الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20 - سلمان الفارسي رضي الله عنه
قال ابن حجر:
سلمان أبو عبد الله الفارسي .. ويقال له سلمان ابن الإسلام وسلمان الخير. وقال ابن حبان: من زعم أن سلمان الخير آخر فقد وهم، أصله من رام هرمز وقيل من أصبهان. وكان قد سمع بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيبعث فخرج في طلب ذلك فأسر وبيع بالمدينة، فاشتغل بالرق حتى كان أول مشاهده الخندق وشهد بقية المشاهد وفتوح العراق وولى المدائن.
وقال ابن عبد البر يقال: إنه شهد بدرًا وكان عالمًا زهدًا، روى عنه أنس وكعب بن عجرة وابن عباس وأبو سعيد وغيرهم من الصحابة، ومن التابعين: أبو عثمان النهدي وطارق ابن شهاب وسعيد بن وهب وآخرون بعدهم. كان اسمه ما به بكسر الموحدة ابن بود. قاله ابن منده بسنده وساق له نسبًا. وقيل اسمه بهبود.
قال الذهبي: وجدت الأقوال فس سنه كلها دالة على أنه جاوز المائتين وخمسين والاختلاف إنما هو في الزائد. قال: ثم رجعت عن ذلك وظهر لي أنه ما زاد على الثمانين.
قال أبو ربيعة الأيادي عن أبي بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الله يحب من أصحابي أربعة". فذكره فيهم. وقال سلمان بن المغيرة عن حميد بن هلال: آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أبي الدرداء وسلمان. ونحوه في البخاري من حديث أبي جحيفة في قصته. ووقع في هذه القصة: فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي الدرداء: "سلمان أفقه منك". مات سنة ست وثلاثين في قول أبي عبيد، أو سبع في قول خليفة. وروى عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس: دخل ابن مسعود على سلمان عند الموت. فهذا يدل على أنه مات قبل ابن مسعود، ومات ابن مسعود قبل سنة أربع وثلاثين، فكأنه مات سنة ثلاث أو سنة اثنتين. وكان سلمان إذا خرج عطاؤه تصدق به وينسج الخوص ويأكل من كسب يده. اهـ.
وقال الذهبي:
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: هو سلمان ابن الإسلام، أبو عبد الله الفارسي سابق الفرس إلى الإسلام، صحب النبي، صلى الله عليه وسلم وخدمه وحدث عنه.
وروى عنه ابن عباس، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل، وأبو عثمان النهدي، وشرحبيل ابن السمط، وأبو قرة سلمة بن معاوية الكندي، وعبد الرحمن بن يزيد النخعي، وأبو عمرو زادان، وأبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي، وقرثع الضبي الكوفيون.
له في مسند بقي ستون حديثًا، وأخرج له البخاري أربعة أحاديث، ومسلم ثلاث أحاديث.
وكان لبيبًا حازمًا، من عقلاء الرجال وعبادهم نبلائهم. اهـ.
ومما ورد فيه:
ما ذكره الذهبي أيضًا في السير (1): القاسم أبي عبد الرحمن قال: زارنا سلمان الفارسي فصلى الإمام الظهر، ثم خرج وخرج الناس، يتلقونه كما يتلقى الخليفة، فلقيناه وقد صلى بأصحابه العصر، وهو يمشي، فوقفنا نسلم عليه، فلم يبق فينا شريف إلا عرض عليه أن ينزل به، فقال: جعلت على نفسي مرتي هذه أن أنزل على بشر بن سعد. فلما قدم، سأل عن أبي الدرداء، فقالوا: هو مرابط. فقال: أين مرابطكم؟ قالوا: بيروت. فتوجه قبله، قال: فقال سلمان: يا أهل بيروت! ألا أحدثكم حديثًا يذهب الله به عنكم عرض الرباط، سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول:"رباط يومٍ وليلةٍ كصيام شهرٍ وقيامه، ومن مات مرابطًا أجير من فتنة القبر، وجرى له صالح عمله إلى يوم القيامة".
1991 -
* روى مسلم عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان وبلال وصهيب في نفرٍ فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريشٍ وسيدهم. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: "يا أبا بكر! لعلك
(1) السير (1/ 506) وإسناده حسن، ولكنه مرسل.
1991 -
مسلم (4/ 1947) 44 - كتاب فضائل الصحابة -42 - باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال.
أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك". فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا. يغفر الله لك يا أخي.
1992 -
* روى الطبراني عن أبي البختري قال: قيل لعلي: أخبرنا عن أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم. قال: عن أيهم تسألون؟ قيل: عن عبد الله. قال: علم القرآن والسنة، ثم انتهى وكفى به علمًا. قالوا: عمار؟ قال: مؤمن نسي فإن ذكرته ذكر. قالوا: أبو ذر؟ قال: وعى علمًا عجز عنه. قالوا: أبو موسى؟ قال: صبغ في العلم صبغة، ثم خرج منه. قالوا: حذيفة؟ قال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين. قالواو: سلمان؟ قال: أدرك العلم الأول، والعلم الآخر بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت. قالوا: فأنت يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت.
وذكر الذهبي في السير (1) عن أبي هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، تلا هذه الآية:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} (2). قال: يا رسول الله! من هؤلاء؟ قال: فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال: "هذا وقومه، لو كنا للدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس".
1993 -
* روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، قال: كنا جلوسًا، عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فأنزلت عليه سورة الجمعة {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}. قال: قلت من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثًا -وفينا سلمان الفارسي. وضع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يده على سلمان- ثم قال:"لو كان الإيمان عند الثريا، لناله رجال من هؤلاء".
1994 -
* روى الترمذي والحاكم عن يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذًا الموت قلنا:
1992 - المعجم الكبير (6/ 213). ورجاله ثقات.
(1)
السير (1/ 542) وقال الذهبي: إسناده وسط.
(2)
الفتح: 38.
1993 -
البخاري (8/ 641) 65 - كتاب التفسير -62 - سورة الجمعة.
ومسلم (4/ 1973) 44 - كتاب فضائل الصحابة -59 - باب فضل فارس.
1994 -
الترمذي (5/ 671) 50 - كتاب المناقب -37 - باب مناقب عبد الله بن سلام.
وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
أوصنا، قال: أجلسوني. ثم قال: إن الإيمان والعلم مكانهما، من ابتغاهما وجدهما. قالها ثلاثًا. فالتسموا العلم عند أربعة: أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام الذي كان يهوديًا فأسلم. فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول:"إنه عاشر عشرة في الجنة".
ذكر الذهبي في السير (1) عن عبيدة السلماني أن سلمان مر بحجر المدائن غازيًا وهو أمير الجيش وهو ردف رجل من كندة على بغلٍ موكوف، فقال أصحابه: أعطنا اللواء أيها الأمير نحمله، فيأبى حتى قضى غزاته ورجع وهو ردف الرجل.
1995 -
* روى مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان: أن هلم إلى الأرض المقدسة. فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحدًا، وإنما يقدس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبًا، فإن كنت تبرئ، فنعما لك، وإن كنت متطببًا فاحذر أن تقتل إنسانًا، فتدخل النار. فكان أبو الدارداء إذا قضى بين اثنين، ثم أدبرا عنه، نظر إليهما، وقال: ارجعا إلي أعيدا علي قصتكما، متطبب والله.
1996 -
* روى الطبراني عن أبي البختري قال: جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله، فدخلا على سلمان في خص، فسلما وحيياه، ثم قالا: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أدري. فارتابا. قال: إنما صاحب من دخل معه الجنة. قالا: جئنا من عند أبي الدارداء. قال: فأين هديته؟ قالا: ما معنا هدية. قال: اتقيا الله، وأديا الأمانة، ما أتاني أحد من عندي إلا بهدية. قالا: لا ترفع علينا هذا، إن لنا أموالاً فاحتكم. قال: ما أريد إلا الهدية. قالا: والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال: إن فيكم رجلاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا به، لم يبغ غيره، فإذا أتيتماه، فأقرناه مني السلام. قال: فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه؟ وأي هديةٍ أفضل منها.
= والمستدرك (3/ 416). وصححه ووافقه الذهبي.
(1)
السير (1/ 545) ورجاله ثقات.
1995 -
الموطأ (2/ 769) 37 - كتاب الوصية -8 - باب جامع القضاء وكراهيته.
1996 -
المعجم الكبير (6/ 219)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 41): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. غير يحيى بن إبراهيم المسعودي وهو ثقة.
