المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌11 - أبو ذر الغفاري رضي الله عنه - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ٤

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌قصة استخلافه:

- ‌ذكر زوجاته وبنيه وبناته رضي الله عنهم:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ست وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة سبع وعشرين:

- ‌غزوة الأندلس:

- ‌وقعة جرير والبربر مع المسلمين:

- ‌فتح قبرص:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ثلاثين من الهجرة النبوية:

- ‌ثم خلت سنة إحدى وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة أربع وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان:

- ‌ذكر مجيء الأحزاب إلى عثمان للمرة الثانية في مصر:

- ‌ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان:

- ‌تعليقات

- ‌شرح مختصر لأسباب الفتنة في اجتهادي:

- ‌1 - ظهور الورع الجاهل:

- ‌2 - تآمر الحاقدين:

- ‌3 - طموح الطامحين:

- ‌4 - العفوية:

- ‌5 - عدم مراعاة الرأي العام السائد:

- ‌على بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وثلاثين:

- ‌ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:

- ‌صفة مقتله رضي الله عنه:

- ‌تعليقات

- ‌عبد الله بن الزبير رضي الله عنه

- ‌تعليقات

- ‌الوصل الثالثفينماذج من أصحابه

- ‌تمهيد

- ‌1 - أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌2 - طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

- ‌3 - الزبير بن العوام رضي الله عنه

- ‌4 - عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه

- ‌5 - سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌6 - سعيد بن زيد رضي الله عنه

- ‌7 - زيد بن حارثة حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه رضي الله عنه

- ‌8 - أسامة بن زيد الحِبُّ بن الحِبُّ رضي الله عنه

- ‌9 - عمار بن ياسر رضي الله عنه

- ‌10 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

- ‌11 - أبو ذر الغفاري رضي الله عنه

- ‌12 - حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما

- ‌13 - سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌14 - عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

- ‌15 - بلال بن رباح رضي الله عنه

- ‌16 - أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌17 - أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه

- ‌18 - المقداد بن عمرو (المشهور بابن الأسود) رضي الله عنه

- ‌19 - أبو قتادة الأنصاري السلمي رضي الله عنه

- ‌20 - سلمان الفارسي رضي الله عنه

- ‌21 - عبد الله بن قيس (المشهور بأبي موسى الأشعري) رضي الله عنه

- ‌22 - عبد الله بن سلام رضي الله عنه

- ‌23 - جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

- ‌24 - 25 - جابر بن عبد الله وأبوه عبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌26 - البراء بن مالك رضي الله عنه

- ‌27 - أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌28 - ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلموخطيب الأنصار

- ‌29 - أبو هريرة رضي الله عنه

- ‌30 - حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌31 - جليبيب رضي الله عنه

- ‌32 - حارثة بن سراقة رضي الله عنه

- ‌33 - قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما

- ‌34 - خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌35 - عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌36 - أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌37 - معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما

- ‌38 - عباد بن بشر رضي الله عنه

- ‌39 - ضماد رضي الله عنه

- ‌40 - عدي بن حاتم رضي الله عنه

- ‌41 - ثمامة بن أثال رضي الله عنه

- ‌42 - عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه

- ‌43 - خباب بن الأرتِّ رضي الله عنه

- ‌44 - سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما

- ‌45 - عامر بن ربيعة رضي الله عنه

- ‌46 - عبد الله بن جحش رضي الله عنه

- ‌47 - صهيب بن سنان رضي الله عنه

- ‌48 - عثمان بن مظعون رضي الله عنه

- ‌49 - معاذ بن جبل رضي الله عنه

- ‌50 - عمرو بن الجموح رضي الله عنه

- ‌51 - حارثة بن النعمان رضي الله عنه

- ‌52 - عبد الله بن رواحة رضي الله عنه

- ‌53 - عبد الله بن عبد الله بن أبي رضي الله عنه

- ‌54 - قتادة بن النعمان رضي الله عنه

- ‌55 - عبادة بن الصامت رضي الله عنه

- ‌56 - خزيمة بن ثابت رضي الله عنه

- ‌57 - خالد بن زيد المشهور بأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه

- ‌58 - زيد بن ثابت رضي الله عنه

- ‌59 - سلمة بن الأكوع رضي الله عنه

- ‌60 - أبو الدرداء رضي الله عنه

- ‌61 - عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه

- ‌62 - عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه

- ‌63 - أبو زيد عمر بن أخطب رضي الله عنه

- ‌64 - أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه

- ‌65 - عبد الله بن بسر رضي الله عنه

- ‌66 - السائب بن يزيد رضي الله عنه

- ‌67 - ورقة بن نوفل رضي الله عنه

- ‌68 - حكيم بن حزام رضي الله عنه

- ‌69 - قيس بن عاصم المنقري رضي الله عنه

- ‌70 - عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه

- ‌71 - عبد الله بن حذافة السهمي

- ‌72 - عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌73 - محمد بن مسلمة رضي الله عنه

- ‌74 - حسان بن ثابت

- ‌75 - حجر بن عدي رضي الله عنه

- ‌76 - عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌77 - سهيل بن عمرو رضي الله عنه

- ‌78 - أبو سعيدٍ الخدري رضي الله عنه

- ‌79 - المغيرة بن شعبة رضي الله عنه

- ‌80 - النجاشي رضي الله عنه

- ‌81 - أسيد بن حضير رضي الله عنه

- ‌82 - عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه

- ‌83 - أسعد بن زرارة رضي الله عنه

- ‌84 - أبو دجانة سماك بن خرشة الخزرجي رضي الله عنه

- ‌85 - أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما

- ‌86 - أم حرامٍ رضي الله عنها

- ‌87 - أمُّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها

- ‌88 - هند بنت عتبة رضي الله عنها

- ‌89 - نسيبةُ بنتُ كعب رضي الله عنها

- ‌90 - أم أيمن بركة بنت ثعلبة رضي الله عنها

- ‌91 - أم عطية الأنصارية رضي الله عنها

- ‌92 - أم سَلِيط رضي الله عنها

- ‌93 - بريرة مولاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌94 - الربيع بنت معوذ رضي الله عنها

- ‌95 - أسماء بنت عُميْس رضي الله عنها

- ‌تعليقات على هذا الباب

- ‌خاتمة القسم الأول

الفصل: ‌11 - أبو ذر الغفاري رضي الله عنه

‌11 - أبو ذر الغفاري رضي الله عنه

قال ابن كثير في ترجمته:

أبو ذر الغفاري واسمه جُنْدُبُ بن جُنَادة على المشهور، أسلم قديماً بمكة فكان رابع أربعة أو خامس خمسة وهو أول من حيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، ثم رجع إلى بلاده وقومه، فكان هناك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فهاجر بعد الخندق ثم لزم رسول الله صلى الله عليه وسلم حضراً وسفراً، وروى عنه أحاديث كثيرة، وجاء في فضله أحاديث كثيرة، ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات أبو بكر خرج إلى الشام فكان فيه حتى وقع بينه وبين معاوية فاستقدمه عثمان إلى المدينة، ثم نزل الرَّبذةَ (1) فأقام بها حتى مات في ذي الحجة من هذه السنة، وليس عنده سوى امرأته وأولاده، فبينما هم كذلك لا يقدرون على دفنه إذ قدم عبد الله بن مسعود من العراق في جماعة من أصحابه، فحضروا موته، وأوصاهم كيف يفعلون به، وقيل قدموا بعد وفاته فولوا غسله ودفنه، وكان قد أمر أهله أن يطبخوا لهم شاة من غنمه ليأكلوه بعد الموت، وقد أرسل عثمان بن عفان إلى أهله فضمهم مع أهله. أ. هـ.

