الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجب الاتباع في ذاته، من غير نظر إلى مكانة الداعى بالنسبة للمشير، ولا إلى مقامه بالنسبة لمقامه، ولنتعلم أن هدى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن نتبع حيثما كان وممن يكون، ولنجعل للمرأة الكريمة الطاهرة العاقلة مكانتها وحق التقدير والاعتبار.
كانت الحديبية فتحا
516-
عند قفول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية نزلت سورة الفتح، فقد قال تعالى في ذلك:
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (الفتح- 1، 2) .
فسمى الله تعالى ذلك الصلح، وما وفق الله تعالى النبى عليه الصلاة والسلام للقيام، فتحا وليس دنية في الدين كما خطر على عقول بعض المتقين من كبار المؤمنين، وكان فتحا لأنه أنهى القتال بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وبين قريش، وذلك في ذاته فتح، ولأنه فتح قلوبا كانت مغلقة وعقولا كانت عليها غشاوة حتى إنه أحصى عدد المؤمنين قبل الحديبية في مدى تسع عشرة سنة، ومن أسلم فى سنتين بعد الحديبية، فكان مثل الأوّل أو يزيد، لذلك كله كانت الحديبية فتحا، ولم تكن دنية، وفوق ذلك كانت تمهيدا لدخول مكة المكرمة بالفتح الأعظم الذى لم يجر فيه دم، ولم يكن قتال إلا فى بعض المتمردين، وكانوا قليلين، وكان فتحا، لأن المؤمنين استطاعوا تنفيذا لأحكام الصلح أن يدخلوا معتمرين، ثم متحللين محلقين ومقصرين.
وغفران ذنب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ليس على حقيقة معنى الغفران، إنما هو متضمن الرضا والقبول لكل ما يفعله الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، سواء أكان في الماضى أم الحاضر أو القابل، فكل ما يفعله الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم مغفور، وتسميته ذنبا من قبل المجاز، فهو ليس إلا خطأ لأن ما يعتب به عليه، خطأ كما أخطأ في الأسري، وكما كان يقع منه، ليكون أسوة للناس، فيقروا بأن الإنسان إذا خضع لفكره وعقله ربما يخطيء ولو كان نبيا مرسلا، ولو كان خاتم النبيين محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم، والصراط المستقيم الذى هداه الله تعالى هو طريق الدعوة فقد صار معبدا لا عوج فيه بعد هذا الفتح المبين، وإنه كان من الفتح المبين تضافر أهل الإيمان بالبيعة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، فَمَنْ
نَكَثَ، فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (الفتح- 10) .
ولقد كان من الفتح المبين أن نقيت جماعة الإسلام ممن لم تستقم قلوبهم وتكون خالصة للحق لا تبتغى سواه، ولذلك لم يخرج مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديبية إلا من أراد الله سبحانه وتعالى، وأراد الحج، لا المغانم وما وراءها. ولذلك قال الله سبحانه وتعالى فيهم في سورة الفتح: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ، يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ، قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ، فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (الفتح- 15) .
ولقد أشار سبحانه وتعالى إلى الذين يستقبلهم المسلمون من أولى البأس والشدة، ولقد كان الذين خرجوا للاعتمار تعرضوا لاحتمال الحرب فتضافروا وبايعوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أن يبيعوا أنفسهم لله تعالى، ولا يفروا، وقال سبحانه وتعالى ما تلونا من قبل: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها، فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ، وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ، وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً
(الفتح- 18، 20) .
وإنه كانت الحديبية التى سماها الله تعالى الفتح المبين سبيلا لأن يتجه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى اليهود وينفرد لهم، ثم بعد ذلك يكون الاتجاه إلى الرومان، كما قال الله سبحانه وتعالى:
سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ (الفتح- 16) .
وأولئك هم الرومان، والدخول إلى أرض الشام.
وإن الغاية توجب تحمل الوسائل، ولو كانت قاسية على النفس، وما كان للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتجه إلى اليهود، وخضد شوكتهم في البلاد وقد اتخذوها للأذى والإيقاع ولم ينفع عهد ولا ذمة. ما كان أن يتجه إلى أولئك، وشوكة قريش تجرح من وراءه، فلابد أن يؤمن ظهره بعهد، ولو كان فيه ما توهمه بعض المؤمنين غبنا فاحشا، ولكنه الطريق المستقيم لتوجيه الدعوة الإسلامية إلى مواطنها.
وإن ذلك تصديق رؤيا النبى عليه الصلاة والسلام التى رآها، بأنه سيدخل المسجد الحرام، ولكنها لا تتحقق واقعة إلا في عام قابل، وكان ذلك الصلح، فقد قال الله سبحانه وتعالى: