الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيها: أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن القتل عطشا، ولقد قالت الرواية أنه تركهم يموتون عطشا- حتى إنهم كانوا يكدمون الأرض من شدة العطش حتى ماتوا، ولا يقال أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما أمر بذلك، ولكن مفهوم هذه الرواية أنه علم، ولم ينكر.
ثالثها: أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإن القتل قصاصا لا يبرر ذلك» ، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن ليبيح ذلك في الحرب على أنهم ربما يعتبرون مقاتلين.
والخلاصة أننا لا نرى أن ذلك الخبر تصح نسبته للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، لمخالفته للمقررات الإسلامية التى قررها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولذلك لا نقول إنه صحيح النسبة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
حد الحرابة
521-
الفقهاء يسوقون قصة العرنيين وما نسب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كسبب في حد الحرابة أو قطع الطريق، ويرون أن ما نسب إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فعله ينطبق على ما نص الله تعالى في كتابه من حد قطاع الطريق، ولكن ذكرنا أن ما ينسب إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فعله، لا ينطبق كله على ما في حد الحرابة فليس في نص القرآن الكريم سمل الأعين، كما أنه ليس في نص القرآن الكريم القتل بالعطش، حتى يكدموا الأرض من شدة العطش، فلا يستسقون، وقد كذبنا نسبته للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم لذلك.
ومهما يكن فإننا نذكر النص القرآنى في هذا المقام، ومدى ما ينطبق من قصة العرنيين عليه.
يقول الله تعالى في بيان هذا الحد: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة: 32، 33) .
ولا شك أن وصف الحرابة ينطبق على هؤلاء العرنيين، وقد نزلت بهم بعض عقوباتها، وهو قطع الأرجل والأيدى.
وما دمنا قد تعرضنا للحرابة أو لقطع الطريق، فإنه يجب أن نشير لبعض أحكامه، على قدر ما يتسع له المقام في سيرة النبى عليه الصلاة والسلام الطاهرة، ويترك تفصيله لكتب الفقه، ولموضعه من بحوثنا في كتاب الجريمة وكتاب العقوبة في الفقه الإسلامى «1» .
(1) الناشر: دار الفكر العربى.
المحاربون أو قطاع الطريق ناس يخرجون متفقين على القتل أو السرقة، وتكون لهم قوة يقاومون بها الدولة إفسادا من غير تأويل يتأولونه، بل سعيا بالشر والإفساد، ونرى ما يراه المالكية أنه لا تقتصر جرائم الحرابة على القتل والسرقة، بل تشمل كل المعاصى، كالزنا وشرب الخمر، ويدخل فيها كل المخدرات سواء أكانت سائلة أم جامدة، وسواء أكانت تتناول بالشرب أم بالتدخين.
وسواء أكانت هذه القوة التى يكونها المحاربون في مدينة أم غير مدينة ماداموا يستطيعون أن يقوموا بجرائمهم بعيدين عن أن يجاب المستغيث إذا استغاث، وللفقهاء كلام وخلاف في هذا المقام.
ويعد من المحاربين الجماعة التى تنفق على ارتكاب جرائمها. بطريق الغيلة وذلك في رأى مالك، والنص القرآنى يحتمل ذلك كله.
والعقوبات المقررة، هى القتل، والصلب، وتقطيع الأيدى والأرجل من خلاف والنفى من الأرض بالإبعاد في مكان ناء لا يستطيعون فيه ارتكاب جرائمهم. وعد الإمام أبو حنيفة أن من النفى السجن، لأن المقصود منع اجتماعهم.
وأكثر الفقهاء أن الإمام العادل يضع العقوبة على قدر الجريمة: فإن تولوا القتل قتلوا ولا فرق بين من باشره، ومن لم يباشره، لأن من لم يباشره كان معينا مع من باشره.
وإذا سرقوا وقتلوا، قتلوا وصلبوا، ويستوى في العقوبة المباشر وغير المباشر.
وإذا سرقوا وانتهبوا الأموال ولم يقتلوا فإنه تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فإذا قطعت اليد اليمنى، يقطع معها الرجل اليسرى.
وإذا كانوا قد اتفقوا وهموا بالشر، ولكن لم يمكنوا فإن العقوبة تكون النفى، بتفريقهم بعيدا عن مكان تجمعهم.
هذا ما اختاره جمهور الفقهاء تابعين للتابعين في أقوالهم، ومن الصحابة عبد الله بن عباس رضى الله عنهما.
ويرى الإمام مالك رضى الله عنه أن الإمام مخير في هذه العقوبة أيا كانت الجريمة التى ارتكبوها، لأن الجريمة الأصلية هى الاتفاق على ارتكاب هذه المعاصى، ولو لم يمكنوا من تنفيذ إحداها، والإمام ينظر إلى ما هو الأنجع في ردعهم.
(تم بعون الله الجزء الثانى، ويليه الجزء الثالث)