المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌80 - النجاشي رضي الله عنه - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ٤

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌قصة استخلافه:

- ‌ذكر زوجاته وبنيه وبناته رضي الله عنهم:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ست وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة سبع وعشرين:

- ‌غزوة الأندلس:

- ‌وقعة جرير والبربر مع المسلمين:

- ‌فتح قبرص:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ثلاثين من الهجرة النبوية:

- ‌ثم خلت سنة إحدى وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة أربع وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان:

- ‌ذكر مجيء الأحزاب إلى عثمان للمرة الثانية في مصر:

- ‌ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان:

- ‌تعليقات

- ‌شرح مختصر لأسباب الفتنة في اجتهادي:

- ‌1 - ظهور الورع الجاهل:

- ‌2 - تآمر الحاقدين:

- ‌3 - طموح الطامحين:

- ‌4 - العفوية:

- ‌5 - عدم مراعاة الرأي العام السائد:

- ‌على بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وثلاثين:

- ‌ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:

- ‌صفة مقتله رضي الله عنه:

- ‌تعليقات

- ‌عبد الله بن الزبير رضي الله عنه

- ‌تعليقات

- ‌الوصل الثالثفينماذج من أصحابه

- ‌تمهيد

- ‌1 - أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌2 - طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

- ‌3 - الزبير بن العوام رضي الله عنه

- ‌4 - عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه

- ‌5 - سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌6 - سعيد بن زيد رضي الله عنه

- ‌7 - زيد بن حارثة حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه رضي الله عنه

- ‌8 - أسامة بن زيد الحِبُّ بن الحِبُّ رضي الله عنه

- ‌9 - عمار بن ياسر رضي الله عنه

- ‌10 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

- ‌11 - أبو ذر الغفاري رضي الله عنه

- ‌12 - حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما

- ‌13 - سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌14 - عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

- ‌15 - بلال بن رباح رضي الله عنه

- ‌16 - أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌17 - أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه

- ‌18 - المقداد بن عمرو (المشهور بابن الأسود) رضي الله عنه

- ‌19 - أبو قتادة الأنصاري السلمي رضي الله عنه

- ‌20 - سلمان الفارسي رضي الله عنه

- ‌21 - عبد الله بن قيس (المشهور بأبي موسى الأشعري) رضي الله عنه

- ‌22 - عبد الله بن سلام رضي الله عنه

- ‌23 - جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

- ‌24 - 25 - جابر بن عبد الله وأبوه عبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌26 - البراء بن مالك رضي الله عنه

- ‌27 - أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌28 - ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلموخطيب الأنصار

- ‌29 - أبو هريرة رضي الله عنه

- ‌30 - حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌31 - جليبيب رضي الله عنه

- ‌32 - حارثة بن سراقة رضي الله عنه

- ‌33 - قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما

- ‌34 - خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌35 - عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌36 - أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌37 - معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما

- ‌38 - عباد بن بشر رضي الله عنه

- ‌39 - ضماد رضي الله عنه

- ‌40 - عدي بن حاتم رضي الله عنه

- ‌41 - ثمامة بن أثال رضي الله عنه

- ‌42 - عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه

- ‌43 - خباب بن الأرتِّ رضي الله عنه

- ‌44 - سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما

- ‌45 - عامر بن ربيعة رضي الله عنه

- ‌46 - عبد الله بن جحش رضي الله عنه

- ‌47 - صهيب بن سنان رضي الله عنه

- ‌48 - عثمان بن مظعون رضي الله عنه

- ‌49 - معاذ بن جبل رضي الله عنه

- ‌50 - عمرو بن الجموح رضي الله عنه

- ‌51 - حارثة بن النعمان رضي الله عنه

- ‌52 - عبد الله بن رواحة رضي الله عنه

- ‌53 - عبد الله بن عبد الله بن أبي رضي الله عنه

- ‌54 - قتادة بن النعمان رضي الله عنه

- ‌55 - عبادة بن الصامت رضي الله عنه

- ‌56 - خزيمة بن ثابت رضي الله عنه

- ‌57 - خالد بن زيد المشهور بأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه

- ‌58 - زيد بن ثابت رضي الله عنه

- ‌59 - سلمة بن الأكوع رضي الله عنه

- ‌60 - أبو الدرداء رضي الله عنه

- ‌61 - عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه

- ‌62 - عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه

- ‌63 - أبو زيد عمر بن أخطب رضي الله عنه

- ‌64 - أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه

- ‌65 - عبد الله بن بسر رضي الله عنه

- ‌66 - السائب بن يزيد رضي الله عنه

- ‌67 - ورقة بن نوفل رضي الله عنه

- ‌68 - حكيم بن حزام رضي الله عنه

- ‌69 - قيس بن عاصم المنقري رضي الله عنه

- ‌70 - عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه

- ‌71 - عبد الله بن حذافة السهمي

- ‌72 - عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌73 - محمد بن مسلمة رضي الله عنه

- ‌74 - حسان بن ثابت

- ‌75 - حجر بن عدي رضي الله عنه

- ‌76 - عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌77 - سهيل بن عمرو رضي الله عنه

- ‌78 - أبو سعيدٍ الخدري رضي الله عنه

- ‌79 - المغيرة بن شعبة رضي الله عنه

- ‌80 - النجاشي رضي الله عنه

- ‌81 - أسيد بن حضير رضي الله عنه

- ‌82 - عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه

- ‌83 - أسعد بن زرارة رضي الله عنه

- ‌84 - أبو دجانة سماك بن خرشة الخزرجي رضي الله عنه

- ‌85 - أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما

- ‌86 - أم حرامٍ رضي الله عنها

- ‌87 - أمُّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها

- ‌88 - هند بنت عتبة رضي الله عنها

- ‌89 - نسيبةُ بنتُ كعب رضي الله عنها

- ‌90 - أم أيمن بركة بنت ثعلبة رضي الله عنها

- ‌91 - أم عطية الأنصارية رضي الله عنها

- ‌92 - أم سَلِيط رضي الله عنها

- ‌93 - بريرة مولاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌94 - الربيع بنت معوذ رضي الله عنها

- ‌95 - أسماء بنت عُميْس رضي الله عنها

- ‌تعليقات على هذا الباب

- ‌خاتمة القسم الأول

الفصل: ‌80 - النجاشي رضي الله عنه

‌80 - النجاشي رضي الله عنه

قال الذهبي:

النجاشي: واسمه أصحمة ملك الحبشة. معدود في الصحابة رضي الله عنهم، وكان ممن حسن إسلامه ولم يهاجر، ولا له رؤية، فهو تابعي من وجه، صاحب من وجه، وقد توفي في حياة النبي، فصلى عليه بالناس صلاة الغائب ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم على غائب سواه، وسبب ذلك أنه مات بين قوم نصارى، ولم يكن عنده من يصلي عليه، لأن الصحابة الذين كانوا مهاجرين عنده خرجوا من عنده مهاجرين إلى المدينة عام خيبر.

عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، أمنا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذي ولا نسمع شيئًا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشًا، ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم (1) فجمعوا له أدمًا كثيرًا، ولم يتركوا من بطارقته (2) بطريقًا إلا أهدوا إليه هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا له هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم. قالت: فخرجا، فقدما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار عند خير جار. فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته، وقالا له: إنه قد ضوى (3) إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم، فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينا (4) وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهم: نعم. ثم إنهما قربا هدايا النجاشي، فقبلها منهم،

(1) الأدم: الأدم: جمع أديم وهي الجلود، والأدم: اسم جمع.

(2)

البطريق: الحاذق بأمور الحرب، كالضابط.

(3)

ضوى: أوى ولاذ.

(4)

عينًا: أبصريهم.

ص: 2142

ثم كلماه، فقالا له: أيها الملك إنه ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليه، فهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله وعمرو من أن يسمع النجاشي كلامهم. فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك. فأسلمهم إليهما. فغضب النجاشي، ثم قال: لا ها الله إذا لا أسلمهم إليهما، ولا أكاد (1) قومًا جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم. ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله فدعاهم، فلما جاءهم رسوله، اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمتنا، وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنًا في ذلك ما كان. فلما جاؤوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟.

قالت: وكان الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، إنا كنا قومًا أهل جاهلية: نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قالت: فعدد له أمور الإسلام -فصدقناه وآمنا به واتبعناه، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.

قالت: فقال: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قال: نعم؟ قال: فاقرأه

(1) لا أكاد: من المكيدة.

ص: 2143

علي، فقرأ عليه صدرًا من {كهيعص} . فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته (1)، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا ولا أكاد.

