المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌74 - حسان بن ثابت - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ٤

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌قصة استخلافه:

- ‌ذكر زوجاته وبنيه وبناته رضي الله عنهم:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ست وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة سبع وعشرين:

- ‌غزوة الأندلس:

- ‌وقعة جرير والبربر مع المسلمين:

- ‌فتح قبرص:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ثلاثين من الهجرة النبوية:

- ‌ثم خلت سنة إحدى وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة أربع وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان:

- ‌ذكر مجيء الأحزاب إلى عثمان للمرة الثانية في مصر:

- ‌ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان:

- ‌تعليقات

- ‌شرح مختصر لأسباب الفتنة في اجتهادي:

- ‌1 - ظهور الورع الجاهل:

- ‌2 - تآمر الحاقدين:

- ‌3 - طموح الطامحين:

- ‌4 - العفوية:

- ‌5 - عدم مراعاة الرأي العام السائد:

- ‌على بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وثلاثين:

- ‌ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:

- ‌صفة مقتله رضي الله عنه:

- ‌تعليقات

- ‌عبد الله بن الزبير رضي الله عنه

- ‌تعليقات

- ‌الوصل الثالثفينماذج من أصحابه

- ‌تمهيد

- ‌1 - أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌2 - طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

- ‌3 - الزبير بن العوام رضي الله عنه

- ‌4 - عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه

- ‌5 - سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌6 - سعيد بن زيد رضي الله عنه

- ‌7 - زيد بن حارثة حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه رضي الله عنه

- ‌8 - أسامة بن زيد الحِبُّ بن الحِبُّ رضي الله عنه

- ‌9 - عمار بن ياسر رضي الله عنه

- ‌10 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

- ‌11 - أبو ذر الغفاري رضي الله عنه

- ‌12 - حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما

- ‌13 - سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌14 - عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

- ‌15 - بلال بن رباح رضي الله عنه

- ‌16 - أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌17 - أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه

- ‌18 - المقداد بن عمرو (المشهور بابن الأسود) رضي الله عنه

- ‌19 - أبو قتادة الأنصاري السلمي رضي الله عنه

- ‌20 - سلمان الفارسي رضي الله عنه

- ‌21 - عبد الله بن قيس (المشهور بأبي موسى الأشعري) رضي الله عنه

- ‌22 - عبد الله بن سلام رضي الله عنه

- ‌23 - جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

- ‌24 - 25 - جابر بن عبد الله وأبوه عبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌26 - البراء بن مالك رضي الله عنه

- ‌27 - أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌28 - ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلموخطيب الأنصار

- ‌29 - أبو هريرة رضي الله عنه

- ‌30 - حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌31 - جليبيب رضي الله عنه

- ‌32 - حارثة بن سراقة رضي الله عنه

- ‌33 - قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما

- ‌34 - خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌35 - عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌36 - أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌37 - معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما

- ‌38 - عباد بن بشر رضي الله عنه

- ‌39 - ضماد رضي الله عنه

- ‌40 - عدي بن حاتم رضي الله عنه

- ‌41 - ثمامة بن أثال رضي الله عنه

- ‌42 - عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه

- ‌43 - خباب بن الأرتِّ رضي الله عنه

- ‌44 - سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما

- ‌45 - عامر بن ربيعة رضي الله عنه

- ‌46 - عبد الله بن جحش رضي الله عنه

- ‌47 - صهيب بن سنان رضي الله عنه

- ‌48 - عثمان بن مظعون رضي الله عنه

- ‌49 - معاذ بن جبل رضي الله عنه

- ‌50 - عمرو بن الجموح رضي الله عنه

- ‌51 - حارثة بن النعمان رضي الله عنه

- ‌52 - عبد الله بن رواحة رضي الله عنه

- ‌53 - عبد الله بن عبد الله بن أبي رضي الله عنه

- ‌54 - قتادة بن النعمان رضي الله عنه

- ‌55 - عبادة بن الصامت رضي الله عنه

- ‌56 - خزيمة بن ثابت رضي الله عنه

- ‌57 - خالد بن زيد المشهور بأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه

- ‌58 - زيد بن ثابت رضي الله عنه

- ‌59 - سلمة بن الأكوع رضي الله عنه

- ‌60 - أبو الدرداء رضي الله عنه

- ‌61 - عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه

- ‌62 - عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه

- ‌63 - أبو زيد عمر بن أخطب رضي الله عنه

- ‌64 - أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه

- ‌65 - عبد الله بن بسر رضي الله عنه

- ‌66 - السائب بن يزيد رضي الله عنه

- ‌67 - ورقة بن نوفل رضي الله عنه

- ‌68 - حكيم بن حزام رضي الله عنه

- ‌69 - قيس بن عاصم المنقري رضي الله عنه

- ‌70 - عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه

- ‌71 - عبد الله بن حذافة السهمي

- ‌72 - عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌73 - محمد بن مسلمة رضي الله عنه

- ‌74 - حسان بن ثابت

- ‌75 - حجر بن عدي رضي الله عنه

- ‌76 - عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌77 - سهيل بن عمرو رضي الله عنه

- ‌78 - أبو سعيدٍ الخدري رضي الله عنه

- ‌79 - المغيرة بن شعبة رضي الله عنه

- ‌80 - النجاشي رضي الله عنه

- ‌81 - أسيد بن حضير رضي الله عنه

- ‌82 - عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه

- ‌83 - أسعد بن زرارة رضي الله عنه

- ‌84 - أبو دجانة سماك بن خرشة الخزرجي رضي الله عنه

- ‌85 - أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما

- ‌86 - أم حرامٍ رضي الله عنها

- ‌87 - أمُّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها

- ‌88 - هند بنت عتبة رضي الله عنها

- ‌89 - نسيبةُ بنتُ كعب رضي الله عنها

- ‌90 - أم أيمن بركة بنت ثعلبة رضي الله عنها

- ‌91 - أم عطية الأنصارية رضي الله عنها

- ‌92 - أم سَلِيط رضي الله عنها

- ‌93 - بريرة مولاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌94 - الربيع بنت معوذ رضي الله عنها

- ‌95 - أسماء بنت عُميْس رضي الله عنها

- ‌تعليقات على هذا الباب

- ‌خاتمة القسم الأول

الفصل: ‌74 - حسان بن ثابت

‌74 - حسان بن ثابت

قال الذهبي في السير: ابن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، سيد الشعراء المؤمنين، المؤيد بروح القدس، أبو الوليد؛ ويقال: أبو الحسام. الأنصاري الخزرجي النجاري المدني، ابن الفريعة.

شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه. قال ابن سعد: عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام. أمه الفريعة بنت خنيس. قال مسلم: كنيته أبو عبد الرحمن. وقيل: أبو الوليد. قال ابن إسحاق: سألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان: ابن كم كان حسان وقت الهجرة؟ قال: ابن ستين سنة، واهجر رسول الله ابن ثلاث وخمسين.

الزهري، عن ابن المسيب، قال: كان حسان في حلقة فيهم أبو هريرة، فقال: أنشدك الله يا أبا هريرة،

فقال: أنشدك الله يا أبا هريرة، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"أجب عني، أيدك الله بروح القدس"؟ فقال: اللهم نعم (1).

وروى عدي بن ثابت، عن البراء: أن رسول الله قال لحسان: "اهجهم وهاجهم وجبريل معك"(2).

وقال سعيد بن المسيب: مر عمر بحسان، وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظه، فقال حسان: قد كنت أنشد فيه، وفيه خير منك. قال: صدقت (3).

عن عائشة، قالت: كان حسان يضع له النبي صلى الله عليه وسلم منبراً في المسجد، يقوم عليه قائماً ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله يقول:"إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"(4).

