الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأنفسهم، بل الأمر لغيرهم فليصلحوا ذات بينهم، ولا يصح أن تكون المادة مفرقة بينهم، وقد جمعهم الحق وجمعهم الجهاد في سبيله..
وما الذى اتبعه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في قسمة الأنفال، فقال بعض الرواة إنه قسمها بين المجاهدين بالسوية، إذ لم يكن حكم تخميس الغنائم قد نزل في قول الله سبحانه وتعالى:
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ، وَلِلرَّسُولِ، وَلِذِي الْقُرْبى، وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الأنفال- 41) .
فالنبى عليه الصلاة والسلام على رواية هؤلاء وزع بالسوية بين كل المجاهدين، لأنه لم يكن ما يوجب التفاوت، ولا دليل يرجح طائفة على أخرى.
ويرى ابن كثير أن التوزيع كان حسب التخميس الذى نص عليه قول الله سبحانه وتعالى:
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ الآية، لأنها متصلة الواقعة، فالأمر في التوزيع كان إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى رسوله عليه الصلاة والسلام على حسب هذا الحكم الذى شرعه الله تعالى، فاية الغنائم متصلة بأول السورة التى أشارت إلى التوزيع، وفوق ذلك فإن الآية تشير إلى أن ذلك ما أنزله الله سبحانه وتعالى يوم التقى الجمعان يوم الفرقان.
ولقد روى أن عليا ذكر أن الناقتين اللتين نحرهما عمه حمزة، وهو شارب كانتا من خمسه في الغنائم، ونحن نميل إلى ما اختاره الحافظ ابن كثير.
أثر المعركة في المدينة المنورة
392-
كان أثر المعركة في العرب عامة بعيد المدى، فقد سارت الركبان في الصحراء العربية بهزيمة قريش على يد طريدها الذى أخرجته وأصحابه من ديارهم وأموالهم، لأنه ينكر الوثنية، ويدعو إلى الوحدانية ويقول إنه يوحى إليه من عند الله سبحانه وتعالى، فكان ذلك النصر منبها للعرب بحقيقة الدعوة المحمدية وسلامتها وقوتها، فوهنت العقيدة الوثنية بين العرب، وأخذت عقول تدرك الحقائق وتطرح الأوهام التى نسجها الخيال الضال حول الأحجار، وبذلك صارت كلمة الله سبحانه وتعالى هى العليا، وكلمة الشرك هى السفلى، وكان يوم الغزوة بحق يوم الفرقان، إذ فرق فيه الناس وانتقل المسلمون من مستضعفين في الأرض إلى أقوياء يكاثرون الناس بقوتهم، كما قال الله سبحانه وتعالى:
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ، فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (الأنفال- 26) .
هذه إشارة إلى أثر ذلك النصر المبين في البلاد العربية، لقد نظر إليه العرب على أن الإسلام هو القوة الحقيقية في البلاد العربية، وكان من ذلك أن أخذ الناس يفكرون.
هذا أثره بشكل عام في الجزيرة العربية، أما أثره في المدينة المنورة وما حولها، فقد صار القوة المرهوبة فيها، وكان فيها أخلاط من الوثنيين الذين بقوا على وثنيتهم من الأوس والخزرج، وكانوا يظهرون عقائدهم ولا يخفونها، وكان فيهم يهود، قد أكل الحقد قلوبهم وإن أخفوه، وإن كانوا يعرفون في لحن القول وفي استهزائهم بالمؤمنين أحيانا.
فلما ظهرت قوة المسلمين في بدر، وجد في الفريقين منافقون يظهرون الإسلام بألسنتهم، ويخفون الكفر، ويقولون ما لا يفعلون، وينطقون بما لا يعتقدون، ولقد نزلت فيهم سورة كاملة، وأولها قوله الله سبحانه وتعالى: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ. اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا، فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (المنافقون- 1: 3) .
فالقوة الإسلامية التى ظهرت في بدر، هى التى جعلت هؤلاء من المشركين واليهود، يتخذون مظهرهم الإسلامى جنة يتقون بها قوة أهل الإسلام ويشيعون الخبال في صفوف المسلمين، ويخدعون الذين في قلوبهم ضعف.
إن قوة المسلمين جعلت من لا يؤمن بالله سبحانه وتعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام يخضع ببدنه ولا يؤمن بقلبه.
كان ذلك في السنة الثانية التى كانت فيها غزوة بدر. قال ابن كثير «وفيها خضع المشركون من أهل المدينة المنورة واليهود الذين هم بها من بنى قينقاع، وبنى النضير، وبنى قريظة، ويهود بنى حارثة، وصانعوا المسلمين، وأظهر الإسلام طائفة كثيرة من المشركين واليهود، وهم في الباطن منافقون، منهم من هو على ما كان عليه، ومنهم من انحل بالكلية فبقى مذبذبا، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كما وصفهم الله تعالى في كتابه» .
وهو بهذا يشير إلى قول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ، وَهُوَ خادِعُهُمْ، وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى، يُراؤُنَ النَّاسَ، وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا. مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ، لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا
(النساء- 112: 143) .