الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(هـ) والأمر الخامس الذى لوحظ في قيادة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حرصه على جنده، وإشفاقه عليهم، وإعظامه لأمر آحادهم وجماعتهم، كما ثبت في ضراعته لربه، وخوفه عليهم، فلم يكن الجند معه إلا الأحباب والأولياء، ودعاة الحق وهداته، وأنهم عصابة الله إن هلكوا لا يعبد الله في الأرض، فتتربى فيهم عزة، ويحسون بأنهم موضع المحبة.
وإذا أحسوا بذلك باعوا أنفسهم لله، فلم ينظر إليهم القائد الحكيم كما ينظر بعض قواد المسلمين اليوم، على أنهم أدوات للحرب، كالاتها.
(و) وسادس الأمور التى لوحظت في قيادة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إشراكهم معه فى تحمل التبعة بالشورى يقيمها فيهم، كأمر الله سبحانه وتعالى بقوله فيما تلونا «وشاورهم في الأمر» إن الشورى مع الجند، تجعل الجندى يحس بتحمل التبعة، وأنه ذو رأى في توجيهاته، وذلك يوجد فيه عزة الجندى المتحمل للتبعة وليس كالآلة المتحركة، وفوق ذلك يشارك في تدبير القتال، فيزداد قوة نفس، ومن قوة النفس تكون الإرادة الحازمة الراغبة غير المترددة.
بهذه القيادة الحكيمة اللينة الحازمة، الرقيقة الرحيمة، تربى جند الله تعالى. فكان النصر والغلب.
التنظيم:
382-
أول ما اتجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في تنظيم جيشه جعله صفوفا متتالية أمام العدو، وذلك كقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ
(الصف- 4) . فهذا توجيه من الله تعالى في القيادة إلى أن يصف الجنود صفوفا، وإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم هو الذى يبين القرآن الكريم بعمله، وقوله، إن احتاج القرآن الكريم إلى بيان.
وأوّل معركة في الحرب النبوية كانت بدرا الكبرى، فطبق نظام الصف الذى يحبه الله سبحانه وتعالى.
روى ابن إسحاق بسنده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عدل صفوف أصحابه، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية، وهو مستنتل «1» من الصف، فطعن عليه الصلاة والسلام فى بطنه بالقدح قائلا: استويا سواد، فقال: يا رسول الله أوجعتنى، وقد بعثك الله تعالى بالحق والعدل، فأقدنى «2» . فكشف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن بطنه، وقال: استقد قال: فاعتنقه فقبل
(1) مستنتل: معناها متقدم في الصف، وفي رواية مستنصل ومعناها خارج من الصف.
(2)
أي مكني من القصاص.
بطنه!! فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك يمس جلدى جلدك، فدعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم له بخير.
وأصدر أمره إلى جيشه جيش الإيمان ألا يحمل على العدو إلا عند ما يصدر إليهم الأمر بذلك.
وأمرهم أن ينضحوهم، فلا يقاتلون مهاجمين حتى يصدر أمره عليه الصلاة والسلام، لكى يهجموا هجمة رجل واحد غير متفرقين، ولا مانع من أن يكون النبل، فرادى، ومع ذلك كانت أوامره ألا يسرفوا في النبل، بل يتخيرون من يرمونه، ليكون ذلك أنكى للعدو، وأبقى للعدة.
روى ابن إسحاق بسنده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أمر أصحابه ألا يحملوا حتى يأمرهم، وقال إن اكتنفكم القوم، فانضحوهم عنكم بالنبل.
وفي صحيح البخارى عن أبى أسيد قال لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم بدر إذا أكثبوكم فارموهم، واستبقوا نبلكم. وأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن تقطع الأجراس من أعناق الإبل لئلا يشغل الناس بها.
وقد جعل شعار الصحابة في هذه الحرب العادلة «أحد أحد.. وشعار المهاجرين يابنى عبد الرحمن، وشعار الخزرج يا بنى عبد الله، وشعار الأوس يا بنى عبد الله» .
وكانت عدة المؤمنين كما ذكرنا (313) ثلاثة عشر وثلاثمائة، وكانت عدة المهاجرين نيفا وستين على رواية البخارى، وعند الإمام أحمد ستة وسبعين.
وقد أعطى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم اللواء لمصعب بن عمير، وكان أبيض، وأعطى راية المهاجرين وكانت سوداء لعلى بن أبى طالب، وراية الأنصار وكانت سوداء أيضا لسعد بن معاذ، وروى أن راية الأنصار كانت مع الحباب بن المنذر.
وجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قيس بن أبى صعصعة معه.
هذا تنظيم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، جعل على المهاجرين رجلا منهم، وهو من صناديد الإسلام، وجعل على الأنصار رجلا منهم، لا للتفريق بين المهاجر والأنصارى، ولكن ليأنس كل فريق بصاحبه، وليكون الجهاد الذى يراه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والناس، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.