المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌13 - سعد بن معاذ رضي الله عنه - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ٤

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌قصة استخلافه:

- ‌ذكر زوجاته وبنيه وبناته رضي الله عنهم:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ست وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة سبع وعشرين:

- ‌غزوة الأندلس:

- ‌وقعة جرير والبربر مع المسلمين:

- ‌فتح قبرص:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ثلاثين من الهجرة النبوية:

- ‌ثم خلت سنة إحدى وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة أربع وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان:

- ‌ذكر مجيء الأحزاب إلى عثمان للمرة الثانية في مصر:

- ‌ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان:

- ‌تعليقات

- ‌شرح مختصر لأسباب الفتنة في اجتهادي:

- ‌1 - ظهور الورع الجاهل:

- ‌2 - تآمر الحاقدين:

- ‌3 - طموح الطامحين:

- ‌4 - العفوية:

- ‌5 - عدم مراعاة الرأي العام السائد:

- ‌على بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وثلاثين:

- ‌ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:

- ‌صفة مقتله رضي الله عنه:

- ‌تعليقات

- ‌عبد الله بن الزبير رضي الله عنه

- ‌تعليقات

- ‌الوصل الثالثفينماذج من أصحابه

- ‌تمهيد

- ‌1 - أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌2 - طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

- ‌3 - الزبير بن العوام رضي الله عنه

- ‌4 - عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه

- ‌5 - سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌6 - سعيد بن زيد رضي الله عنه

- ‌7 - زيد بن حارثة حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه رضي الله عنه

- ‌8 - أسامة بن زيد الحِبُّ بن الحِبُّ رضي الله عنه

- ‌9 - عمار بن ياسر رضي الله عنه

- ‌10 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

- ‌11 - أبو ذر الغفاري رضي الله عنه

- ‌12 - حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما

- ‌13 - سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌14 - عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

- ‌15 - بلال بن رباح رضي الله عنه

- ‌16 - أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌17 - أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه

- ‌18 - المقداد بن عمرو (المشهور بابن الأسود) رضي الله عنه

- ‌19 - أبو قتادة الأنصاري السلمي رضي الله عنه

- ‌20 - سلمان الفارسي رضي الله عنه

- ‌21 - عبد الله بن قيس (المشهور بأبي موسى الأشعري) رضي الله عنه

- ‌22 - عبد الله بن سلام رضي الله عنه

- ‌23 - جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

- ‌24 - 25 - جابر بن عبد الله وأبوه عبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌26 - البراء بن مالك رضي الله عنه

- ‌27 - أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌28 - ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلموخطيب الأنصار

- ‌29 - أبو هريرة رضي الله عنه

- ‌30 - حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌31 - جليبيب رضي الله عنه

- ‌32 - حارثة بن سراقة رضي الله عنه

- ‌33 - قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما

- ‌34 - خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌35 - عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌36 - أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌37 - معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما

- ‌38 - عباد بن بشر رضي الله عنه

- ‌39 - ضماد رضي الله عنه

- ‌40 - عدي بن حاتم رضي الله عنه

- ‌41 - ثمامة بن أثال رضي الله عنه

- ‌42 - عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه

- ‌43 - خباب بن الأرتِّ رضي الله عنه

- ‌44 - سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما

- ‌45 - عامر بن ربيعة رضي الله عنه

- ‌46 - عبد الله بن جحش رضي الله عنه

- ‌47 - صهيب بن سنان رضي الله عنه

- ‌48 - عثمان بن مظعون رضي الله عنه

- ‌49 - معاذ بن جبل رضي الله عنه

- ‌50 - عمرو بن الجموح رضي الله عنه

- ‌51 - حارثة بن النعمان رضي الله عنه

- ‌52 - عبد الله بن رواحة رضي الله عنه

- ‌53 - عبد الله بن عبد الله بن أبي رضي الله عنه

- ‌54 - قتادة بن النعمان رضي الله عنه

- ‌55 - عبادة بن الصامت رضي الله عنه

- ‌56 - خزيمة بن ثابت رضي الله عنه

- ‌57 - خالد بن زيد المشهور بأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه

- ‌58 - زيد بن ثابت رضي الله عنه

- ‌59 - سلمة بن الأكوع رضي الله عنه

- ‌60 - أبو الدرداء رضي الله عنه

- ‌61 - عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه

- ‌62 - عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه

- ‌63 - أبو زيد عمر بن أخطب رضي الله عنه

- ‌64 - أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه

- ‌65 - عبد الله بن بسر رضي الله عنه

- ‌66 - السائب بن يزيد رضي الله عنه

- ‌67 - ورقة بن نوفل رضي الله عنه

- ‌68 - حكيم بن حزام رضي الله عنه

- ‌69 - قيس بن عاصم المنقري رضي الله عنه

- ‌70 - عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه

- ‌71 - عبد الله بن حذافة السهمي

- ‌72 - عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌73 - محمد بن مسلمة رضي الله عنه