(1) رواه البخاري (6/ 304) 59 - كتاب بدء الخلق - 6 - باب ذكر الملائكة.

ومسلم (4/ 1933) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 34 - باب فضائل حسان بن ثابت.

(2)

رواه البخاري ومسلم في نفس الموضعين السابقين.

(3)

رواه البخاري ومسلم في نفس الموضعين السابقين.

(4)

رواه أحمد في مسنده (6/ 72)، وأبو داوج (4/ 304) كتاب الأدب، باب ما جاء في الشعر.

والترمذي (5/ 138) 44 - كتاب الأدب - 70 - باب ما جاء في إنشاد الشعر.

والحاكم في المستدرك (3/ 487) وصححه ووافقه الذهبي.

ص: 2116

وعن عروة، قال: سببت ابن فريعة عند عائشة، فقالت: يا ابن أخي، أقسمت عليك لما كففت عنه، فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)

أقول: وفي منع ابن أختها من سب حسان مع دوره في حادثة الإفك دليل على أن المسلم لا يحقد ويمتنع عن أن يشفي قلبه من غيظ الغيبة منه أو من غيره، وهو خلق عز في عصرنا وقل أصحابه.

عمر بن حوشب، عن عطاء بن أبي رباح، سمعه يقول: دخل حسان على عائشة، بعدما عمي، فوضعت له وسادة، فدخل أخوها عبد الرحمن، فقال: أجلستيه على وسادة، وقد قال ما قال؟ - يريد: مقالته نوبة الإفك - فقالت: إنه - تعني أنه كان يجيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشفي صدره من أعدائه، وإني لأرجو ألا يعذب في الآخرة.

وروي عن عائشة قالت: قدد رسول الله المدينة، فهجته قريش، وهجوا معه الأنصار. فقال لحسان:"اهجهم، وإني أخاف أن تصيبني معهم بهجو بني عمي".

قال: لأسلنك منهم سل الشعرة من العجين، ولي مقول يفري ما لا تفريه الحربة. ثم أخرج لسانه، فضرب به أنفه، كأنه لسان شجاع (2) بطرفه شامة سوداء، ثم ضرب به ذقنه.

عن أبي سلمة: أن حسان قال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني هذا. ثم أطلع لسانه، كأنه لسان حية.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن فيهم نسباً، فائت أبا بكر، فإنه أعلم قريش بأنسابها، فيخلص لك نسبي". قال: والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم ومسبك سل الشعرة من

(1) رواه البخاري (10/ 546) 87 - كتاب الأدب - 91 - باب هجاء المشركين.

ومسلم (4/ 1932) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 34 - فضائل حسان بن ثابت.

(2)

شجاع: الحية الذكر.

ص: 2117

العجين. فهجاهم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد شفيت واشتفيت"(1).

محمد بن السائب بن بركة، عن أمه: أنها طافت مع عائشة، ومعها نسوة، فوقعن في حسان، فقالت: لا تسبوه، قد أصابه ما قال الله:{أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2) وقد عمي، والله إني لأرجو إن يدخله الله الجنة بكلمات قالهن لأبي سفيان بن الحارث:

هجوت محمداً فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

أتهجوه ولست له بكفء

فشركما لخيركما الفداء

انتهى. من السير للذهبي.

قال الشيخ شعيب: أبو سفيان بن الحارث: هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، كان يألف النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، فلما بعث عاداه، وهجاه، ثم أسلم عام الفتح، وشهد حنيناً، وقوله:(فشركما لخيركما الفداء). قال السهيلي: وفي ظاهر اللفظ بشاعة، لأن المعروف أن لا يقال: هو شرهما إلا وفي كليهما شر .. ولكن سيبويه قال في (كتابه): تقول: مررت برجل شر منك: إذا نقص عن أن يكون مثله، وهذا يدفع الشناعة، ونحو منه قوله صلى الله عليه وسلم:"شر صفوف الرجال آخرها" يريد: نقصان حظهم عن حظ الأول.

