الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
29 - أبو هريرة رضي الله عنه
قال ابن حجر في الإصابة:
قال النووي في مواضع من كتبه: اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولا. وقال القطب الحلبي اجتمع في اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولاً مذكورة في الكنى للحاكم وفي الاستيعاب وفي تاريخ ابن عساكر. قلت: وجه تكثره أنه يجتمع في اسمه خاصة عشرة أقوال مثلا وفي اسم أبيه نحوها ثم تركبت ولكن لا يوجد جميع ذلك منقولاً.
وقد أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثاً وذكر أبو محمد بن حزم أن مسند بقي بن مخلد احتوى من حديث أبي هريرة على خمسة آلاف وثلثمائة حديث وكسر.
وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن عكرمة أن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة يقول: أسبح بقدر ذنبي.
وفي الحلية من تاريخ أبي العباس السراج بسند صحيح عن مضارب بن جزء: كنت أسير من الليل فإذا رجل يكبر فلحقته فقلت ما هذا؟ قال: أكثر شكر الله على أن كنت أجيراً لبسرة بنت غزوان لنفقة رحلي وطعام بطني فإذا ركبوا سقت بهم وإذا نزلوا خدمتهم فزوجنيها الله فأنا أركب وإذا نزلت خدمت. وأخرجه ابن خزيمة من هذا الوجه وزاد: وكانت إذا أتت على مكان سهل نزلت فقالت: لا أريم [لا أبرح] حتى تجعل لي عصيدة فها أنا ذا أتيت على نحو من مكانها، قلت: لا أريم حتى تجعل لي عصيدة.
وأخرج ابن أبي الدنيا في المختصرين بسند صحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلت على أبي هريرة وهو شديد الوجع فاحتضنته، فقلت: اللهم اشف أبا هريرة. فقال: اللهم لا ترجعها. قالها مرتين، ثم قال: إن استطعت أن تموت فمت والله الذي نفس أبي هريرة بيدة ليأتين على الناس زمان يمر الرجل على قبر أخيه فيتمنى أنه صاحبه. قلت: وقد جاء هذا الحديث مرفوعاً عن أبي هريرة عن عمير بن هانئ قال: كان أبو هريرة يقول: تشبثوا بصدغي معاوية اللهم لا تدركني سنة ستين. وأخرج أحمد والنسائي بسند صحيح عن عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت: لا تضربوا علي
فسطاطاً ولا تتبعوني بمجمرة وأسرعوا بي.
وكانت وفاته بقصره بالعقيق فحمل إلى المدينة. قال هشام بن عروة وخليفة وجماعة: توفي أبو هريرة سنة سبع وخمسين. وقال الهيثم بن عدي وأبو معشر وضمرة بن ربيعة: مات سنة ثمان وخمسين. وقال الواقدي وأبو عبيد وغيرهما: مات سنة تسع وخمسين. ا. هـ.
وقال الذهبي: الإمام الفقيه المجتهد الحافظ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو هريرة الدوسي اليماني. سيد الحفاظ الأثبات.
اختلف في اسمه على أقوال جمة؛ أرجحها: عبد الرحمن بن صخر. وقيل: ابن غنم.
والمشهور عنه أنه كني بأولاد هرة برية. قال: وجدتها، فأخذتها في كمي؛ فكنيت بذلك.
قال الطبراني: وأمه رضي الله عنها، هي: ميمونة بنت صبيح.
حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه -لم يلحق في كثرته -وعن أبي، وأبي بكر، وعمر، وأسامة، وعائشة، والفضل، وبصرة بن أبي بصرة، وكعب الحبر.
حدث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين؛ فقيل: بلغ عدد أصحابه ثمان مئة. ا. هـ.
وذكر الذهبي في السير (1) عن أبي هريرة قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "ممن أنت؟ " قلت: من دوس. قال: "ما كنت أرى أن في دوس أحداً فيه خير".
وذكر أيضاً (2) عن أبي هريرة، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، وقدمت المدينة مهاجراً، فصليت الصبح خلف سباع بن عرفطة -كان استخلفه -فقرأ في السجدة الأولى بسورة مريم، وفي الآخرة:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} .
(1) السير (2/ 588). ورجاله ثقات.
(2)
السير (2/ 589) وإسناده قوي.
فقلت: ويل لأبي! قل رجل كان بأرض الأزد، إلا وكان له مكيالان: مكيال لنفسه، وآخر يبخس به الناس.
2071 -
* روى البخاري عن محمد قال: كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط فقال: بخ بخ، أبو هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشيا علي، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع.
2072 -
* روى البخاري عن مجاهد: أن أبا هريرة كان يقول: الله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر فلم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رأني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال:"يا أبا هر". قلت: لبيك رسول الله. قال: "الحق". ومضى. فتبعته، فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل لبناً في قدح فقال:"من أين هذا اللبن؟ " قالوا: أهداه لك فلان -أو فلانة -قال: "أبا هر". قلت: لبيك يا رسول الله. قال: "الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي". قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوي بها، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعيطهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن. ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت. قال:"يا أبا هر" قلت: لبيك يا رسول الله، قال:"خذ فأعطهم" فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد على
2071 - البخاري (13/ 303) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة -16 - باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم.
2072 -
البخاري (11/ 281) 81 - كتاب الرقاق -17 - باب كيف عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا.
القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه علي يده، فنظر إلي فتبسم فقال:"أبا هر". قلت: لبيك يا رسول الله. قال: "بقيت أنا وأنت". قلت: صدقت يا رسول الله. قال: "اقعد فاشرب". فقعدت فشربت. فقال: "اشرب". فشربت، فما زال يقول: اشرب، حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أحد له مسلكاً. قال:"فأرني": فأعطيته القدح، فحمد الله وسمي وشرب الفضلة.
2073 -
* روى مسلم عن أبي هريرة قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله! إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم! اهد أم أبي هريرة": فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم. فلما جئت فصرت إلى الباب. فإذا هو مجاف. فسمعت أمي خشف قدمي. فقالت: مكانك! يا أبا هريرة! وسمعت خضخضة الماء. قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها. ففتحت الباب. ثم قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال قلت: يا رسول الله! أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً. قال قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم! حبب عبيدك هذا -يعني أبا هريرة -وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين" فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني، إلا أحبني.
قال الذهبي: وكان حفظ أبي هريرة الخارق من معجزات النبوة.
2073 - مسلم (4/ 1938) 44 - كتاب فضائل الصحابة -35 - باب من فضائل أبي هريرة الدوسي.
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك"؟ قلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله. فنزع نمرة كانت على ظهري، فبسطها بيني وبينه، حتى كأني أنظر إلى النمل يدب عليها، فحدثني، حتى إذا استوعبت حديثه، قال:"اجمعها فصرها إليك". فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني (1) ا. هـ.
2074 -
* روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: يقولون: إن أبا هريرة قد أكثر. والله الموعد. ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه؟ وسأخبركم عن ذلك: إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أرضيهم. وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق. وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني. فأشهد إذا غابوا. وأحفظ إنا نسوا. ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: "أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي هذا، ثم يجمعه إلى صدره، فإنه لم ينس شيئاً سمعه". فبسطت بردة علي. حتى فرغ من حديثه. ثم جمعتها إلى صدري. فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئاً حدثني به. ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئاً أبداً: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى)(2) إلى آخر الآيتين.
وفي رواية لمسلم (3) عن أبي هريرة قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله الموعد. كنت رجلاً مسكيناً، أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني. وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه مني". فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه. ثم ضمته إلي. فما نسيت شيئاً سمعته منه.
(1) السير (2/ 593). ورجاله ثقات.
النمرة: شملة بها خطوط بيض وسود.
2074 -
البخاري (4/ 287) 34 - كتاب البيوع -1 - باب ما جاء في قول الله عز وجل: (فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا).
ومسلم (4/ 1940) 44 - كتاب فضائل الصحابة -35 - باب من فضائل أبي هريرة.
الصفق بالأسواق: المقصود صوت وقع يد البائع على يد المشتري عند عقد التبايع في البيع والتجارة.
(2)
البقرة: 159، 160.
(3)
مسلم (4/ 1939) 44 - كتاب فضائل الصحابة -35 - باب من فضائل أبي هريرة.
2075 -
* روى البخاري عن أبي هريرة، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: فأما أحدهما، فبثثته في الناس، وأما الآخر، فلو بثثته لقطع هذا البلعوم.
قال محقق السير: وقد حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم. وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه، ولا يصرح به خوفاً على نفسه منهم. كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان. يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية، لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستحباب الله دعاء أبي هريرة، فمات قبلها بقليل.
وقال ابن المنير: جعل بعضهم هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهراً وباطناً، وذلك الباطل، إنما حاصله الانحلال من الدين، وإنما أراد أبو هريرة بقوله: قطع. أي: قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم، وتضليله لسعيهم، يؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها.
قال الذهبي: هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول، أو الفروع؛ أو المدح والذم؛ أما حديث يتعلق بحل أو حرام فلا يحل كتمانه بوجه؛ فإنه من البينات والهدى. وفي "صحيح البخاري": قول الإمام علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ وكذا لو بث أبو هريرة ذلك الوعاء، لأوذي، بل لقتل. ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديث الفلاني إحياء للسنة، فله ما نوى وله أجر -وإن غلط -في اجتهاده.
وقال الحافظ في "الفتح": وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، ومثله قول ابن مسعود: ما أنت محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
2075 - البخاري (1/ 216) 3 - كتاب العلم -42 - باب حفظ العلم.
2076 -
* روى الحاكم عن سعيد بن أبي الحسن، قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثاً من أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن مروان -زمن إمرته على المدينة -أراد أن يكتب حديثه كله، فأبى، وقال: ارو كما روينا.
فلما أبى عليه تغفله مروان، وأقعد له كاتباً ثقفاً ودعاه: فجعل أبو هريرة يحدثه، ويكتب ذاك الكتب، حتى استفرغ حديثه أجمع.
ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع؟ قال: وقد فعلت! قال: نعم. قال: فاقرؤوه علي، فقرؤوه. فقال أبو هريرة: أما إنكم قد حفظتم، وإن تطعني، تمحه. قال: فمحاه.
ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع، قال: وقد فعلت! قال: نعم. قال: فاقرؤوه علي، فقرؤوه. فقال أبو هريرة: أما إنكم قد حفظتم، وإن تطعني، تمحه. قال: فمحاه.
2077 -
* روى البخاري عن وهب بن منبه، عن أخيه همام سمعت أبا هريرة يقول: ما أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثاً مني عنه إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب، وكنت لا أكتب.
قال محقق السير: وهذا الحديث يدل على أن أبا هريرة كان يجزم بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم منه إلا عبد الله، مع أن الموجود المروي عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة. وقد قال العلماء: إن السبب فيه من جهات.
أحدها: أن عبد الله كان مشتغلاً بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم، فقلت الرواية عنه.
ثانيها: أنه كان أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف، ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة، وكان أبو هريرة متصدياً فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات، ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة، فقد ذكر البخاري أنه روى عنه ثمان مئة نفس من التابعين.
ثالثها: ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له بأن لا ينسى ما يحدثه به.
2076 - المستدرك (3/ 509). ورجاله ثقات.
2077 -
البخاري (1/ 206) 3 - كتاب العلم -39 - باب كتابة العلم.
رابعها: أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بجمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيه ويحدث منها، فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين. ا. هـ.
وذكر الذهبي في السير (1) عن السائب بن يزيد: سمع عمر يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس؛ وقال لكعب [الأحبار]: لتتركن الحديث، أو لألحقنك بأرض القردة.
قال ابن كثير بعد أن أورد الخبر: وهذا محمول من عمر على أنه خشي من الأحاديث التي قد تضعها الناس على غير مواضعها، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص، وأن الرجل إذا أكثر من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ، فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك.
قال الذهبي: كان عمر رضي الله عنه يقول: أقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزجر غير واحد من الصحابة عن بث الحديث، وهذا مذهب لعمر ولغيره.
فبالله عليك، إذا كان الإكثار من الحديث في دولة عمر، كانوا يمنعون منه، مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد، بل هو غض لم يشب؛ فما ظنك بالإكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا مع طول الأسانيد، وكثرة الوهم والغلط، فبالحري أن نزجر القوم عنه، فياليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف، بل يروون -والله- الموضوعات والأباطيل والمستحيل في الأصول والفروع، والملاحم والزهد، نسأل الله العافية.
فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه، وغر المؤمنين، فهذا ظالم لنفسه جانٍ على السنن والآثار، يستتاب من ذلك؛ فإن أناب وأقصر، وإلا فهو فاسق؛ كفى به إثمًا أن يحدث بكل ما سمع. وإن هو لم يعلم، فليتورع، وليستعن بمن يعينه على تنقية مروياته. نسأل الله العافية؛ فلقد عم البلاء، وشملت الغفلة، ودخل الداخل على المحدثين الذين يركن إليهم المسلمون؛ فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام.
(1) السير (2/ 600). وإسناده صحيح.
أقول: الظاهر أن هذا كان من عمر قبل أن يتأكد من ضبط أبي هريرة بدليل أن أبا هريرة استمر بالتحديث، أما نهيه لكعب الأحبار فلأنه كان يتحدث عن الإسرائيليات مع صدقه لكن عمر خشي أن تؤثر هذه الإسرائيليات على فطرة الصحابة وتبعدهم عن الإقبال الكامل على القرآن.
قال محقق السير: قال محدث الديار الشامية في عصره العلامة الشيخ بدر الدين الحسني رحمه اله ورضي عنه فيما نقله عنه الشيخ العلامة محمود ياسين في مجلة الهداية الإسلامية: لا يجوز إسناد حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا نص على صحة هذا الحديث حافظ من الحفاظ المعروفين، فمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يعلم صحة ذلك من طريق أحد الحفاظ يوشك أن يصدق عليه حديث:"من قال علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار". فليحذر الخطباء والكتاب والمدرسون والوعاظ من إسناد حديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعلموا صحته من طريق حافظ مشهور من حفاظ الحديث، وعليهم إذا لم يعلموا ذلك أن يذكروا الحديث معزوا إلى الكتاب الذي نقلوا منه، كالترمذي، والنسائي مثلاً، وبذلك يخرجون من العهدة، أما الذين يحملون بأيديهم الكتب التي لا قيمة لها عند علماء الحديث الشريف ككثير من كتب الأخلاق والوعظ المنتشرة بالأيدي، فلا يكفي عزو الحديث إليها، ولا يخرج القارئ من الوزر.
2078 -
* روى أحمد عن عاصم بن كليب: حدثنا أبي: سمع أبا هريرة، وكان يبتدئ حديثه بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".
وذكر الذهبي في السير (1) عن بسر بن سعيد، قال: اتقوا الله، وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة؛ فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحدثنا عن كعب، ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2078 - أحمد في مسنده (2/ 413). وإسناده قوي.
(1)
السير (2/ 606). وأورده ابن كثير وإسناده صحيح.
قال الذهبي: مسنده: خمسة آلاف وثلاث مئة وأربعة وسبعون حديثًا.
المتفق في البخاري ومسلم منها ثلاث مئة وستة وعشرون. وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين حديثًا، ومسلم بثمانية وتسعين حديثًا.
2079 -
* روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أسمع منك أشياء فلا أحفظها، قال:"ابسط رداءك". فبسطته، فحدث حديثًا كثيرًا، فما نسيت شيئًا حدثني به.
وللترمذي (1) في أخرى: قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسطت ثوبي عنده، ثم أخذه، فجمعه على قلبي، فما نسيت بعده.
ذكر الذهبي في السير (2): محمد بن كناسة الأسدي، عن إسحاق بن سعيد، عن أبيه، قال: دخل أبو هريرة على عائشة، فقالت له: أكترث يا أبا هريرة عن رسول الله! قال: إي والله يا أماه، ما كانت تشغلني عنه المرآة، ولا المكحلة، ولا الدهن. قالت: لعله.
2080 -
* روى الحاكم عن عائشة أنها دعت أبا هريرة، فقالت له: يا أبا هريرة، ما هذه الأحاديث التي تبلغنا أنك تحدث بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، هل سمعت إلا ما سمعنا؟ وهل رأيت إلا ما رأينا؟ قال: يا أماه، إنه كان يشغلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرآة والمكحلة والتصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني والله ما كان يشغلني عنه شيء.
2079 - الترمذي (5/ 684) 50 - كتاب المناقب -47 - باب مناقب لأبي هريرة.
وقال هذا حديث حسن صحيح وهو كما قال.
(1)
الترمذي (5/ 682) 50 - كتاب المناقب -47 - باب مناقب لأبي هريرة.
وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
(2)
السير (2/ 604). ورجاله ثقات. وذكره الحافظ في الغصابة ونسبه لابن سعد، وجود إسناده وهو في تاريخ ابن عساكر، وذكره ابن كثير في البداية عن سعيد.
2080 -
المستدرك (3/ 509) وصححه ووافقه الذهبي.
2081 -
* روى مالك عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري: أنه كان جالسًا مع ابن الزبير، فجاء محمد بن إياس بن البكير، فسأل عن رجلٍ طلق ثلاثًا قبل الدخول. فبعثه إلى أبي هريرة، وابن عباس -وكانا عند عائشة- فذهب، فسألهما.
فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة؛ فقد جاءتك معضلة.
فقال: الواحدة تبينها، والثلاث تحرمها. وقال ابن عباس مثله.
أقول: الظاهر أنهم اعتبروا أن الطلقة الواحدة تجلعها بائنة وذلك نص قرآني، والثلاث معًا تجعلها بائنة بينونة كبرى فلا تحل لزوجها حتى تنكح زوجًا غيره، وهذا من جملة الأدلة التي تعاضدت حتى استقر بالإجماع على أن الثلاثة دفعة واحدة توجب البينونة الكبرى على خلاف ما ذهب إليه ابن تيمية بعد قرون من انعقاد الإجماع.
2082 -
* روى مسلم عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت: ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جنب حجرتي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك، وكنت أسبح (أصلي نافلة) فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم.
قول عائشة: ولو أدركته لرددت عليه. أي: لأنكرت عليه، وبينت له أن الترتيل في الحديث أولى من السرد. قال الحافظ: واعتذر عن أبي هريرة بأنه كان واسع الرواية، كثير المحفوظ، فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث، كما قال بعض البلغاء: أريد اقتصر، فتزدحم القوافي على في.
قال الذهبي: وأصح الأحاديث ما جاء عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
2081 - الموطأ (2/ 571) 29 - كتاب الطلاق -15 - باب طلاق البكر.
2082 -
مسلم (4/ 1940) 44 - كتاب فضائل الصحابة -35 - باب من فضائل أبي هريرة الدوسي.
وما جاء عن ابن عون، وأيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.
وأين مثل أبي هريرة في حفظه وسعة علمه.
وذكر الذهبي في السير (1) عن أبي عثمان النهدي قال: تضيفت أبا هريرة سبعًا؛ فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثًا: يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يوقظ هذا. قلت: يا أبا هريرة، كيف تصوم؟ قال: أصوم من أول الشهر ثلاثًا.
2083 -
* روى مالك عن حميد بن مالك بن خثيمٍ، أنه قال: كنت جالسًا مع أبي هريرة بأرضه بالعقيق. فأتاه قوم من أهل المدينة على دواب. فنزلوا عنده. قال حميد: فقال أبو هريرة: اذهب إلى أمي فقل: إن ابنك يقرئك السلام ويقول: أطعمينا شيئًا. قال: فوضعت ثلاثة أقراص في صحفةٍ، وشيئًا من زيت وملحٍ، ثم وضعتها على رأسي، وحملتها إليهم. فلما وضعتها بين أيديهم، كبر أبو هريرة، وقال: الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين الماء والتمر. فلم يصب القوم من الطعام شيئًا. فلما انصرفوا، قال: يا ابن أخي، أحسن إلى غنمك، وامسح الرعام عنها، وأطب مراحها، وصل في ناحيتها فإنها من دواب الجنة. والذي نفسي بيده ليوشك أن يأتي على الناس زمان تكون الثلة من الغنم أحب إلى صاحبها من دار مروان.
2084 -
* روى ابن سعد عن معمر، عن أيوب، عن محمد: أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله، وعدو كتابه؟
(1) السير (2/ 609). ورجاله ثقات. وذكره الحافظ في الإصابة ونسبه لأحمد في الزهد وصحح إسناده.
يعتقبون: يتناوبون.
2083 -
الموطأ (2/ 933) 49 - كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم -10 - باب جامع ما جاء في الطعام والشراب.
وسنده صحيح والبخاري في كتاب الأدب عن أبي أويس عن مالك ووثق النسائي حميدًا.
الأقراص: الأرغفة.
الرعام: مخاط رقيق يجري من أنوف الغنم. وأطب مراحها: نظفه. الثلة: جماعة الغنم، قليلة كانت أو كثيرة، وقيل: الثلة: الكثير منها.
2084 -
الطبقات الكبرى (4/ 235). ورجاله ثقات.
فقال أبو هريرة: فقلت: لست بعدو الله وعدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما.
قال: فمن أين هي لك؟ قلت: خيل نتجت، وغلة رقيقٍ لي، وأعطية تتابعت.
فنظروا، فوجدوه كما قال.
فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليوليه، فأبى. فقال: تكره العمل وقد طلب العمل من كان خيرًا منك: يوسف عليه السلام! فقال: يوسف نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة بن أميمة، وأخشى ثلاثًا واثنتين. قال: فهلا قلت: خمسًا؟ قال: أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حلم، وأن يضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي.
ذكر الذهبي في السير (1) عن محمد بن زياد قال كان معاوية يبعث أبا هريرة على المدينة؛ فإذا غضب عليه، بعث مروان، وعزله، قال: فلم يلبث أن نزع مروان، وبعث أبا هريرة، فقال لغلامٍ أسود: قف على الباب، فلا تمنع إلا مروان. ففعل الغلام، ودخل الناس، ومنع مروان. ثم جاء نوبة، فدخل، وقال: حجبنا عنك. فقال: إن أحق من لا أنكر هذا لأنت.
2085 -
* روى مسلم عن ابن أبي رافع، قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة، فصلى لنا أبو هريرة الجمعة، فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} . قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الكوفة. فقال أبو هريرة: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة.
وذكر الذهبي في السير (2) عن أبي رافع قال: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حمارًا ببرذعة، وفي رأسه خلبة من ليف، فيسير، فيلقى الرجل، فيقول:
(1) السير (2/ 612). ورجاله ثقات.
2085 -
مسلم (2/ 597) 7 - كتاب الجمعة -16 - باب ما يقرأ في صلاة الجمعة.
(2)
السير (2/ 614). ورجاله ثقات، وأبو رافع اسمه نفيع الصائغ المدني وهو ثقة ثبت.
الخلبة: واحد الخلب: الحبل الرقيق الصلب من الليف والقطن وغيرهما.=
الطريق، قد جاء الأمير.
وربما أتى الصبيان، وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب، فلا يشعرون، حتى يلقي نفسه بينهم، ويضرب برجليه، فيفزع الصبيان، فيفرون. وربما دعاني إلى عشائه، فيقول: دع العراق للأمير. فأنظر، فإذا هو ثريدة بزيت.
هذه بعض مداعبات أبي هريرة للناس وكان عنده مرح ودعابة رضي الله عنه.
وذكر الذهبي في السير (1): ثعلبة بن أبي مالك القرطي قال: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة لمروان، فقال: أوسع الطريق للأمير.
2086 -
* روى الحاكم عن محمد بن قيس بن محرمة: أن رجلاً أتى زيد بن ثابت، فسأله عن شيء، فقال: عليك بأبي هريرة. فإني بينما أنا وهو وفلان في المسجد، خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن ندعو، ونذكر ربنا. فجلس إلينا، فسكتنا. فقال:"عودوا للذي كنتم فيه". فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة. فجعل رسول الله يؤمن. ثم دعا أبو هريرة، فقال: اللهم، إني أسألك ما سألك صاحباي هذان، وأسألك علمًا لا ينسى فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"آمين".
فقلنا: يا رسول الله، ونحن نسأل الله علمًا لا ينسى! قال:"سبقكما الغلام الدوسي".
2087 -
* روى أحمد والحاكم عن ابن عمر: أنه مر بأبي هريرة -وهو يحدث- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تبع جنازة، فله قيراط". فقال: انظر ما تحدث عن رسول الله! فقام أبو هريرة، فأخذه بيده إلى عائش، فقال لها: أنشدك بالله، هل سمعت رسول الله يقول: "من تبع جنازة
…
" -الحديث- فقالت: اللهم نعم.
= العراق: العظم الذي أخذ عنه معظم اللحم.
(1)
السير (2/ 614). ورجاله ثقات.
2086 -
المستدرك (3/ 508). وصححه، وقال الذهبي: حماد بن شعيب ضعيف. وقال محقق السير (2/ 616): لكنه لم ينفرد به فقد تابعه الفضل بن العلاء وهو صدوق.
2087 -
أحمد في مسنده (2/ 2). والمستدرك (3/ 511). وصححه ووافقه الذهبي.=
فقال أبو هريرة: لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودي، ولا صفق في الأسواق؛ وإنما كنت أطلب من رسول الله كلمة يعلمنيها: أو أكلة يطعمنيها.
فقال ابن عمر: كنت ألزمنا لرسول الله، وأعلمنا بحديثه.
2088 -
* روى الحاكم، عن عاصم بن محمد، عن أبيه: رأيت أبا هريرة يخرج يوم الجمعة، فيقبض على رمانتي المنبر قائمًا، ويقول: حدثنا القاسم صلى الله عليه وسلم الصادق الصدوق. فلا يزال يحدث حتى يسمع فتح باب المقصورة لخروج الإمامة، فيجلس.
ذكر الذهبي في السير (1) عن عمير بن هانئ العنسي: قال أبو هريرة: اللهم، لا تدركني سنة ستين. فتوفي فيها، أو قبلها بسنة.
وقال محققه: وذكره الحافظ في "الفتح" في شرحه لحديث أبي هريرة المرفوع: "هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش". ونسبه لابن أبي شيبة بلفظ: إن أبا هريرة كان يمشي في السوق، ويقول: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان. وقال: وفي هذا إشارة إلى أن أول الأغيلمة كان في سنة ستين، وهو كذلك، فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها، وبقي إلى سنة 64، فمات، ثم ولي ولده معاوية، ومات بعد أشهر.
وأخرج ابن سعد (2) عن شعبة، عن محمد بن زياد: رأيت على أبي هريرة كساء خزم.
قال الذهبي: قال ابن حزم في كتاب: "الإحكام في أصول الأحكام": المتوسطون فيما روي عنهم من الفتاوى: عثمان، أبو هريرة، عبد الله بن عمرو بن العاص، أم سلمة، أنس، أبو سعيد، أبو موسى، عبد الله بن الزبير، سعد بن أبي وقاص، سلمان، جابر، معاذ، أبو بكر الصديق.
= الودي: بفتح الواو، كسر الدال، وتشديد الياء: صغار النخل، الواحدة: ودية.
الصفق: المرة من التصفيق، والمراد هنا: التبايع، لأن المتبايعين يضع أحدهما يده على يد الآخر، يريد أبو هريرة: أنه لم يشغله عن حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زرع ولا تجارة.
2088 -
المستدرك (3/ 512). وصححه ووافقه الذهبي.
(1)
السير (2/ 626). ورجاله ثقات.
(2)
الطبقات الكبرى (4/ 333). وإسناده صحيح.
فهم ثلاثة عشر فقط، يمكن أن يجمع من فتيا كل امرئٍ منهم جزء صغير.
ويضاف إليهم: الزبير: طلحة، عبد الرحمن، عمران بن حصين، أبو بكرة الثقفي، عبادة بن الصامت، معاوية.
ثم باقي الصحابة مقلون في الفتيا، لا يروى عن الواحد لا المسألة والمسألتان.
ثم سرد ابن حزم عدة من الصحابة، منهم: أبو عبيدة، وأبو الدرداء، وأبو ذر، جرير، وحسان.
2089 -
* روى أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمراتٍ، فقلت: يا رسول الله ادع الله فيهن بالبركة فضمهن ثم دعا لي فيهن بالبركة، فقال:"خذهن واجعلهن في مزودك هذا أو في هذا المزود، كلما أردت أن تأخذ منه شيئًا فأدخل فيه يدك فخذه ولا تنثره نثرًا". فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسقٍ في سبيل الله، فكنا نأكل منه ونطعم، وكان لا يفارق حقوي حتى كان يوم قتل عثمان فإنه انقطع.