- ‌74 - حسان بن ثابت

- ‌75 - حجر بن عدي رضي الله عنه

- ‌76 - عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌77 - سهيل بن عمرو رضي الله عنه

- ‌78 - أبو سعيدٍ الخدري رضي الله عنه

- ‌79 - المغيرة بن شعبة رضي الله عنه

- ‌80 - النجاشي رضي الله عنه

- ‌81 - أسيد بن حضير رضي الله عنه

- ‌82 - عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه

- ‌83 - أسعد بن زرارة رضي الله عنه

- ‌84 - أبو دجانة سماك بن خرشة الخزرجي رضي الله عنه

- ‌85 - أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما

- ‌86 - أم حرامٍ رضي الله عنها

- ‌87 - أمُّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها

- ‌88 - هند بنت عتبة رضي الله عنها

- ‌89 - نسيبةُ بنتُ كعب رضي الله عنها

- ‌90 - أم أيمن بركة بنت ثعلبة رضي الله عنها

- ‌91 - أم عطية الأنصارية رضي الله عنها

- ‌92 - أم سَلِيط رضي الله عنها

- ‌93 - بريرة مولاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌94 - الربيع بنت معوذ رضي الله عنها

- ‌95 - أسماء بنت عُميْس رضي الله عنها

- ‌تعليقات على هذا الباب

- ‌خاتمة القسم الأول

الفصل: ‌13 - سعد بن معاذ رضي الله عنه

‌13 - سعد بن معاذ رضي الله عنه

هو في الأنصار كأبي بكر في المهاجرين.

قال ابن حجر في الإصابة: سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت بن مالك بن الأوس الأنصاري الأشهلي سيد الأوس. وأمه كبشة بنت رافع لها صحبة. ويكنى أبا عمرو .. شهد بدراً باتفاق، ورمي بسهم يوم الخندق، فعاش بعد ذلك شهراً حتى حكم في بني قريظة، وأجيبت دعوته في ذلك، ثم انتقض جرحه فمات أخرج ذلك البخاري وذلك سنة خمس، وقال المنافقون لما خرجت جنازته: ما أخفها. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الملائكة حملته» . في الصحيحين وغيرهما من طرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اهتز العرش لموت سعد بن معاذ» . وروى يحيي بن عباد بين عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: كان في بني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن أحد أفضل منهم: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر. وذكر ابن إسحاق أنه لما أسلم علي يد مصعب بن عمير قال لبني عبد الأشهل: كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تسلموا. فأسلموا، فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام. وروى ابن إسحاق في قصة الخندق عن عائشة قالت: كنت في حصن بني حارثة وأم سعد بن معاذ معي فمر سعد بن معاذ وهو يقول:

لبث قليلاً يلحق الهيجاجل

ما أحسن الموت إذا حان الأجل

فقالت له أمه: الحق يا بني فقد تأخرت. فقلت: يا أم سعد لوددت أن ردع سعد أسبغ مما هي. قال: فأصابه السهم حيث خافت عليه. وقال الذي رماه: خذها وأنا ابن العرقة. فقال: عرق الله وجهك في النار. اهـ.

وقال ابن كثير: كان قدوم الأحزاب في شوال سنة خمس كما تقدم، فأقاموا قريباً من شهر ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحصار بني قريظة فأقام عليهم خمساً وعشرين ليلة، ثم نزلوا على حكم فمات بعد حكمه عليهم بقليل، فيكون ذلك في أواخر ذي القعدة أو أوائل ذي الحجة من سنة خمس ولله أعلم. اهـ.

ص: 1812

وقال الذهبي: قيل كان سعد بن معاذ وأسعد بن زرارة ابني خالة. وقال ابن إسحاق: أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سعد بن معاذ وأبي عبيدة بن الجراح، وقيل آخي بينه وبين سعد ابن أبي وقاص. اهـ.

قال الذهبي في السير: نقل ابن الكلبي أن قريشاً سمعت هاتفاً على أبي قبيس يقول:

فإن يسلم السعدان يصبح محمد

بمكة لا يخسى خلاف المخالف

فقال أبو سفيان: من السعدان؟ سعد بكر، سعد تميم؟ فسمعوا في الليل الهاتف يقول:

أيا سعد الأوس كن أنت ناصراً

ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف

أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا

على الله في الفردوس منية عارف

فإن ثواب الله للطالب الهدى

جنان من الفردوس ذات رفارف

فقال أبو سفيان: هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.