عن مسروق، قال: كنت عند عائشة، فدخل حسان - بعد ما عمي - فقال:

حصان رزان ما تزن بريبة

وتصبح من لحوم الغوافل

فقالت: لكن أنت لست كذلك. فقلت لها: تأدنين له، وقد قال الله:{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (3) فقالت: وأي عذاب أشد من العمى.

(1) رواه الطبراني في الكبير (4/ 38) ومسلم بنحوه في (4/ 1935) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 34 - باب فضائل حسان بن ثابت.

(2)

آل عمران 11.

(3)

النور: 11.

0

ص: 2118

وقالت: إنه كان ينافح، أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

خديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن سعيد بت جبير، قال: قبل لابن عباس: قدم حسان اللعين، فقال ابن عباس: ما هو بلعين، قد جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ولسانه (2).

وقال [الذهبي] هذا دال على أنه غزا.

أقول: من المشهور عن حسان قلة مشاركته في القتال وذلك يرجع في نظري إلى أنه كان كبير السن عندما دخل في الإسلام كما مر، وقد علل بعضهم عدم مشاركته في القتال تعليلات لا تليق ولم تثبت بسند صحيح يطمئن إليه القلب، وإنما هو ما ذكرناه فقد كان معذوراً بدليل أنه لم يعاقب ولم يعاتب ولم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لوم له في هذا الشأن.

قال الذهبي: عبدة بن سليمان، عن أبي حيان التيمي، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: أنشد حسان النبي صلى الله عليه وسلم:

شهدت بإذن الله أن محمداً

رسول الذي فوق السماوات من عل

وأن أبا يحيي ويحيي كلاهما

له عمل من ربه متقبل

وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم

يقول بذات الله فيهم ويعدل (3)

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأنا".

وروى أبو غسان النهدي: حدثنا عمر بن زياد، عن عبد الملك بن عمير: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشده حسان - فذكرها وزاد:

وأن الذي عادي اليهود ابن مريم نبي أتى من عند ذي العرش مرسل

(1) البخاري (7/ 436) 64 - كتاب المغازي - 24 - باب حديث الإفك.

ومسلم (4/ 1934) - كتاب فضائل الصحابة - 34 - باب فضائل حسان بن ثابت.

(2)

أخرجه أبو الفرج في الأغاني، وهو في تهذيب ابن عساكر.

(3)

أبو يحيي: هو زكريا عليه السلام. أخو الأحقاف: هو هود عليه السلام.

ص: 2119

قال ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، وعبد الله بن حزم: إن حسان لما قال هذه الأبيات:

من النوم بالغشاء الهموم

وخيال إذا تغور النجوم

من خبيب أصاب قلبك منه

سقم فهو داخل مكتوم

يا لقومٍ هل يقتل المرء مثلي

واهن البطش والعظا سؤوم

شأنها العطر والفراش ويعلو

ها لجين ولؤلو منظوم

لو يدب الحولي من ولد الذ

ر عليها لأندبتها الكلوم

لم تفقها شمس النهار بشيء

غير أن الشباب ليس بدوم

زاد بعضهم:

رب حلم أضاعه عدم الما

ل وجهل غظى عليه النعيم

نادى بأعلى صوته على أطمة فارع: يا بني قيلة، فلما اجتمعوا، قالوا: ما لك ويلك؟ قال: قلت قصيدة لم يقل أحد من العرب مثلها، ثم أنشدها لهم، فقالوا: ألهذا جمعتنا؟ فقال: وهل يصبر به من وحر الصدر. [أي وساوسه].

قال سليمان بن يسار: رأيت حسان لع ناصية قد سدلها بين عينيه.

قال ابن إسحاق: توفي حسان سنة أربعٍ وخمسين. وأما الهيثم بن عدي، والمدائني فقالا: توفي سنة أربعين. قلت: له وفادة على جبلة بن الأبهم، وعلى معاوية.

قال: ابن سعد: توفي زمن معاوية. ا. هـ. الذهبي.

وقال ابن حجر: قال عبيدة فضل حسان بن ثابت على الشعراء بثلاث: كان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أيام النبوة، وشاعر اليمن كلها في الإسلام

مات حسان قبل الأربعين في قول خليفة وقبل سنة أربعين وقبل خمسين وقيل أربع وخمسين وهو قول ابن هشام حكاه عنه ابن البرقي وزاد وهو ابن عشرين ومائة سنة أو نحوها وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينو ولحسان ستون

ص: 2120

سنة (قلت [القائل ابن حجر] من قال إنه سنة أربعين بلغ مائة أو دونها او في سنة خمسين مائة وعشرة أو سنة أربع وخمسين مائة وأربع عشرة، والجمهور أنه عاش مائة وعشرين سنة وقيل عاش مائة وأربع سنين جزم به أنه أبي خيثمة عن المدائني وقال ابن سعد عاش في الجاهلية ستين وفي الإسلام ستين ومات وهو ابن عشرين ومائة. ا. هـ.

2222 -

* روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "استأذن حسان بن ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فكيف بنسبي؟ " فقال حسان: لأسئلنك منهم كما تسل العشرة من العجين.

وفي رواية قال عروة: ذهبت أسب حسان عند عائشة، فقالت: لا تسبه، فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية لمسلم (2) قالت: قال حسان: يا رسول الله، ائذن لي في أبي سفيان، قال:"كيف بقرابتي منه؟ " قال: والذي أكرمك، لأسلنك كما تسل العشرة من الخمير، فقال حسان:

وإن سنام المجد من آل هاشم

بنو بيت مخزوم، ووالدك العبد

قصيدته هذه.

وبعد بيت "وإن سنام المجد

" بيت لم يذكره البخاري ومسلم، وبذكره تتم الفائدة والمراد، وهو:

ومن ولدت أبناء زهرة منهم

كرام ولم يقرب عجائزك المجد

والمراد ببيت مخزوم: فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم أم عبد الله والزبير وأبي طالب بني عبد المطلب، والمراد بأبي سفيان المهجو في الحديث: أبو سفيان بن الحارث

2223 - البخاري (10/ 547) 78 - كتاب الأدب - 91 - باب هجاء المشركين.

(1)

مسلم (4/ 1934) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 34 - باب فضائل حسان بن ثابت.

سنام المجد: سنام كل شيء: أعلاه، والمجد: الشرف والعلاء والفخر والسؤدد. وما أشبهه.

ص: 2121

ابن عبد المطلب، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في ذلك الوقت، ثم أسلم وحسن إسلامه.

وقوله: ولدت أبناء زهرة منهم، مراده: هالة بنت وهب بن عبد مناف أم حمزة وصفية، وأما قوله في البيت الأول: ووالدك العبد، فهو سب لأبي سفيان بن الحارث، ومعناه: أن أم الحارث بن عبد المطلب والد أبي سفيان هذا: هي سمية بنت موهب، وموهب غلام لبني عبد مناف، وكذا أم أبي سفيان بن الحارث كانت كذلك، وهو مراده يقوله، ولم يقرب عجائزك المجد.

وفي رواية لمسلم (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اهجوا قريشاً، فإنه أشد عليها من رشق النبل" فأرسل إلى ابن رواحة، فقال: اهجهم، فلم يرض، فأرسل إلى كعب بم مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبة، ثم أدلع لسانه، فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسباً، حتى يلخض لك نسبي" فأتاه حسان، ثم رجع، فقال: والذي بعثك بالحق، لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤديك ما نافحت عن الله ورسوله. وقالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هجاهم حسان، فشفى واتشفى، قال حسان:

هجوت محمداً، فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

هجوت محمداً براً تقياً

رسول الله شيمته الوفاء

(1) مسلم في نفس الموضع السابق.

رشق النبل: الرشق: الري، وهو بالفتح: المصدر، تقول: رشقته رشقاً، وبالكسر: الوجه من الرمي: إذا رموا بأجمعهم، قالوا: رمياً رشقاً.