وقال ابن حجر في ترجمته:

الزّاهد المشهور الصّادق اللهجة .... ويقال: إن إسلامه كان بعد أربعة وانصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ومضت بّدْرّ وأُحد ولم تتهيأ له الهجرة إلا بعد ذلك، وكان طويلاً أسمر اللون نحيفاً، وكان يوازي ابن مسعود في العلم، وكانت وفاته بالربذة سنة إحدى وثلاثين وقيل التي بعدها، وعليه الأكثر.

وقال الذهبي في ترجمته:

وكان يفتي في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان

وكان رأساً في الزهد والصدق والعلم والعمل قوالاً بالحق، لا تأخذه في الله لوم لائم، على حدَة فيه، وله مائتا حديث وواحد وثمانون حديثاً، اتفقا منها على اثني عشر حديثاً، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بتسعة عشر

الربذة: موضع قريب من المدينة نحو الشرق.

ص: 1795

ومما ورد فيه:

1893 -

* روى مسلم عن عبد الله بن الصامت، قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار. وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومه فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا فنثا علينا الذي قيل له، فقلت: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد. فقربنا صرمتنا، فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا ثوبة فجعل يبكي. فانطلقتا حتى نزلنا بحضرة ملكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن، فخير أنيساً، فأتانا بصرمتنا ومثلها معها.

قال: وقد صليت يا ابن أخي! قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين. قلت: لمن؟ قال: لله. فقلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلى عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء، حتى تعلوني الشمس.

قال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني. فانطلق أنيس حتى أتى مكة، فراث علي، ثم جاء فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله. فقلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر. وكان أنيس أحد الشعراء.

1893 - مسلم (4/ 1919) 44 - كتاب فضائل الصحاب- 28 - باب من فضائل أبي ذر.

فنثا: أي أشاعه وأفشاه.

صِرمتنا: الصرمة هي القطعة من الإبل. وتطلق أيضاً على القطعة من الغنم.

فنافر: قال أبو عبيد وغيره في شرح هذا: المنافرة المفاخرة والمحاكمة. فيفخر كل واحد من الرجلين على الآخر ثم يتحاكمان إلى رجل ليحكم أيهما خير وأعز نفرا. وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيهما أشعر.

عن صرمتنا وعن مثلها: معناه تراهن هو وآخر أيهما أفضل. وكان الرهن صرمه ذا وصرمة ذاك. فأيهما كان أفضل أخذ الصارمتين. فتحاكما إلى الكاهن. فحكم بأن أنيسا أفضل. وهو معني قوله فخيّر أنيسا. أي جعله الخيار والأفضل.

خفاء: هو الكساء. وجمعه أخفية. ككساء وأكسية.

فراث: عليَ: أي أبطا.=

ص: 1796

قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون.

قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر: قال: فأتيت مكة، فتضعفت رجلاً منهم، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلى، فقال الصابئ. فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم. حتى خررت مغشياً علي. قال فارتفعت حين ارتفعت، كأني نصب أحمر. فأتيت زمزم فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت، يا ابن أخي ثلاثين، بين ليلة ويوم، ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع.

قال: فبينما أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان، إذ ضرب على أسمختهم، فما يطوف بالبيت أحد، وامرأتين منهم تدعوان إسافا ونائلة. قال فأتتا علي في طوافهما فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى. قال فما تناهتا عن قولهما. قال: فأتتا علي. فقلت: هن مثل

= أقراء الشعر: أي طرقة وأنواعه.

فتضعفت: نظرت إلى أضعفهم فسألته. لأن الضعيف مأمون الغائلة دائماً.

الصابئ: منصوب على الإغراء. أي انظروا وخذوا هذا الصابئ.

نصب أحمر: يعني من كثرة الدماء التي سالت مني بضربهم. والنصّب النصّب الصنم والحجر كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده، فيحمر بالدم. وجمعه أنصاب. ومنه قوله تعالى:{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} .

عكن بطني: جمع عكنة، وهو الطيَ في البطن من السمن: معني تكسرت أي انثنت وانطوت طاقات لحم بطنه.

سُخُفة جوع: بفتح السين وضمها. هي رقة الجوع وضعفه وهزاله.

قمراء: مقمرة.

إضحيان: مضيئة، منورة. يقال: ليلة إضحان وإضحيانة. وضحياء ويوم أضحيان.

أسمختهم: هكذا هو في جميع النسخ. وهو جمع سماخ، وهو الخرق الذي في الأذن يقضي إلى الرأس. يقال صماخ وسماخ. والصاد أفصح وأشهر. والمراد بأسمختهم هنا: آذانهم. أي ناموا، قال الله تعالي:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} . أي أنمناهم.

وامرأتين: هكذا هو في معظم النسخ بالياء. وفي بعضها: وامرأتان، بالألف، والأول منصوب بفعل محذوف أي ورأيت امرأتين.

فما تناهتا: أي ما انتهتا.

هنّ مثل الخشبة: الهن والهنة، بتخفيف نونهما، هو كناية عن كل شيء. وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج والذكر. فقال لها أو مثل الخشبة في الفرج. وأراد بذلك سب أساف ونائلة وغيظ الكفار بذلك.

ص: 1797

الخشبة. غير أني لا أكني. فانطلقتا تولولان وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا! قال: فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر. وهما هابطان، فقال:"ما لكما؟ " قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قال: " ما قال لكما؟ " قالتا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر. وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته (قال أبو ذر): فكنت أنا أول من حياه بتحية الإسلام، قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله! فقال: "وعليك ورحمة الله". ثم قال: "من أنت؟ "، قال قلت: من غفار. قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته. فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فقدعني صاحبه، وكان أعلم به مني. ثم رفع رأسه، ثم قال:"متى كنت ههنا؟ " قال قلت: قد كنت ههنا منذ ثلاثين، بين ليلة ويوم، قال:"فمن كان يطعمك؟ " قال قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما أجد على كبدي سخفة جوع. فقال:"إنها مباركة. إنها طعام طعم".

فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في طعامه الليلة. فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر بابا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، وكان ذلك أول طعام أكلته بها. ثم غبرت ما غبرت. ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد وجهت لي ارض ذات نخل. لا أراها إلا يثرب. فهل أنت مبلغ عني

= تولولان: الولولة الدعاء بالويل.

أنفارنا: الأنفار جمع نفر أو نفير، وهو الذي ينفر عند الاستغاثة.

تملأ الفم: أي عظيمة لا شيء أقبح منها، كالشيء ولا يسع غيره. وقيل معناه لا يمكن ذكرها وحكايتها. كأنها تسدّ فم حاكيها وتملؤها لاستعظامها.

فقدعني: أي كفني. يقال: قدعه وأقدعه، إذا كفه ومنعه.

طعام طعم: أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام.

غبرت ما غبرت: أي بقيت ما بقيت.

وجهت لي أرض: أي أريت جهتها.

أراها: ضبطوه أراها بضم الهمزة وفتحها.

يارب: هذا كان قبل تسمية المدينة طابة وطيبة. وقد جاء بعد ذلك حديث في النهي عن تسميتها يثرب.=

ص: 1798

قومك؟ عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم". فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني قد أسلمت وصدقت قال: ما بي رغبة عن دينك، فأني قد أسلمت وصدقت .. فأتينا أمنا، فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فأني قد أسلمت وصدقت. فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الغفاري وكان سيدهم.

وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلمنا. فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا، نسلم على الذي أسلموا. عليه. فأسلموا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"غفار غفر الله لها. وأسلم سالمها الله".

1894 -

* روى مسلم عن ابن عباس قال لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله ثم ائتني. فانطلق الآخر حتى قدم مكة وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت. فتزود وحمل شنة له، فيها ماء، حتى قدم مكة فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه. وكره أن يسأل عنه. حتى أدركه- يعني الليل- فاضطجع فرآه علي فعرف أنه غريب. فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء. حتى أصبح. ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد. فظل ذلك اليوم، ولا يرى

= ما بي رغبة عن دينكا: أي لا أكرهه، بل أدخل فيه.

فاحتملنا: يعني حملنا أنفسنا ومتاعنا على إبلنا، وسرنا.

إياه: الهمزة في أوله مكسورة، على المشهور- وحكى القاضي فتحها أيضاً، وأشار إلى ترجيحه، وليس براجح.

1894 -

مسلم (4/ 1923) 44 - كتاب فضائل الصحابة- 28 - باب فضائل أبي ذر.

ما شفيتني فيما: كذا في جميع نسخ مسلم: فيما. بالفاء وفي رواية البخاري: مما، بالميم، وهو أجود. أي ما بلغتني غرضي، وأزلت عني هَم كشف الأمر.

شنة: هي القربة البالية.

قريبته: على التصغير: وفي بعض النسخ: قربته، بالتكبير، وهي الشنة المذكورة قبله.=

ص: 1799

النبي صلى الله عليه وسلم. حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه. فمر به علي. فقال: ما أنى للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه. فذهب به معه. ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء. حتى إذا كان يوم الثالث فعل مثل ذلك. فأقامه علي معه، ثم قال له: ألا تحدثني؟ ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني، فعلت. ففعل. فأخبره. فقال فإنه حق، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك، قمت كأني أريق الماء. فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل. فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه، فسمع من قوله. وأسلم مكانه. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري". فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم. فخرج حتى أتى المسجد. فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه. فأتى العباس فأكب عليه. فقال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجاركم إلى الشام عليهم. فأنقذه منهم. ثم عاد من الغد بمثلها. وثاروا إليه فضربوه. فأكب عليه العباس فأنقذه.

1895 -

* روى الطبراني عن أبي ذرٌ قال: لقد رأيتني ربع الإسلام، لم يسلم قبلي إلا النٌبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وبلال.

1896 -

* روى أحمد والبزار عن إبراهيم بن الأشتر أن أبا ذر حضره الموت بالرٌبذَة، فبكت امرأته فقال: ما يبكيك؟ قالت: أبكي، إنه لا يد لي بنفسك وليس عندي ثوب.

(1) = ما أني: وفي بعض النسخ: أن. وهما لغتان. أي ما حان. وفي بعض النسخ: أما بزيادة ألف الاستفهام، وهي مراده في الرواية الأولى، ولكن حذفت، وهو جائز.

يقفوه: أي يتبعه.

لأصرخن بها: أي لأرفعنٌ صوتي بها.

بين ظهرانيهم: أي بينهم. وهو بفتح النون. ويقال: بين ظهريهم.

1895 -

المعجم الكبير (2/ 148) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 327): رواه الطبراني بإسنادين وأحدهما متصل الإسناد ورجاله ثقات.

1896 -

أحمد في مسنده (5/ 166)، و (5/ 155). البزار: كشف الأستار (3/ 264)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 231): رواه أحمد من طريقين ورجال الأولى رجال الصحيح ورواه الزار بنحوه باختصار.=

ص: 1800

يسعك كفناً. فقال: لا تبكي، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض من يشهده عصابة من المؤمنين» . فكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ولم يبق منهم غيري، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبي الطريق فإنك سوف ترين ما أقول، فإني ما كذبت ولا كذبت. فبينما هي كذلك إذا بقوم تخب بهم رواحلهم حتى وقفوا عليها، فقالوا: مالك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنوه وتؤجروا. قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم فابتدروه، فقال: أبشروا فأنتم النفر الذي قال فيكم النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فأنشدكم بالله لا يكفنني رجل منكم كان عريفا أو أميراً أو بريداً. فكل القوم قد نال من ذلك شيئاً إلا فتى من الأنصار، قال: عندي ثوبان في غيبتي من غزل أمي. قال: أنت صاحبي.

أقول: وإنما لم يرد أن يكفنه أحد من هؤلاء لأن الأمير والعريف يحتمل أن يخالط أعمالها شيء من جور، وأما البريد فلأنه قد يحمل رسالة في زور أو جور.

وذكر الذهبي في السير (1) عن زيد بن خالد الجهني قال: كنت عند عثمان، إذ جاء أبو ذر، فلما رأه عثمان قال: مرحباً وأهلاً بأخي. فقال أبو ذر: مرحباً وأهلاً بأخي، لقد أغلظت علينا في العزيمة، والله لو عزمت علي أن أحبو لحبوت ما استطعت، إني خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو حائط بني فلان، فقال لي:«ويحك بعدي» ! فبكيت، فقلت: يا رسول الله، وإني لباق بعدك؟ قال:«نعم، فإذا رأيت البناء على سلع (2)، فالحق بالمغرب، أرض قضاعة» .

قال عثمان: أحببت أن أجعلك مع أصحابك وخفت عليك جهال الناس.

= عريفا: من كان له أسرة دون إمرة الأمير الأعلى.

بريداً: الذي يحمل البريد.

عيبتي: العيبة وعاء من أدم ونحوه يكون فيه المتاع.

(1)

السير (2/ 70). وقال محققه: رجاله ثقات.

(2)

سلع: جبل من جبال المدينة.

ص: 1801

1897 -

* روى أحمد عن أبي أسماء أنه دخل على أبي ذر بالربذة، وعنده امرأة له سوداء مشعثة، ليس عليها أثر المجاسد والخلوق. فقال: ألا تنظرون ما تأمرني به؟ تأمرني أن آتي العراق، فإذا أتيتها مالوا علي بدنياهم، وإن خليلي عهد إلي:«إن دون جسر جهنم طريقاً ذا دحض ومزلة» . وإن أن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار أحرى أن ننجو من أن نأتي عليه ونحن مواقير.

1898 -

* روى ابن سعد عن ابن بريدة قال: لما قدم أبو موسى لقي أبا ذر فجعل أبو موسى يكرمه - وكان أبو موسى قصيراً خفيف اللحم، وكان أبو ذر رجلاً أسود كث الشعر - فيقول أبو ذر: إليك عني! ويقول أبو موسى: مرحباً بأخي! فيقول: لست بأخيك! إنما كنت أخاك قبل أن تلي.

1899 -

* روى مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم» .

قال الذهبي: فهذا محمول على ضعف الرأي [في أمر الدنيا]: فإنه لو ولي مال يتيم، لأنفقه كله في سبيل الخير، ولترك اليتيم فقيراً، فقد كان لا يستجيز ادخار النقدين. والذي يتأمر على الناس، يريد أن يكون فيه حلم ومداراة، وأبو ذر رضي الله عنه كانت فيه حدة فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم. أهـ.

1900 -

* روى ابن سعد عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت أبا ذر يميد على راحلته، وهو مستقبل مطلع الشمس، فظننته نائماً، فدنوت وقلت: أنائم أنت يا أبا ذر؟ قال:

1897 - أحمد في مسنده (5/ 195). وأورده الذهبي في السير (2/ 73). وقال محققه: رجاله ثقات.

المجاسد: جمع مجسد وهو المصبوغ المشبع بالجسد. والجسد: الزعفران أو العصفر.

1898 -

الطبقات الكبرى (4/ 230) مطولاً، وأورد الذهبي في السير (3/ 74). وقال محققه: رجاله ثقات.

1899 -

مسلم (3/ 1458) 33 - كتاب الإمارة -4 - بابا كراهة الإمارة بغير ضرورة.

1900 -

الطبقات الكبرى (4/ 236). وذكره الذهبي في السير (2/ 78). وقال محققه: رجاله ثقات.

ص: 1802

لا، بل كنت أصلي.

1901 -

* روى البزار عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر رأيت كأني وزنت بأربعين أنت فيهم فوزنتهم» .

1902 -

* روى أبو داود عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبا ذر!» قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله، وأنا فداؤك.

1903 -

* روى البخاري عن زيد بن وهب رحمه الله قال: مررت بالربذة، فإذا بأبي ذر، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (1). فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إلي عثمان: أن اقدم المدينة. فقدمتها فكثر علي الناس، حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت، فكنت قريباً، فذاك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا علي جبشياً لسمعت وأطعت.

قال الحافظ في «الفتح» : وفي هذا الحديث من الفوائد: أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لاتفاق أبي ذر ومعاوية على أن الآية نزلت في أهل الكتاب، وفيه ملاطفة الأئمة للعلماء، فإن معاوية لم يجسر على الإنكار عليه، حتى كاتب من هو أعلى منه في أمره، وعثمان لم يحنق على أبي ذر، مع كونه كان مخالفاً له في تأويله، وفيه التحذير من الشقاق والخروج على الأئمة، والترغيب في الطاعة لأولي الأمر، وأمر الأفضل بطاعة المفضول خشية المفسدة، وجواز الاختلاف في الاجتهاد، والأخذ بالشدة في الأمر بالمعروف وإن أدى إلى

1901 - البزار: كشف الأستار (2/ 265). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 230): رواه البزار ورجاله ثقات.

1902 -

أبو داود (4/ 101) - كتاب الفتن والملاحم - باب في النهي عن السعي في الفتن.

1903 -

البخاري (3/ 271) 24 - كتاب الزكاة - 4 - باب ما أدى زكاته فليس بكنز.

يكنزون: الكنز: الادخار والجمع: مصدر كنز المال يكنزه كنزا.

(1)

التوبة: 24.

ص: 1803

فراق الوطن، وتقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة، لأن في بقاء أبي ذر بالمدينة، مصلحة كبيرة من بث علمه في طالب العلم، ومع ذلك فرجح عند عثمان دفع ما يتوقع من المفسدة من الأخذ بمذهبه الشديد في هذه المسألة، ولم يأمره بعد ذلك بالرجوع عنه، لأن كلا منهما كان مجتهداً. اهـ.

وقال ابن كثير رحمه الله:

وكان من مذهب أبي ذر رضي الله عنه، تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال، وكان يفتي بذلك ويحثهم عليه، ويأمرهم به، ويغلظ في خلافه، فنهاه معاوية فلم ينته، فخشي أن يضر بالناس في هذا، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان وأن يأخذه إليه، فاستقدمه عثمان إلى المدينة، وأنزله بالربذة وحده، وبها مات رضي الله عنه في خلافة عثمان. اهـ.

1904 -

* روى الترمذي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر، سبه عيسى بن مريم» . فقال عمر بن الخطاب كالحاسد: يا رسول الله أفنعرف ذلك له؟ قال: «نعم فاعرفوه» .

1905 -

* روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدي الذي عليها فيها» .

وفي رواية (1) قال له: «يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب

1904 - الترمذي (5/ 669) 50 - كتاب المناقب - 36 - باب مناقب أبي ذر.

وقال: هذا حديث حسن غريب.

وقد روى بعضهم هذا الحديث، فقال: أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى بن مريم عليه السلام.

الحاسد: هنا حسد غبطة وهو حسد محمود.

11905 -

مسلم (3/ 1457) 33 - كتاب الإمارة - 4 - باب كراهة الإمارة بغير ضرورة.

(1)

وأبو داود (3/ 114) - كتاب الوصايا - باب ما جاء في الدخول في الوصايا.

ص: 1804

لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم».

1906 -

* روى أحمد عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أوصاني بخمس: أرحم المساكين وأجالسهم، وانظر إلى من تحتي ولا أنظر إلى من فوقي، وأن أصل الرحم وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مرا، وأن أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

1907 -

* روى ابن سعد عن عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر في رهط غفار على عثمان من باب لا يدخل عليه منه - قال: وتخوفنا عثمان عليه - فانتهى إليه، فسلم، ما بدأه بشيء إلا أن قال: أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين؟ والله ما أنا منهم ولا أدركهم. ثم استأذنه إلى الربذة.

