الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دينهم، وجحود بالحق. ولقد كان صلى الله تعالى عليه وسلم حريصا على منع القتال حتى عند أخذ الأهبة، فهو يقول لمعاذ بن جبل وقد أرسله إلى اليمن قائدا:
ونجد من هذه الوصية أن نية السلم قائمة والجيشان قد تلاقيا، فالقائد المسلم لا يقاتلهم إلا بعد أن يدعوهم إلى العهد الذى يكون فيه تأمين حرية الدعوة، ثم هو لا يبدأ القتال، بل يتركهم يبدأون القتال، وحتى بعد هذا البدء لا يقاتلهم حتى يقتلوا فعلا ثم يبين لهم العبرة في ذلك الدم الذى أراقوه ظلما وعدوانا، فإن لم يعتبروا لم يبق إلا السيف ليحكم بأمر الله بينه وبينهم والله خير الفاصلين.
فى المعركة:
355-
والرفق ملازم المعركة ذاتها، كما كان في ابتدائها، ذلك أنها حرب نبوة، وليست مغالبة ولا تناحرا، ولقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم في وصف دعوته وحربه:«أنا نبى المرحمة، وأنا نبى الملحمة» ، وفي الحق أن المرحمة والملحمة متلاقيتان، فما كانت الملحمة إلا لأجل المرحمة، إذ الرحمة الحقيقية في هذا العالم هى في قطع الفساد ومنع الشر، وإذا كانت الملحمة فقد تعينت سبيلا للمرحمة.
وإنه كان يصاحب حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عند ابتداء المعركة العمل على تأليف القلوب حتى وقد اشتجرت السيوف؛ ولذلك يوصى عليه الصلاة والسلام جنده وقد أرسلهم للقتال بقوله: «تألفوا الناس وتأنوا بهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل مدر أو وبر أن تأتونى بهم مسلمين أحب إلى من أن تأتونى بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم» .
هى حرب رفيقة تتسم بالتأليف، لا بالتقتيل، وبالمحافظة على الأنفس والرجال إلا أن تكون ضرورة ملجئة، فقد كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يوصى بألا يقوم الجيش بإتلاف زرع أو قطع شجر أو قتل الضعاف من الذرية والنساء، والرجال الذين ليس لهم رأى في الحرب، ولم يشتركوا فيها بأى نوع، ومن ذلك قوله في إحدى وصاياه:
«انطلقوا باسم الله وعلى بركة الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم «1» ، وأصلحوا وأحسنوا إن الله تعالى يحب المحسنين» .
وفي معنى هذه الوصية وصية أخرى، وهى قوله عليه الصلاة والسلام «سيروا باسم الله في سبيل الله تعالى، وقاتلوا أعداء الله ولا تغلوا (تخونوا) ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا» .
ويقول عليه الصلاة والسلام لخالد بن الوليد: «لا تقتل ذرية ولا عسيفا» (أى عاملا) .
وبهذه الوصايا يتبين أن الحرب النبوية الفاضلة لا يصح أن تكون إتلافا وإفسادا، وتحللا من القيود الإنسانية، ولذلك لا يباح في القتال كل شيء، ولا يفعل ما يفعله القواد في هذه الأيام من إهلاك الحرث، والنسل، وإفساد الزرع وإلقاء السم فيه ليتسمم الأحياء.
وإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم شدد في منع قتل الأطفال والشيوخ الذين لا يحاربون وليس لهم رأى في الحرب، والنساء، لأن القتال الذى كان من المسلمين إنما كان لدفع الاعتداء والقصاص من المعتدين ماداموا مستمرين أو على نية الاعتداء، وأولئك ما كانوا يقاتلون ولا يعتدون، وليس في طاقتهم أن يقفوا محاربين الدعوة الإسلامية أن تسير في طريقها.
وقد مر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على القتلى فرأى امرأة مقتولة، فقال عليه الصلاة والسلام: ما كانت هذه لتقاتل. وأرسل إلى خالد بن الوليد يأمره بألا يقتل عسيفا ولا ذرية.
ولقد كان عليه الصلاة والسلام يغضب إذا بلغه أن جنده قتلوا صبيانا، ولقد بلغه أن بعض الأطفال قتلهم جند المسلمين، فوقف عليه الصلاة والسلام يقول لجنده: «ما بال أقوام تجاوز بهم القتل حتى قتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا الذرية
…
ألا لا تقتلوا الذرية» .
وكان عليه الصلاة والسلام يمنع قتل العمال، وكرر منع قتل العسفاء وهم العمال الذين يستأجرون للعمل، لأن حربه عليه الصلاة والسلام لم تكن لقتل الأقوياء القادرين، إنما كانت لمنع اعتداء الذين يحملون السلاح، أو يدبرون الاعتداء، والعمال ليسوا كذلك، إذا لم يكن عملهم لتهيئة أسباب القتال.
(1) وضم: القوم تجمعوا وتقاربوا، والوضم: كل ما يوضع عليه اللحم يوقى به من الأرض، وفي هذا والله أعلم إشارة إلى المحافظة على الغنائم أنفسا كانت أو غير أنفس.