1997 -
* روى الطبراني عن أبي وائل قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلف، لتكلفت لكم. فجاءنا بخبز وملح. فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر. فبعث سلمان بمطهرته، فرهنها فجاء بصعتر، فلما أكلنا، قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا. فقال سلمان: لو قنعت لم تكن مطهرتي مرهونة.
1998 -
* روى ابن ماجة والطبراني عن أنس قال: دخل سعد وابن مسعد على سلمان عند الموت، فبكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحفظه. قال: "ليكن بلاغ أحدكم في الدنيا كزاد الراكب". وأما أنت يا سعد فاتق الله في حكمك إذا حكمت، وفي قسمك إذا قسمت، عند همك إذا هممت.
قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهمًا نقيقة كانت عنه.
قال الذهبي في السير: روى جعفر بن سليمان البناني وذلك في (العلل) لابن أبي حاتم، قال: لما مرض سلمان، خرج سعد من الكوفة يعوده، فقدم، فوافقه وهو في الموت يبكي، فسلم وجلس، وقال: ما يبكيك يا أخى؟ ألا تذكر صحبة رسول الله؟ ألا تذكر المشاهد الصالحة؟
قال: والله ما يبكيني واحدة من ثنتين: ما أكبي حبًا بالدنيا ولا كراهية للقاء الله. قال سعد: فما يبكيك بعد ثمانين؟ قال: يبكيني أن خليلي عهد إلي عهدًا، قال:"ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب". وإنا قد خشينا أنا قد تعدينا.
1999 -
* روى البخاري عن ابن عثمان النهدي رضي الله عنه قال: سمعت سلمان
1997 - المعجم الكبير (9/ 235)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 179): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن منصور الطوسي وهو ثقة.
1998 -
ابن ماجة (2/ 1374). 37 - كتاب الزهد -1 - الزهد في الدنيا.
والمعجم الكبير (6/ 227) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 254): رجاله رجال الصحيح غير الحسن بن يحيى بن الجعد وهو ثقة.
السير (1/ 556) وتخريجه كتخريج الحديث الذي قبله.
1999 -
البخاري (7/ 277) 63 - كتاب مناقب الأنصار -53 - باب إسلام سلمان الفارسي.
يقول: أنا من رامهزمز.
2000 -
* روى البخاري عن أبي عثمان النهدي رضي الله عنه: عن سلمان الفارسي أنه تداوله بضعة عشر، من رب إلى رب.
2001 -
* روى أحمد وابن سعد والطبراني عن ابن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلاً فارسيًا من أهل أصبهان، من أهل قرية منها يقال لها جي، وكان أبي دهقانها، فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة. وكانت لأبي ضيعة عظيمة، فشغل في بنيان له يومًا، فقال لي: يا بني! إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها. وأمرني ببعض ما يريد، فخرجت، ثم قال: لا تحتبس علي، فإنك إن احتبست علي كنت أهم إلي من ضيعتي، وشغلتني عن كل شيء من أمري، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس بحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم، وسمعت أصواتهم، دخلت إليهم انظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلواتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه. فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال: أي بني! أين كنت؟ ألم أكن عهد إليك ما عهدت؟ قلت: يا أبة! مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس. قال: أي بني! ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قلت: كلا والله!
2000 - البخاري في نفس الموضع السابق.
2001 -
أحمد في مسنده (5/ 441 - 444).
والطبقات الكبرى (4/ 75 - 80).
والمعجم الكبير (6/ 222)، وذكر الذهبي في السير (1/ 506). وقال محققه: رجاله ثقات. وإسناده قوي فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد وابن هشام وابن سعد، وأخرجه أحمد، وابن سعد والجزري في "أسد الغابة" وابن هشام والطبراني في "الكبير" والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد".
وقال الذهبي في السير بعد أن ساق رواية أوفى من هذه: هذا حديث جيد حكم الحاكم بصحته.
إنه لخير من ديننا. قال: فخافني، فجعل في رجلي قيداً، ثم حبسني في بيته. قال: وبعثت إلى النصارى فقلت: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى، فأخبروني بهم. فقدم عليهم ركب من الشام. قال: فأخبروني بهم، فقلت: إذا قضوا حوائجهم، وأرادوا الرجعة، فأخبروني. قال: ففعلوا. فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة. فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك. قال: فادخل، فدخلت معه، فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها شيئاً، اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، فأبعضته بغضاً شديداً لما رأيته يصنع.
ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا رجل سوء، يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتم بها، كنزها لنفسه، ولم يعط المساكين، وأريتهم موضع كنزه سبع قلال مملوءة، فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبداً. فصلبوه ثم رموه بالحجارة. ثم جاؤوا برجل جعلوه مكانه، فما رأيت رجلاً -يعني لا يصلي الخمس -أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلاً ونهاراً، ما أعلمني أحببت شيئاً قط قبله حبه، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة، فقلت: يا فلان! قد حضرك ما ترى من أمر الله، وإني والله ما أحببت شيئاً قط حبك، فماذا تأمرني وإلى من توصيني؟
قال لي: يا بني والله ما أعلمه إلا بالموصل، فائته، فإنك ستجده على مثل حالي.
فلما مات وغَيْبَ، لحقت بالموصل، فأتيت صاحبها، فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهد. فقلت له: إن فلانًا أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك.
قال: فأقم أي بني. فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة. فقلت له: إن فلانا أوصي بي إليك وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلي من توصي بي؟ وما تأمرني به؟ قال: والله أعلم، أي بني، إلا رجلاً بنصيبين. فلما دفناه، لحقت بالآخر، فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضره الموت، فأوصى بي إلى رجل من أهل عمورية بالروم، فأتيته فوجدته على مثل حالهم، واكتسبت حتى كان لي غنيمة وبُقيرات.
ثم اختصر فكلمته إلى من يوصي بي؟ قال: أي بني! والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفي، بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل، فإنه قد أظلك زمانه.
فلما واريناه، أقمت حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم غنيمتي وبقراتي هذه؟ قالوا: نعم. فأعطيتهم إياها وحملوني، حتى إذا جاؤوا بي وادي القرى، ظلموني، فباعوني عبداً من رجل يهودي بوادي القرى. فوالله لقد رأيت النخل، وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي.
وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة وادي القرى، فابتاعني من صاحبي، فخرج بي حتى قدمنا المدينة. فوالله ما هو إلا أن رأيتها، فعرفت نعتها.
فأقمت في رقي، وبعث الله نبيه، صلى الله عليه وسلم، بمكة لا يذكر لي شيء من أمره مع ما أنا فيه من الرق، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له، فوالله إني لفيها إذ جاءه ابن عم له، فقال: يا فلان! قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي.
فوالله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني العرواء -يقول الرعدة -حتى ظننت لأسقطن على صاحبي. ونزلت أقول: ما هذا الخبر؟.
فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة، وقال: مالك ولهذا، أقبل على عملك. فقلت: لا شيء، إنما سمعت خبراً، فأحببت أن أعلمه.
فلما أمسيت، وكان عندي شيء من طعام، فحملته وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء، فقلت له: بلغني أنك رجل صالح، وأن معك أصحاباً لك غرباء، وقد كان عندي شيء من الصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد، فهاك هذا، فكل منه.
قال: فأمسك، وقال لأصحابه:"كلوا". فقلت في نفسي: هذه خلة مما وصف لي صاحبي.
ثم رجعت، وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجمعت شيئاً كان عندي ثم جئته به فقلت: إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية. فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أصحابه، فقلت: هذه خلتان.
ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي وهو في أصحابه، فاستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف.
فلما رآني استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكي.
فقال لي: "تحول". فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه.
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كاتب يا سلمان". فكاتبت صاحبي على ثلاث مئة نخلة.
أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أعينوا أخاكم". فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية (1)، والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، حتى اجتمعت ثلاث مئة ودية، فقال:"اذهب يا سلمان ففقر لها، فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي". ففقرت لها وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت منها، جئته وأخبرته، فخرج معي إليها نقرب له الودي، ويضعه بيده. فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل، وبقي علي المال. فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة دجاجة من ذهب من بعض المغازي. فقال:"ما فعل الفارسي المكاتب؟ " فدعيت له، فقال:"خذها فأد بها ما عليك". قلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال: "خذها فإن الله سيؤدي بها عنك". فأخذتها فوزنت لهم أربعين أوقية، وأوفيتهم حقهم وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق حراً، ثم لم يفتني معه مشهد.
* * *