1908 -

* روى ابن سعد عن ابن سيرين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: «إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها» . ونحا بيده نحو الشام، «ولا أرى أمراءك يدعونك»! قال: أولا أقاتل من يحول بيني وبين أمرك؟ قال: «لا» . قال: فما تأمرني؟ قال: «اسمع وأطع، ولو لعبد حبشي» .

فلما كان ذلك، خرج إلى الشام. فكتب معاوية: إنه قد أفسد الشام. فطلب عثمان؛ ثم بعثوا إلى أهله من بعده، فوجدوا عندهم كيساً أو شيئاً؛ فظنوه دراهم، فقالوا: ما شاء الله! فإذا هي فلوس.

قال عثمان: كن عندي. قال: لا حاجة لي في دنياكم، ائذن لي حتى أخرج إلى الربذة. فأذن له، فخرج إليها، وعليها عبد حبشي لعثمان، فتأخر وقت الصلاة لما رأى أبا ذر - فقال أبو ذر: تقدم فصل، فقد أمرت أن أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي، فأنت عبد حبشي.

1906 - أحمد في مسنده (5/ 159، 173). وسنده حسن.

1907 -

الطبقات الكبرى (4/ 232). ورجاله ثقات.

تخوفنا عثمان عليه: أي خفنا على عثمان منه.

أحسبتني منهم: أي من الذين سيخرجون عليك.

1908 -

الطبقات الكبرى (4/ 226) ورجاله ثقات إلا أنه مرسل.

ص: 1805

1909 -

* روى أحمد وابن سعد عن أبي ذر قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار وعليه برذعة، أو قطيفة.

1910 -

* روى البخاري ومسلم عن الأحنف، قال: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش، إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم فقال: بشر الكنازين برضف يحمي عليه في نار جهنم، فيوضع على حملة ثدي أحدهم، حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتجلجل.

قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحداً منهم رجع أليه شيئاً.

فأدبر، فتبعته حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم. قال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً، إن خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم دعاني فقال:«يا أبا ذر» . فأجبته. فقال: «ترى أحداً؟» فنظرت ما علي من الشمس - وأنا أظنه يبعثني في حاجة - فقلت: أراه فقال: «ما يسرني أن لي مثله ذهباً، أنفقه كله، إلا ثلاثة دنانير» . ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقلون شيئاً.

فقلت: مالك ولإخوانك من قريش، لا تعتريهم ولا تصيب منهم؟ قال: لا وربك، ما أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله.

1909 - أحمد في مسنده (5/ 164).

والطبقات الكبرى (4/ 228) وإسناده صحيح.

1910 -

البخاري (3/ 271) 24 - كتاب الزكاة - 4 - باب ما أدى زكاته فليس بكنز.

ومسلم (2/ 689) 12 - كتاب الزكاة - 10 - باب في الكنازين للأموال والتغليظ عليهم.

والرصف: الحجارة الحماة، الواحدة رضفة، مثل: تمر وتمرة، والنغض: العظم الدقيق الذي على طرف الكتف.

أو على أعلى الكتف، وأصل النغض: الحركة، فسمي ذلك الموضع نفضا لأنه يتحرك بحركة الإنسان.

ويتجلجل: يغوص، ورواية البخاري ومسلم «يتزلزل»: أي يضطرب ويتحرك.

لا تعتريهم: لا تزورهم أو تقصدهم. تصيب منهم: تأخذ من عطياتهم.

ص: 1806

1911 -

* روى الطبراني عن محمد بن سرين قال: بلغ الحارث - رجل كان بالشام من قريش - أن أبا ذر كان به عوز فبعث إليه بثلثمائة دينار. فقال: ما وجد عبد الله من هو أهون عليه مني؟ سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: «من سأل وله أربعون فقد ألحف» ولأبي ذر أربعون درهماً وأربعون شاة وماهنان. قال أبو بكر بن عياش: يعني خادمين.

* * *

1911 - قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 231): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن عبد الله ابن يونس وهو ثقة.

ص: 1807