الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهاد، وحث النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عليه، ولو كان فيه ضرر لآلام تنزل بالمجاهدين، ولكن تركه يؤدى إلى تهلكة الجماعة، وغلبة الشر على الخير.
الأمر الثانى: [المصلحة امعنوية]
أن المصلحة المعنوية بأداء الواجب والتزام الحقوق، وتهذيب النفس- مطلوبة كالمصلحة المادية، بل هى أشد طلبا، وأكثر رعاية في الإسلام، والمصلحة الأصلية تلاحظ قبل المصلحة العاجلة، ولذلك كانت ملاحظة العبادة قبل ملاحظة المعاش، إن الدنيا سبيل الخير في الآخرة، وإن النظر إلى الآخرة خير مالا وغاية وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت- 64) .
وإن الإسلام لا يدعو إلى الزهد في الحياة، ولكن يدعو إلى أن يطلب المؤمن الحياة من حلالها، ويجتنب محرماتها، وما كان تجنب المحرمات إلا لأن تناولها يفوت المصالح الحقيقية التى عدها الإسلام مصالح، وما من مصلحة مضيعة، إلا ومعها تناول محرم حرمه الله تعالى لأن المحرم اعتداء على غيره.
وإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان يتناول المباحات، وينهى عن تحريم ما أحل الله تعالى من طيبات في هذه الدنيا، ولقد استنكر الله تعالى على الذين يحرمون الطيبات ما يصنعون، فقال الله تعالى:
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ، كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (الأعراف- 32، 33) ويقول الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ، وَلا تَعْتَدُوا، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (المائدة- 87، 88) .
وهكذا نجد أن دولة الفضيلة لا تقوم على الحرمان، بل الحرمان المجرد نقيضها، وقد منع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأمر الله أن يحرم مؤمن على نفسه ما أحل الله، ولقد روى الإمام أحمد رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال:«كلوا واشربوا والبسوا في غير سرف ولا مخيلة» .
ولقد روى أن الإمام أحمد رضى الله عنه سئل عن الورع، فقال رضى الله تعالى عنه:«الورع طلب الحلال» ، فليس في الدولة الإسلامية الفاضلة زهادة لمجرد الحرمان، وإذا كان زهد، فهو لتعويد النفس القدرة على فطمها عن الشهوات عند ما يلج داعيها.
وإن المصلحة في دولة الإسلام تقوم على المحافظة على النفس والدين والعقل، والنسل، والمال، ولذلك أوجب الله العقوبات على من يعتدى على مصلحة من هذه المصالح بمقدار اعتدائه، فإن كان الاعتداء على أمر لا تتحقق الحياة إلا به، فإن العقوبة تكون بقدر الاعتداء، وإن كان الاعتداء على أمر تتحقق الحياة به مع الاعتداء ولكن بمشقة، فإن العقوبة تكون دون السابقة، وإن كان الاعتداء على أمر ترفيهى أو كمالى، فالعقوبة دون العقوبة فيما سبق.
وهكذا كانت العقوبات من حدود وقصاص، لأجل مصلحة العباد، وهى كما ذكرنا رحمة بهم.
وهكذا كانت الدولة الإسلامية رحمة للعباد، ومصلحة لهم، ويتحقق فيها قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