الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غزوة أحد
412-
أهمت قريشا هزيمة بدر الكبري، إذ كانت حقا يوم الفرقان بين الحق والباطل، وقوة المؤمنين وضعفهم، وكانت أوّل هزيمة تنالهم من جيش محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، فكانت مرارة الهزيمة شديدة، لأنها نالت أشياخهم، والزعماء فيهم الذين كانوا يجعلونهم بحكم الجاهلية لا تعدلهم قبائل، وما من بيت من بيوت كبرائهم إلا كان فيه جرح كبير قد ولد ترة شديدة.
وفوق ذلك قد أحسوا بأن دولة الشرك التى كانوا يستمسكون بها قد أخذت تنهار، وقد كانوا يعتبرونها عقيدة آبائهم، وكانوا يقولون: بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا، أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (البقرة- 170) .
وقد وجدوا من بعد ذلك أن مكانتهم في العرب، وشرفهم أخذ ينهار، ولو توالت هذه الحال لزال شرفهم ولزالت مكانتهم، وظنوا أن الأعراب الذين كانوا يخضعون لشرفهم سيخرجون من بعد عن نفوذهم، وأن القبائل العربية، تتسنم مكانهم إن استطاعوا.
ورأوا متاجرهم تساق إلى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم غنائم تقسم بين أصحابه، وأنهم لا قبل لهم بأن ينفذوا بمتاجرهم إلى الشام ليتوردوا ويستوردوا، وتستقيم لهم رحلة الشتاء والصيف.
رأوا كل هذا وحاولوا أن ينالوا من محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فلم ينالوا، فأغاروا غارة السويق، فما استفادوا كثيرا، بل لم يستفيدوا قليلا.
رأوا كل هذه الدنايا، فهل يسكتون، وإن سكتوا عن متاجرهم، فلن يسكتوا عن شرفهم الذى ثلم، ولن يسكتوا عن الثارات التى ولدتها المقتلة في أشياخهم، ومن كانوا في موطن الزعامة فيهم.
القوة بدل العير
413-
مشى عبد الله بن أبى ربيعة، وعكرمة بن أبى جهل، وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ليقودهم إلى المعركة الجديدة، وكانت قيادة المعركة التى هزموا فيها بين أبى جهل، وعقبة بن أبى معيط، فأرادوا توحيد القيادة هذه المرة، وأبو سفيان بقية رجالهم، أو من هو في مكان الزعامة منهم، وأبو سفيان هو الذى نجا بعيرهم، ويريدون أن تكون العير الناجية فداء لثأرهم.
قال هذا الوفد الذى ذهب إلى أبى سفيان، وخاطب أصحاب العير قائلا:
يا معشر قريش: «إن محمدا قد وتركم، وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا ندرك منه ثأرا» .
فنزلوا عن المال، ليكون مادة القتال، وأخذوا الأهبة من الرجال، وأدوات الحرب، لأنهم علموا أنها الذلة والخزى والعار، إن لم يستردوا مكانتهم.
اجتمعت كل بيوتات قريش وبطونهم، ولم يبق أحد منهم الا أخذ الأهبة واستعد للقتال، وأن يضربوا المدينة المنورة ضربة قاصمة، وإن لم يقتلعوا الإسلام منها، فإنهم ينالون مأربا وثأرا، ويستردون شرفا ويدفعون عارا.
وضموا إليهم كنانة وتهامة، وأحباشا كثيرة ممن لهم دربة في القتال بالرماح، وكان منهم وحشى قاتل أسد الله حمزة الذى منى بالعتق إذا قتل حمزة الذى كان سيفه البتار يهد قريشا هدا، فما ذهب ليقاتل، ولكن ذهب ليترصد حمزة، لا ليواجه الجيش، فكأنه ذهب للاغتيال، لا للقتال.
ولم يكتفوا بمن استعانوا بهم من قبائل حول مكة المكرمة وأحباش، بل استعانوا ببعض المشركين من الأوس في يثرب لأن لهم أحقادا كأحقادهم، ولم يرضوا النفاق أو لم يظهروا به، فقد روى قتادة أن أبا عامر بن صيفى أخا بنى ثعلبة، وكان قد خرج من مكة المكرمة مباعدا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ومعه خمسون من غلمان الأوس، وكان قبل قدوم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وتوهمت قريش أو أوهمها أنه إن لقى قومه، لم يختلف عليه أحد.
وقد اجتمع بذلك نحو ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فرس عليها مائتا فارس وكان خالد بن الوليد على مائة جعلها يمين الخيل، وعكرمة بن أى جهل على مائة جعلها على ميسرة الخيل، وإنهم رأوا أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم، إنما يقاتل بحمية الدين، ومؤيدا بروح معنوية تفوق قوة العدد والعدة وتتغلب على الصعاب، فرأوا أن يكون معهم المحرض المعنوى، وهو أن يكون نساؤهم معهم، بحيث يستحون أن يفروا أمامهن، وأن يؤخذن سبايا.
فخرج أبو سفيان بن حرب، وهو القائد بزوجه هند بنت عتبة، وكان لها ثأرات، قتل ابنها وأخوها وأبوها، وخرج عكرمة بن أبى جهل ومعه زوجه أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة
…
وهكذا كثيرات من عقائل القوم، وذوات الشرف في قريش، ليكون خروجهن محرضا على الجلاد، ومانعا من الفرار، وجملة القول في ذلك أنهم تزودوا بالعدد، وبالسلاح والكراع، وبالمحرضات كلها، لأنهم يعلمون أنهم أمام خصم مزود بكل قوى النفس والإيمان الذى فقدوه.