الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
88 - هند بنت عتبة رضي الله عنها
قال ابن حجر في الإصابة:
هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية العبشمية والدة معاوية ابن أبي سفيان. أخبارها قبل الإسلام مشهورة، وشهدت أحداً، وفعلت ما فعلت بحمزة ثم كانت تؤلب على المسلمين، إلى أن جاء الله بالفتح فأسلم زوجها ثم أسلمت هي يوم الفتح، وقصتها في قولها عند بيعة النساء وأن لا يسرقن ولا يزنين فقالت وهل تزني الحرة، وعند قوله {وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} وقد ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً مشهورة، ومن طرقه ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح مرسل عن الشعبي وعن ميمون بن مهران، ففي رواية الشعبي: ولا يزنين، قالت هند: وهل تزني الحرة ولا تقتلن أولادكن قالت: أنت قتلتهم، وفي رواية نحوه لكن قالت: وهل تركت لنا ولداً يوم بدر وسؤالها عن أخذها من مال زوجها بغير إذنه ما يكفيها وهل عليها فيه من حرج مخرج في الصحيحين، وفيه خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك، وهو من رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وشذ عبد الله بن محمد بن عروة فقال عن هشام عن أبيه عن هند، أخرجه ابن منده وأوله قالت هند: إني أريد أن أبايع محمداً، قال قد رأيتك تكفرين، قالت: أي والله والله ما رأيت الله تعالى عبد حق عبادته في هذا المسجد قبل الليل والله إن باتوا إلا مصلين قياماً وركوعاً وسجوداً قال: فإنك قد فعلت ما فعلت فاذهبي برجل من قومك معك فذهبت إلى عمر، فذهب معها فاستأذن لها فدخلت وهي متنقبة، فذكر قصة البيعة وفيه ما قدمته، وفيه فقالت: إن أبا سفيان رجل بخيل ولا يعطيني ما يكفيني إلا ما أخذت منه من غير علمه
…
الحديث، وفيه عن مرسل الشعبي المذكور قالت هند: قد كنت أفنيت من مال أبي سفيان، فقال أبو سفيان: ما أخذت من مالي فهو حلال، وقال ابن سعد: قال الواقدي: لما أسلمت هند جعلت تضرب صنماً لها في بيتها بالقدوم حتى فلذته فلذة فلذة، وتقول: كنا معك في غرور. قال أبو عمر: ماتت في خلافة عمر بعد أبي بكر بقليل في اليوم الذي مات فيه أبو قحافة كذا قال، وقد ذكر صاحب الأمثال ما يدل على أنها بقتي إلى خلافة عثمان بل بعد ذلك لأن أبا سفيان مات في خلافة عثمان بلا خلاف، وقال هذا
قال رجل لمعاوية زوجني هنداً إنها قعدت عن الولد ولا حاجة إلى الزواج قال فولني ناحية كذا فأنشد معاوية:
طلب الأبيض العقوق فلما
…
أعجزته أراد بيض الأنوقِ (1)
يعني أنه طلب مالاً يصل إليه فلما عجز عنه طلب أبعد منه. ثم رأيت في طبقات ابن سعد الجزم بأنها ماتت في خلافة عثمان أ. هـ. عن الإصابة.
2256 -
* روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت هندُ بنت عتبة، فقالت: والله يا رسول الله، ما كان على ظهر الأرض من أهلِ خباءٍ أحبُّ إليَّ من أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهلُ خباءٍ أحبَ إليَّ من أن يعزوا من أهل خبائك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وأيضاً، والذي نفسي بيده" ثم قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ مسيك، فهل عليَّ حرج أن أُطعِم من الذي له عيالنا؟ قال:"لا حرج عليك أن تنفقي عليهم".
أقول:
ترجمنا لهند بنت عتبة كنموذج على امرأة ذات شخصية قوية هائلة فعلت الأفاعيل ضد الإسلام والمسلمين، وحرضت بأقصى ما تستطيع على حرب الإسلام والمسلمين، وكان في قلبها إحن ولها ثارات، ومع ذلك كله فقد أسلمت وقُبِلَ إسلامها. فهذا درس للدعاة إلى الله ألا ييئسوا من إنسان ما دام على قيد الحياة. وعليهم أن يعرفوا أنهم بقدر ما يحققون للإسلام من انتصارات تتغير القلوب وتتبدل المواقف.
وإن إسلامها ليدل على أكثر من دلالة، منها: أن أعظم الشخصيات تذوب في النهاية
(1) الأنوق: جمع ناقة.
2256 -
البخاري (7/ 141) 63 - كتاب مناقب الأنصار -33 - باب ذكر هند بنت عتبة.
مسلم (4/ 1909) 30 - كتاب الإقضية -4 - باب قضية هند.
مَسيك: رجل ميسك: بوزن شريف، إذا كان بخيلاً شديداً يمسك مآله، ومِسّيك، بالكسر والتشديد: المبالغ في البخل.
أمام قوة شخصية رسول الله وتستلم له. وأن هذا الإسلام من العظمة بحيث يصهر أقوى الشخصيات فيه، وهذا درس آخر يأخذه الدعاة.
أن الإسلام كما أنه يحمل في أحقيته قوة انتصاره فإنه يحتاج إلى شخصيات ذات كفاءة عالية تستطيع أن تكسب ثقة الآخرين فيسلموا للقيادة وللإسلام.
ثم إن هناك درساً آخر للدعاة وهي أن استجابة الناس للإسلام أقوى عندهم من الثأر والغضب للذات والقبيلة، فهذه هند التي بقرت بطن حمزة ولاكَت كبده قبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحالات النادرة التي أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها دم بعض الناس كانت لأن هؤلاء ارتكبوا جرائم في حق الدعوة تقتضي العقاب.
ومع ذلك فإن من أسلم منهم قد عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَبِلَ إسلامهم.
* * *