الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غزوات لا قتال فيها، وأولى غزوات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن فيها قتال، ومنها الأبواء، والعشيرة، وغطفان، وبدر الأولى، ومن أعظم الغزوات التى لم يقاتل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فيها الحديبية فقد كانت فتحا لابتداء سلام بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وقريش، ولذلك قال الله تعالى فيها: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (الفتح- 1: 3) .
الحرب الفاضلة أو حرب النبوة
352-
لم يكن في السرايا التى بعث بها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قتال، بل كانت نتيجتها سلما، وما كان الفريقان يلتقيان إلا ليفترقا في سلام، وإن لم يكن ذلك دائما، إلا ما كان من رمية رماها سعد بن أبى وقاص في سرية عبيدة بن الحارث. ومع أنه لم يكن في هذه السرايا قتل ولا قتال كانت ذات فائدة، لأنها أعلمت قريشا أن الإسلام صارت له قوة، فإما أن يسارعوا إليه، ولا يكونوا آخر الناس، وإما أن يسارع القصاص، والرد على ما سبقوا به من الاعتداء. أو من جهة أخرى يشعرون بأن قوة الإسلام ستنقذ المؤمنين الذين لا يزالون يفتنونهم عن دينهم الذى ارتضوه والفتنة أشد من القتل. كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم. ومن جهة ثالثة يحسون بأن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم سيضايقهم بالحق كما ضايقوه بباطلهم. وكما يضايقون أصحابه من المستضعفين في ديارهم، وذلك بمصادرة أموالهم كفاء لما أخرجوا المسلمين من ديارهم وأموالهم.
فكانت هذه السرايا الأولى في السنة الأولى من الهجرة إشعارا لهم بأن الإسلام قد أمده الله تعالى بالقوة، ليرهبوه ما داموا لم يسالموه، بل إنهم لم يرغبوه.
وكانت كذلك غزوات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الأولى في الأبواء والعشيرة، وغطفان، وبدر الأولى، فقد كانت خالية من القتل والقتال، بل كانت لهذا الإشعار.
حتى إذا شعرت قريش بهذه القوة المؤمنة، وكونوا جيشا كثيفا، وساروا به ولم يسبق عيرا، وبدا أنهم يرومون الحرب، إذ استعدوا لها، وأرادوا الاعتداء بها، كان القتال، لأنهم كانوا المهاجمين، وما كان محمد عليه الصلاة والسلام لينتظر حتى يغزوا المدينة المنورة بجيشهم، بل لابد أن يلقاهم، لأنه ما غزى قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، كما قال بطل الجهاد على كرم الله وجهه الذى رباه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وعلمه الحكمة وفصل الخطاب.
ولكن قد يسأل سائل: لماذا كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم محاربا. ونقول في الجواب عن ذلك إنه لم يكن بدعا من الرسل في ذلك، لأن موسى وهو من أولى العزم من الرسل حارب، ودعا بنى إسرائيل إلى الإيمان، ولكنهم ارتدوا على أدبارهم فانقلبوا خاسرين، وقالوا وحال الذلة والجبن تدفعهم فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (المائدة- 24) .
والمذكور في التوراة التى بأيديهم أن موسى عليه السلام حارب ملوكا، واخترق بجيشه ديارهم، وداود عليه السلام حارب وقاتل. وكذلك ابنه سليمان.
وإذا كان عيسى عليه السلام لم يقاتل، فلأنه ما شرع له القتال، وكأنه كان تمهيدا للبعث المحمدى إذ أن بينهما مدة ليست كبيرة، تبلغ نحو ستمائة سنة أو تزيد قليلا.
وأن رسالة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كانت للناس كافة، للأحمر والأسود والأبيض، فكانت لابد أن تجتاز الأقطار، وتصل الدعوة قوية إلى الأمصار، وأن ذلك لا يكون إلا بالاستعداد للقتال. إذ أن العالم كان محكوما بالملوك الغاشمين، والرؤساء الظالمين.
وإن شريعة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم جاءت بمباديء هى ضد الحاكم، وقد قاتلوه عليها، فكان لا بد أن تكون قوة مانعة من الظلم دافعة بالحق، فكان لا بد من الحرب أو الاستعداد لها.
وإن الناس لا يستقيم أمرهم إذا لم تكن للمبادئ العادلة قوة تحميها بالحق من غير اعتداء، وفضيلة الإسلام ليست فضيلة خانعة ضعيفة مستسلمة، ولكنها فضيلة قوية دافعة للشر، حاملة على الخير، فليس فيه «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر» ، وإنما فيه فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ (البقرة- 194) .
وفيه العفو والصبر، إذ يقول سبحانه وتعالى فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا (البقرة- 109) والعفو لا يكون إلا بعد أن يكون الأمر للإسلام، فلا عفو إلا عن مقدرة، ويكون عزا ولا يكون استسلاما، فقد قال عليه الصلاة والسلام:«ما زاد عبد بعفو إلا عزا» وأمر سبحانه وتعالى بالصبر، فقال سبحانه وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (النحل- 126) وإن الصبر يوجب ألا يندفع الجيش إلى القتال، بل يصابر، عسى أن يكون الصلح، وألا تخرج السيوف من أغمادها. كما كان يفعل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان يوصى جيوشه بذلك.
وإن الصفح الجميل عمن آذوا أهل الإيمان يحتاج إلى صبر وقوة نفس، فليس الصبر فقط في لقاء الأعداء، إنما يكون في ذلك، وفي فطم النفس عن شهوة الانتقام.