أسلم سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير. فقال ابن إسحاق: لما أسلم وقف على قومه، فقال: يا بني عبد الأشهل! كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا فضلاً، وأيمننا نقيبةً. قال: فإن كلامكم علي حرام، رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله. قال: فوالله ما بقي في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا.

أبو إسحاق: عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود قال: انطلق سعد بن معاذ معتمراً، فنزل على أمية بن خلف وكان أمية إذا انطلق إلى الشام يمر بالمدينة، فينزل عليه، فقال أمية له: انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس طفت. فبينا سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل، فقال: من الذي يطوف آمنا؟ قال: أنا سعد. فقال: أتطوف آمناً وقد أويتم محمداً وأصحابه؟ قال: نعم. فتلاحيا. فقال أمية: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنه سيد أهل الوادي. فقال سعد: والله لو منعتني، لقطعت عليك متجرك بالشام. قال: فجعل أمية يقول: لا ترفع صوتك. فغضب وقال: دعنا منك، فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: يزعم أنه قاتلك. قال: إياي؟ قال: نعم. قال: والله ما يكذب محمد فكاد

ص: 1813

يحدث (1)، فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي؟ زعم أنه سمع محمداً يزعم أنه قاتلي. قالت: والله ما يكذب محمد. فلما خرجوا لبدر قالت امرأته: ما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟ فأراد أن لا يخرج. فقال له أبو جهل: إنك من أشراف أهل الوادي، فسر معنا يوماً أو يومين. فسار معهم، فقتله الله.

قال ابن شهاب: وشهد بدراً سعد بن معاذ، ورمي يوم الخندق، فعاش شهراً، ثم انتقض جرحه فمات.

ابن إسحاق: حدثني أبو ليلى عبد الله بن سهل أن عائشة كانت في حصن بن حارثة يوم الخندق وأم سعد معها، فعبر سعد عليه درع مقلصه قد خرجت منه ذراعة كلها وفي يده حربة يرفل بها [يمشي بقوة وجد] ويقول:

لبث قليلاً يشهد الهيجا جمل

لا بأس بالموت إذا حان الأجل

يعني: حمل بن بدر. فقالت له أمه: أي بني! قد أخرت. فقلت لها: يا أم سعد، لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي. فرمي سعد بسهم قطع منه الأكحل، رماه ابن العرقة، فلما أصابه قال: خذها مني وأنا ابن العرقة. فقال: عرق الله وجهك في النار. اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً، فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه. اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة (2). أ. هـ.

1920 -

* روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: أصيب سعد يوم

(1) كاد يحدث: من الحدث. وهو خروج خارج من أحد السبيلين، والضمير لأمية. أي أنه كاد أن يخرج من شيء لشدة فزعه. وهذه رواية البيهقي. أما رواية البخاري:«والله ما يكذب محمد إذا حدث» . من التحديث. وعد الحافظ رواية البيهقي تصحيفاً.

(2)

قال محقق السير: رجاله ثقات، وهو في سيرة ابن هشام (2/ 226). وأخرجه أحمد (6/ 141).

1920 -

البخاري (7/ 411) 64 - كتاب المغازي - 30 - باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة. ومسلم (2/ 1389) 32 - كتاب الجهاد والسير - 22 - باب جواز قتال من نقض العهد.=

ص: 1814

الخندق، رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة، رماه في الأكحل، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار فقال: قد وضعت السلاح، والله ما وضعته، اخرج إليهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فأين؟» فأشار إلى بني قريظة. فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكمه، فرد الحكم إلى سعد. قال: فإني أحكم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى النساء والذرية، وأن تقسم أموالهم. قال هشام: فأخبرني أبي عن عائشة أن سعداً قال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قومٍ كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتي فيها. فانفجرت من لبته، فلم يرعهم - وفي المسجد خيمة من بني غفار - إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دماً. فمات منها رضي الله عنه.

1912 -

* روى أحمد عن عائشة فقالت: حضر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر، سعد بن معاذ، وهو يموت في القبة التي ضربها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد قالت: والذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر، وإني لفي حجرتي، فكانا كما قال الله {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (1). قال علقمة فقلت: أي أمه! كيف كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يصنع؟ قالت: كان لا تدمع عينه على أحد، ولكنه كان إذا وجد، فإنما هو آخذ بلحيته.