فلما خرجا قال عمرو: والله لأنبئه غدًا عيبهم ثم أستأصل خضراءهم (2) فقال له عبد الله ابن أبي ربيعة، وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد. ثم غدا عليه، فقال: أيها الملك! إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيمًا، فأرسل إليهم، فسلهم عما يقولون فيه. فأرسل يسألهم.

قالت. ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم، ثم قالوا: نقول والله فيه ما قال الله تعالى كائنًا ما كان. فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى؟ فقال له جعفر: نقول فيه الذي جاء به نبينا. هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فضرب النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عودًا، ثم قال: ما عدا عيسى ما قلت هذا العود. فتناخرت (3) بطارقته حوله فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي -والسيوم الآمنون- من سبكم غرم ثم من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبري ذهبًا وأني آذيت رجلاً منكم والدبر بلسانهم الجبل، ردوا عليهما هداياهما، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في، فأطيعهم فيه. فخرجا مقبوحين، مردودًا عليما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار. فوالله إنا على ذلك، إذ نزل به، يعني من ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حربًا قط كان أشد من حربٍ حربناه (4)، تخوفًا أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه، وسار النجاشي وبينهما عرض النيل. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ فقال الزبير: أنا، وكان من أحدث القوم سنًا. فنفخوا

(1) أخضل لحيته: بلها بالدموع.

(2)

استأصل خصراءهم: أي أبيدهم.

(3)

تناخرت: تكلمت كلام غضب ونفور.

(4)

وفي المسند: (حزنًا قط أشد من حزن حزناه).

ص: 2144

له قربة، فجعلها في صدره، ثم سبح عليها حتى خرج إلى مكان الملتقى، وحضر، فدعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده، واستوسق (1) له أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة (2).

عن عمير بن إسحاق أن جعفرًا قال: يا رسول الله ائذن لي حتى أصير إلى أرضٍ أعبد الله فيها، فأذن له، فأتى النجاشي. فحدثنا عمرو بن العاص قال: لما رأيت جعفرًا آمنًا بها هو وأصحابه حسدته، فأتيت النجاشي، فقلت: إن بأرضك رجلاً ابن عمه بأرضنا يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد، وإنك إن لم تقتله وأصحابه لا أقطع إليك هذه النطفة أبدًا ولا أحد من أصحابي. قال: اذهب إليه، فادعه. قلت: إنه لا يجيء معي، فأرسل معي رسولاً. فأتيناه وهو بين ظهري أصحابه يحثهم. قال له: أجب. فلما أتينا الباب ناديت: ائذن لعمرو بن العاص، ونادى جعفر: ائذن لحزب الله. فسمع صوته، فأذن له قبلي (3).

وحدثني جعفر بن محمد، عن أبيه قال: اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي: فارقت ديننا. وخرجوا عليه، فأرسل إلى جعفر وأصحابه، فهيأ لهم سفنًا، وقال: اركبوا، فإن هزمت، فامضوا، وإن ظفرت فاثبتوا. ثم عمد إلى كتاب، فكتب فيه: هو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم. ثم جعله في فبئه، وخرج إلى الحبشة، وصفوا له، فقال: يا معشر الحبشة: ألست أحق الناس بكم؟ قالوا: بلى. فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة، قال: فما بالكم؟ قالوا: فارقت ديننا، وزعمت أن عيسى عبد. قال: فما تقولون فيه؟ قالوا: هو ابن الله، فقال -ووضع يده على صدره على قبائه- هو يشهد أن عيسى، لم يزد على هذا شيئًا، وإنما عني على ما كتب، فرضوا، وانصرفوا. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم،

(1) استوثق: استقر.

(2)

ورواه أحمد (1/ 201، 210) وابن هشام وصرح ابن إسحاق بالسماع وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 24) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وإسناده قوي.

(3)

رواه البزار: كشف الأستار (2/ 297) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد مطولاً (6/ 29) وقال: رواه الطبراني والبزار: وعمير بن إسحاق وثقه ابن حبان وغيره، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله رجال الصحيح.

النطفة: الماء القليل والمراد هنا: البحر الأحمر، أي أنهم لا يأتون إليه أبدًا.

ص: 2145

فلما مات النجاشي صلى عليه، واستغفر له.

ومن محاسن النجاشي أن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية أم المؤمنين أسلمت مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي قديمًا، فهاجر بها زوجها، فانملس بها إلى أرض الحبشة، فولدت له حبيبة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إنه أدركه الشقاء فأعجبه دين النصرانية فتنصر، فلم ينشب أن مات بالحبشة، فلما وفت العدة، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطبها، فأجابت، فنهض في ذلك النجاشي، وشهد زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأعطاها الصداق عن النبي صلى الله عليه وسلم من عنده أربع مئة دينار، فحصل لها شيء لم يحصل لغيرها من أمهات المؤمنين، ثم جهزها النجاشي.

وكان الذي وفد على النجاشي بخطبتها عمرو بن أمية الضمري، فيما نقله الواقدي بإسناد مرسل.

عن عبد الله بن أبي بكر: كان الذي زوجها، وخطب إليه النجاشي خالد بن سعيد بن العاص الأموي، وكان عمرها لما قدمت المدينة بضعًا وثلاثين سنة.

معمر: عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش، وكان رحل إلى النجاشي، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها بالحبشة، زوجه إياها النجاشي، ومهرها أربعة آلاف درهم من عنده، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة، وجهازها كله من عند النجاشي (1).

فقيل: بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست. وقال خليفة: دخل بها سنة سبع من الهجرة.

وأصحمة بالعربي: عطية. ولما توفي، قال النبي صلى الله عليه وسلم للناس:"إن أخًا لكم قد مات بأرض الحبشة" فخرج بهم إلى الصحراء وصفهم صفوفًا، ثم صلى عليه. فنقل بعض العلماء أن ذلك كان في شهر رجب سنة تسع من الهجرة. ا. هـ الذهبي.

(1) رواه أبو داود (2/ 235) كتاب النكاح، باب الصداق.

والنسائي (6/ 119) كتاب النكاح، باب القسط في الأصدقة.

ص: 2146

2229 -

* روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات.

2230 -

* روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مات اليوم بعد لله صالح، أصحمة" فقام فأمنا وصلى عليه.

2231 -

* روى البزار والطبراني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي حين نعي، فقيل: يا رسول الله: نصلي على عبدٍ حبشي؟، فأنزل الله عز وجل {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} (1) الآية.

2232 -

* روى البزار عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} قال نزلت في النجاشي وأصحابه.

أقول: ترجمنا للنجاشي رضي الله عنه لأنه يمثل نموذجًا يحتذى وسابقةً كثر تكرارها في تاريخ الأمة الإسلامية وخاصة في العصور المتأخرة، فهذا حاكم مسلم بشهادة النصوصل يحكم شعبًا غير مسلم وبغير أحكام الإسلام ومع ذلك فبالإجماع إنه من خيار المسلمين، وهذا يدل على أن كفر النظام لا يعني كفر كل مشارك فيه، وهذه القضية من أخطر قضايا عصرنا، فإذا لم نتوسع في الفتوى حيث لا تعسف ولا تكلف فإن مآل الأمة الإسلامية ألا يبقى رجل مسلم في أجهزة الحكم وبالتالي يفقد المسلمون الخدمة والرعاية كما يفقدون قوة التجربة، ولذلك فإننا نعتبر أن أمر المشاركة في الأعمال الحكومية والمؤسسات يخضع للفتوى البصيرة من أهلها.

2229 - البخاري (3/ 116) 23 - كتاب الجنائز -4 - باب الرجل ينعي إلى أهل الميت بنفسه.

ومسلم (2/ 656) 11 - كتاب الجنائز -22 - باب في التكبير على الجنازة.

2230 -

مسلم (2/ 657) في نفس الموضع السابق.

2231 -

البزار: كشف الأستار (1/ 392) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 38): رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني ثقات.

(1)

آل عمران: 119.

2232 -

البزار: كشف الأستار (2/ 286). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 419): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عثمان بن بحر وهو ثقة، وقال في التقريب: صدوق يغرب.

ص: 2147

كما أن قصة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم عند النجاشي وعدم وجود رواية صحيحة تدل على أنهم قاموا بنشاط في الدعوة تعتبر سابقة لأدب اللجوء السياسي الإسلامي فإذا اضطر مسلم للجوء السياسي في بلد آخر فلا عليه أن لا يقوم بنشاط دعوي إذا كان الظرف أو القانون لا يسمحان بذلك، على أن هناك رواية تذكر في أسباب النزول أن جعفرًا أثر على عددٍ من نصارى الحبشة فوفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا.

* * *

ص: 2148