2090 -
* روى الترمذي عن مالك بن أبي عامرٍ قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله فقال: يا أبا محمد أرأيت هذا اليماني، يعني أبا هريرة، هو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، نسمع منه مالا نسمع منكم، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل. قال: أما أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع فلا أشك إلا أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، وذاك أنه كان مسكينًا لا شيء له ضيفًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يده مع يد رسول الله صلى الله
2089 - أحمد في مسنده (2/ 352).
والترمذي (5/ 685) 50 - كتاب المناقب -47 - باب مناقب لأبي هريرة.
وقال: هذا حديث حسن غريب.
الوسق: مكيلة معلومة عندهم، يقال: هو حمل بعير. وهو ستون صاعًا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.
الحقو: معقد الإزار. والمزود: ما يجعل فيه الزاد من شراب ونحوه.
2090 -
الترمذي (5/ 684) 50 - كتاب المناقب -47 - باب مناقب لأبي هريرة.
وقال: هذا حديث حسن غريب.
عليه وسلم وكنا نحن أهل بيوتاتٍ وغنى، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار. فلا نشك إلا أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا نسمع، ولا نجد أحدًا فيه خير يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.
2091 -
* روى أحمد والحاكم عن أبي بن كعب أن أبا هريرة كان جرئيًا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره.
2092 -
* روى البزار عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتك قرت عيني وطابت نفسي وإذا لم أرك لم تطب نفسي أو كلمة نحوها.
2093 -
* روى البخاري عن أبي هريرة قال: كنت ألزم النبي صلى الله عليه وسلم لشبع بطي، حين لا آكل الخمر، ولا ألبس الحرير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وألصق بطني بالحصباء؛ وأستقرئ الرجل الآية -وهي معي- كي ينقلب بي فيطعمني. وخير الناس للمساكين جعفر ابن أبي طالب، ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة ليس فيها شيء، فنشتقها، فنعلق ما فيها.
وفي رواية الترمذي (1) قال: إن كنت لأسأل الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآيات من القرآن، أنا أعلم بها منه، ما أسأله إلا ليطعمني شيئًا، وكنت إذا سألت جعفر
2091 - أحمد في مسنده (5/ 139).
والحاكم في المستدرك (3/ 510) وصححه ووافقه الذهبي، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 361) وقال: رواه عبد الله بن أحمد في المسند في حديث طويل في علامات النبوة ورجاله ثقات.
2092 -
البزار: كشف الأستار (2/ 268). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 362): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير أبي ميمونة الفارسي وهو ثقة.
2093 -
البخاري (9/ 557) 70 - كتاب الأطعمة -32 - باب الحلوى والعسل.
الخمير: الطعام المختبر.
استقرأت: فلانًا آية كذا، أي: طلبت إليه أن يقرئنيها.
العكة: ظرف السمن.
اللعق: أخذ الطعام بالأصابع ولحسها، وذلك لقلة الشيء.
(1)
الترمذي (5/ 655) 50 - كتاب المناقب -30 - باب مناقب جعفر بن أبي طالب.
وقال: هذا حديث غريب.
ابن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي إلى منزله، فيقول لامرأته: يا أسماء أطعمينا شيئًا. فإذا أطعمتنا أجابني، وكان جعفر يحب المساكين، ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه بأبي المساكين.
2094 -
* روى الترمذي عن عبد الله بن رافع رضي الله عنه قال: قلت لأبي هريرة: لم كنيت بأبي هريرة؟ قال: أما تفرق مني؟ قلت: بلى، والله إني لأهابك. قال: كنت أرعى غنم أهلي، وكانت لي هريرة صغيرة، فكنت أضعها بالليل في شجرة، فإذا كان النهار وسرحت الغنم ذهبت بها معي، فلعبت بها، فكنوني أبا هريرة.
* * *
2094 - الترمذي (5/ 686) 50 - كتاب المناقب -47 - باب مناقب لأبي هريرة رضي الله عنه.
وقال: هذا حديث حسن غريب.
تفرق: الفرق: الفزع والخوف.
هريرة: الهريرة: تصغير الهرة.