1922 -

* روى ابن سعد عن محمود بن لبيد قال: لما أصيب أكحل سعد، فثقل؛

= الأكحل: عرق في وسط الذراع.

اللبة: النحر.

يغدو: يسيل.

1921 -

أحمد في مسنده (6/ 141). وإسناده حسن.

(1)

الفتح: 29.

1922 -

الطبقات الكبرى (3/ 427). وإسناده حسن.

ص: 1815

حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة تداوي الجرحى. فكان، صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول:«كيف أمسيت، وكيف أصبحت؟» فيخبره حتى كانت الليلة التي نقله قومه فيها وثقل، فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم، وجاء رسول الله، فقيل: انطلقوا به. فخرج وخرجنا معه، وأسرع حتى تقطعت شسوع نعالنا، وسقطعت أرديتنا، فشكا ذلك إليه أصحابه، فقال:«إني أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غلست حنظلة» . فانتهى إلى البيت، وهو يغسل، وأمه تبكيه وتقول:

ويل أن سعدٍ سعدا

حزامةً وجداً

فقال: «كل باكية تكذب إلا أم سعد» . ثم خرج به. قال: يقول له القوم: ما حملنا يا رسول الله ميتاً أخف علينا منه. قال: «ما يمنعه أن يخف وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم يهبطوا قط قبل يومهم، قد حملوه معكم» .

1923 -

* روى ابن سعد عن شعبة: عن سماك، سمع عبد الله بن شداد يقول: دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على سعد وهو يكيد بنفسه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم، «جزاك الله خيراً من سيد قومٍ، فقد أنجزت ما وعدته. ولينجزنك الله ما وعدك» ؟

1924 -

* روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فأتاه على حمار، فلما دنا قريباً من المسجد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار «قوموا إلى سيدكم» ، أو:«خيركم» . ثم قال: «إن هؤلاء نزلوا على حكمك» . قال: تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذريتهم. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قضيت بحكم الله» .

1925 -

* روى ابن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه قال: لما حكم سعد في بني قريظة

1923 - الطبقات الكبرى (3/ 427). وإسناده حسن.

يكيد بنفسه: يجوز بها وهو يتوفى.

1924 -

البخاري (7/ 411) 64 - كتاب المغازي - 30 - باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة. ومسلم (3/ 1388) 32 - كتاب الجهاد - 22 - باب جواز قتال من نقض العهد.

1925 -

الطبقات الكبرى (3/ 426). وإسناده حسن.=

ص: 1816

أن يقتل من جرت عليه المواسي قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:«لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات» .

1926 -

* روى ابن سعد عن محمد بن شرحبيل بن حسنة قال: أخذ إنسان قبضة من تراب قبر سعد، فذهب بها، ثم نظر فإذا هي مسك. ورواها محمد بن عمرو بن علقمة، عن ابن المنكدر.

ذكر الذهبي في السير (2) عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده، عن عائشة قالت: ما كان أحد أشد فقداً على المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أو أحدهما من سعد بن معاذ.

1927 -

* روى الحاكم عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: لما توفي سعد بن معاذ صاحت أمه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «ليرقأ دمعك ويذهب حزنك فإن ابنك أول من ضحك الله إليه واهتز له العرش» .

1928 -

* روى أحمد والحاكم والطبراني عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: لما أخرج بجنازة سعد بن معاذ صاحت أمه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليرقأ دمعك ويذهب حزنك» . والباقي بنحوه.

= المواسي: جمع موسى وهي الآلة التي يحلق بها. والمراد هنا من بلغ الحلم وطالت سعرته، وصار بحلقها. يفسر ذلك حديث عطية القرظي قال: عرضنا على النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله، فكنت ممن لم ينبت فخلي سبيله. أخرجه أبو داود، والترمذي وسنده حسن.

1926 -

الطبقات الكبرى (3/ 431). وإسناده حسن.

(2)

السير (1/ 295) وقال محققه: إسناده حسن.

1927 -

المستدرك (3/ 206). وصححه ووافقه الذهبي.

1928 -

أحمد في مسنده (6/ 456).

والمستدرك (3/ 306). وصححه ووافقه الذهبي.

والمعجم الكبير (6/ 13)، (24/ 47). وقال الهيثمي في مجمع الزوائج (9/ 309): رواه الطبراني ورجاله رجال صحيح.

ليرقأ: لينقطع.

ص: 1817

1929 -

* روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما حملت جنازة سعد ابن معاذ قال المنافقون: ما أخف ما كانت جنازته - يعني لحكمه في بني قريظة - فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«إن الملائكة كانت تحمله» .

1930 -

* روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اهتز العرش لموت سعد بن معاذ» .