أذلع: دلع لسانه وأدلعه إذا أخرجه، ودلع لسانه يتعدى ولا يتعدى.

لأفرينهم قري الأديم: أقريت الشيء، إذا قطعته على جهة الإفساد، فإذا فعلته على جهة الإصلاح قلت: فريته، وفري الأديم: قطع الجزار الجلد.

برأ: البر: الصادق.=

ص: 2122

فإني أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

ثكلت بنيتي لم تروها

تثير النقع من كنفي كداء

يبارين الأعنة مصعدات

على اكتافها الأسل الظماء

تظل جيادنا متمطرات

تلطمهن بالخمر النساء

فإن أعرضتم عنا اعتمرنا

وكان الفتح، وانكشف الغطاء

وإلا فاصبروا لضراب يومٍ

يعز الله فيه من يشاء

وقال الله: قد أرسلت عبداً

يقول الحق، ليس به خفاء

وقال الله: قد يسرت جنداً

هم الأنصار عرضتها اللقاء

تلافى كل يوم من مقد

سباب، أو قتال، أو هجاء

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

وجبريل رسول الله فينا

وروح القدس ليس له كفاء

أقول: ترجمنا لحسان رضي الله عنه لأنه يشكل ظاهرة تحتاج إلى تأمر كبير ليأخذ منها دعاة الإسلام دروساً كثيرة، فلقد كان الشعر في الجاهلية هو الأداة الأقوى في التأثير على الرأي العام، وقد استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا السلاح استعمالا كثيراً فلم يبق شاعراً إلا وقد استخرج ما عنده في نصرة الإسلام أو الدعوة له أو الذنب عنه أو الرد على خصومه أو في

= حنيفاً: الحنيف: المائل عن الأديان إلى الإسلام.

تثيير النقع: النقع: الغبار، وإثارته: نشره وإظهاره في الحق.

كداء: الممدود - بفتح الكاف -: هو بأعلى مكة عند المقبرة، وتسمى الناحية: المعلي، وهنالك الحصب، وليس بمحصب مني، وكان باب بني شيبة بإزائه، وكدي - بالقصر والضم مصروفاً -: هو بأسفل مكة، وهو بقرب شعب الشافعين وابن الزبير، عند قعيقعان، وهنالك موضع آخر يقال له: كدي، مضغراً، وإنما هو لمن خرج من مكة إلى اليمن، فهو في طريقه، وليس من هذين المقدمين في شيء.

يبارين الأعنة: المباراة: المجارة والمسابقة.

الأسل الغلماء: الأسل: الرماح، وهو في الأصل: نبات له أغضان.

دقاق طوال. والغلماء: جمع ظامئ، وهو العطشان، جمع الرماح عطاشاً إلى ورود الدماء استعارة، فهي إلى ذلك أسرع، كسارعة العطشالن إلى ورود الماء.

متمطرات: مطر الفرس يمطر مطراً: إذا أسرع، وتمطر تمطراً: مثله.

عرضتها: يقال: فلان عرضة لكذا" إذا كان مستعداً له، متعرضاً له.

ص: 2123

التعليل للمواقف، وهذا يعطينا درساً في أن يبذل الدعاة أقصى ما يستطيعونه للتأثير على الرأي العام بكل وسيلة مشروعة متاحة، وقد كان من سننه عليه السلام أن يرد على شاعر بشاعر وعلى خطيب بخطيب، وهذا درس كذلك للدعاة في أن يردوا على الجريدة بالجريدة وعلى الكتاب بالكتاب وعلى البيان بالبيان على ضوء الحكمة والفتوى.

ومن الدروس في ترجمة حسان أن نعرف أن للشاعر قيمته للدعوة الإسلامية، قال تعالى لرسوله عليه السلام {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} ولقد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم على كثير من شعرائه، ووصف قوة تأثير شعرهم في العدو، كما دعا لبعضهم، وهذا رد على بعض المنتطعين الذين لا يعطون للشعر الإسلامي أهميته.

* * *

ص: 2124