان لم يلق كيدا، ولا حربا ولا عيرا ولا نفيرا فلماذا يترك المدينة المنورة تلك المدة التى ليست قصيرة، لأن الغاية نشر الإسلام، لا مكيدة حرب ولا مصادرة مال، فالغاية هى نشر دعوة التوحيد.
تكشف الوجه اليهودى في قينقاع
407-
ذكرنا بإيجاز ما كان يقوم به اليهود، من إثارة للريب في قلوب المسلمين، وما كانوا يحاولون له أن يثيروا روح التردد والهزيمة في المجاهدين، وما ملأ قلوبهم من غيظ بعد غزوة بدر الكبري، وكيف علموا الوثنيين الحقد وسبقوهم إليه، وكيف أخرج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم المنافقين من المسجد، عند ما رآهم يهمزون ويلمزون، ذكرنا ذلك، ولكن طائفة منهم تكشف غيظها، ولم تحف أمرها، لأنها كانت تعيش في وسط المدينة المنورة مع المسلمين، ولم تكن في أطرافها، وأولئك هم بنو قينقاع.
ولقد كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حريصا على أن يدعوهم إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، تاركا ما يعرف من أن قلوبهم تنضح بالحقد يبدو على ألسنتهم، فالداعى إلى الحق لا ينى عن الدعوة إليه، ولو كان من يدعوه يهوديا لا يؤمن بشىء، ولا يرضى إلا بالخبال للمؤمنين.
التقى بهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بسوق قينقاع فحدثهم حديث الجار لجاره الذى عاهده يدعوه إلى الرشد، قال عليه الصلاة والسلام لهم:«يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أنى نبى مرسل، تجدون ذلك في كتابكم، وعهد الله تعالى إليكم» فأجابوا هذا الحديث الرشيد الودود بكلام فيه جفوة وحدة قائلين:
يا محمد، إنك ترى أنا قومك، لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، وإنا والله لئن حاربناك لتعلمن أننا الناس.
لقى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك الجواب المرعد المنذر بالإغضاء، فما كان يحارب المعتدى بالقول، ولكن كان يحارب الفعال.
وذكر ابن إسحاق أن الله تعالى قد أجاب عنه بقوله سبحانه وتعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ. قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (آل عمران- 13) .
وهذه الرؤية المضاعفة كانت حال اللقاء في الحرب، إذ كانوا يرون أنفسهم رأى أعينهم مثل المؤمنين، والله تعالى هو الذى يؤيد بنصره من يشاء قلة كانوا أو كثرة، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله..
ولكن بنى قينقاع لم يقفوا عند حد القول، فى بث روح التفرقة والشك في أنفسهم، بل انتقلوا من الإساءة بالقول إلى الإساءة بالفعل، وهم على كثب من المسلمين، وكانوا يجاهرون بنقض العهد وأنهم لا يحترمونه، ويتناولون النبى صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين بالذم، والأذى.
ولقد قال ابن إسحاق: إن امرأة من المسلمين قدمت تبيع في سوق بنى قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ الماجن فقتله، وكان يهوديا، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون، فكان الشر بينهم وبين بنى قينقاع.