فقال رجل لجابر: إن البراء يقول: اهتز السرير؟ فقال: إنه كان بين هذين الحيين ضغائن، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ» .

وفي رواية لمسلم (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنازة سعد بن معاذ بين أيديهم-: «اهتز لها عرش الرحمن عز وجل» .

1931 -

* روى ابن سعد عن مجاهد، عن ابن عمر قال: اهتز العرش لحب لقاء الله سعداً. قال: إنما يعني السرير. وقرأ {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} (2) قال: إنما تفسحت أعواده. قال: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره، فاحتبس، فلما خرج، قيل يا رسول الله! ما حبستك؟ قال:«ضم سعد في القبر ضمة، فدعوت الله أن يكشف عنه» .

قال الذهبي: تفسيره بالسرير ما أدري أهو من قول ابن عمر، أو من قول مجاهد. وهذا تأويل لا يفيد، فقد جاءنا ثابتاً عرش الرحمن وعرش الله، والعرش خلق لله مسخر إذا شاء أن يهتز اهتز بمشيئة الله، وجعل فيه شعوراً لحب سعد، كما جعل تعالى شعورا في جبل أحد

1929 - الترمذي (5/ 690) 50 - كتاب المناقب - 51 - باب مناقب سعد بن معاذ.

وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

1930 -

البخاري (7/ 123) 63 - كتاب مناقب الأنصار - 12 - باب مناقب سعد بن معاذ.

اهتزاز العرش: كناية عن ارتياحه بروحه حين صعد بها لكرامته على ربه، وكل من خف لأمر وارتاح له، فقد اهتز له. والمعنى: فرح أهل العرش بقدومه على الله لما رأوا من منزلته وكرامته وفضله.

ضغائن: الضغائن: الأحقاد والعداوات، واحدتها: ضغينة.

(1)

مسلم في نفس الموضع السابق.

1931 -

الطبقات الكبرى (3/ 433)

(2)

يوسف: 100.

ص: 1818

بحبه النبي صلى الله عليه وسلم. وقال تعالى: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} (1). وقال: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ} (2) ثم عمم فقال: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (2). وهذا حق. وفي صحيح البخاري قول ابن مسعود: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. وهذا باب واسع سبيله الإيمان. اهـ.

1932 -

* روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس - وكان ينهي عن الحرير - فعجب الناس منها، فقال:«والذي نفس محمد بيده، إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا» .

وفي رواية الترمذي والنسائي (4) عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: قدم أنس ابن مالك فأتيته، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: فبكى، وقال: إنك لشبيه بسعد، وإن سعداً كان من أعظم الناس وأطولهم، وإنه بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة من ديباج، منسوج فيها الذهب، فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعد المنبر، فقام - أو قعد - فجعل الناس يلمسونها، فقالوا: ما رأينا كاليوم ثوبا قط. فقال: «أتعجبون من هذا؟ لمناديل سعد في الجنة خير مما ترون» (3).

1933 -

* روى البزار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد نزل لسعد بن معاذ رضي الله عنه سبعون ألف ملك ما وطئوا الأرض قبلها» .

وقال حين دفن: «سبحان الله لو انفلت أحد من ضغطة القبر لانفلت منها سعد» .

(1) سبأ: 10.

(2)

الإسراء: 44.

1932 -

البخاري (6/ 319) 59 - كتاب بدء الخلق - 8 - باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة.

ومسلم (4/ 1916) 44 - كتاب فضائل الصحابة - 24 - باب من فضائل سعد بن معاذ.

السندسي: الحرير وما رق من الإبرسيم.

(4)

الترمذي (4/ 318) 35 - كتاب اللباس 3 - باب حدثنا أبو عمار ..

وقاله: هذا حديث صحيح.

والنسائي (8/ 199) - 48 - كتاب الزينة - 88 - باب ليس الديباج المنسوج بالذهب.

1933 -

البزار: كشف الستار (3/ 256) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 308): رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح.

ص: 1819

قال الذهبي: هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء، بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا، وكما يجد من ألم مرضه، وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار، ونحو ذلك فهذه الأراجيف كلها قد تنال البعد وما هي من عذاب القبر، ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه. قال تعالى:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} (1). وقال: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} (2). فنسأله الله تعالى العفو واللطف الخفي. ومع هذه المزات، فسعد ممن نعلم أنه من أهل الجنة، وأنه من أرفع الشهداء، رضي الله عنه. كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين، ولا روع ولا ألم، ولا خوف. سل ربك العافية، وأن يحسرنا في زمرة سعد. اهـ.

* * *

(1) مريم: 29.

(2)

غافر: 18.

ص: 1820