المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌34 - خالد بن الوليد رضي الله عنه - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية - جـ ٤

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌قصة استخلافه:

- ‌ذكر زوجاته وبنيه وبناته رضي الله عنهم:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ست وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة سبع وعشرين:

- ‌غزوة الأندلس:

- ‌وقعة جرير والبربر مع المسلمين:

- ‌فتح قبرص:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وعشرين:

- ‌ثم دخلت سنة ثلاثين من الهجرة النبوية:

- ‌ثم خلت سنة إحدى وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة أربع وثلاثين:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان:

- ‌ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان:

- ‌ذكر مجيء الأحزاب إلى عثمان للمرة الثانية في مصر:

- ‌ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان:

- ‌تعليقات

- ‌شرح مختصر لأسباب الفتنة في اجتهادي:

- ‌1 - ظهور الورع الجاهل:

- ‌2 - تآمر الحاقدين:

- ‌3 - طموح الطامحين:

- ‌4 - العفوية:

- ‌5 - عدم مراعاة الرأي العام السائد:

- ‌على بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة:

- ‌ثم دخلت سنة تسع وثلاثين:

- ‌ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:

- ‌صفة مقتله رضي الله عنه:

- ‌تعليقات

- ‌عبد الله بن الزبير رضي الله عنه

- ‌تعليقات

- ‌الوصل الثالثفينماذج من أصحابه

- ‌تمهيد

- ‌1 - أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌2 - طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

- ‌3 - الزبير بن العوام رضي الله عنه

- ‌4 - عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه

- ‌5 - سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌6 - سعيد بن زيد رضي الله عنه

- ‌7 - زيد بن حارثة حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه رضي الله عنه

- ‌8 - أسامة بن زيد الحِبُّ بن الحِبُّ رضي الله عنه

- ‌9 - عمار بن ياسر رضي الله عنه

- ‌10 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

- ‌11 - أبو ذر الغفاري رضي الله عنه

- ‌12 - حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما

- ‌13 - سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌14 - عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

- ‌15 - بلال بن رباح رضي الله عنه

- ‌16 - أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌17 - أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه

- ‌18 - المقداد بن عمرو (المشهور بابن الأسود) رضي الله عنه

- ‌19 - أبو قتادة الأنصاري السلمي رضي الله عنه

- ‌20 - سلمان الفارسي رضي الله عنه

- ‌21 - عبد الله بن قيس (المشهور بأبي موسى الأشعري) رضي الله عنه

- ‌22 - عبد الله بن سلام رضي الله عنه

- ‌23 - جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

- ‌24 - 25 - جابر بن عبد الله وأبوه عبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌26 - البراء بن مالك رضي الله عنه

- ‌27 - أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌28 - ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلموخطيب الأنصار

- ‌29 - أبو هريرة رضي الله عنه

- ‌30 - حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌31 - جليبيب رضي الله عنه

- ‌32 - حارثة بن سراقة رضي الله عنه

- ‌33 - قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما

- ‌34 - خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌35 - عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌36 - أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌37 - معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما

- ‌38 - عباد بن بشر رضي الله عنه

- ‌39 - ضماد رضي الله عنه

- ‌40 - عدي بن حاتم رضي الله عنه

- ‌41 - ثمامة بن أثال رضي الله عنه

- ‌42 - عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه

- ‌43 - خباب بن الأرتِّ رضي الله عنه

- ‌44 - سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما

- ‌45 - عامر بن ربيعة رضي الله عنه

- ‌46 - عبد الله بن جحش رضي الله عنه

- ‌47 - صهيب بن سنان رضي الله عنه

- ‌48 - عثمان بن مظعون رضي الله عنه

- ‌49 - معاذ بن جبل رضي الله عنه

- ‌50 - عمرو بن الجموح رضي الله عنه

- ‌51 - حارثة بن النعمان رضي الله عنه

- ‌52 - عبد الله بن رواحة رضي الله عنه

- ‌53 - عبد الله بن عبد الله بن أبي رضي الله عنه

- ‌54 - قتادة بن النعمان رضي الله عنه

- ‌55 - عبادة بن الصامت رضي الله عنه

- ‌56 - خزيمة بن ثابت رضي الله عنه

- ‌57 - خالد بن زيد المشهور بأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه

- ‌58 - زيد بن ثابت رضي الله عنه

- ‌59 - سلمة بن الأكوع رضي الله عنه

- ‌60 - أبو الدرداء رضي الله عنه

- ‌61 - عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه

- ‌62 - عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه

- ‌63 - أبو زيد عمر بن أخطب رضي الله عنه

- ‌64 - أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه

- ‌65 - عبد الله بن بسر رضي الله عنه

- ‌66 - السائب بن يزيد رضي الله عنه

- ‌67 - ورقة بن نوفل رضي الله عنه

- ‌68 - حكيم بن حزام رضي الله عنه

- ‌69 - قيس بن عاصم المنقري رضي الله عنه

- ‌70 - عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه

- ‌71 - عبد الله بن حذافة السهمي

- ‌72 - عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌73 - محمد بن مسلمة رضي الله عنه

- ‌74 - حسان بن ثابت

- ‌75 - حجر بن عدي رضي الله عنه

- ‌76 - عمران بن حصين رضي الله عنه

- ‌77 - سهيل بن عمرو رضي الله عنه

- ‌78 - أبو سعيدٍ الخدري رضي الله عنه

- ‌79 - المغيرة بن شعبة رضي الله عنه

- ‌80 - النجاشي رضي الله عنه

- ‌81 - أسيد بن حضير رضي الله عنه

- ‌82 - عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه

- ‌83 - أسعد بن زرارة رضي الله عنه

- ‌84 - أبو دجانة سماك بن خرشة الخزرجي رضي الله عنه

- ‌85 - أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما

- ‌86 - أم حرامٍ رضي الله عنها

- ‌87 - أمُّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها

- ‌88 - هند بنت عتبة رضي الله عنها

- ‌89 - نسيبةُ بنتُ كعب رضي الله عنها

- ‌90 - أم أيمن بركة بنت ثعلبة رضي الله عنها

- ‌91 - أم عطية الأنصارية رضي الله عنها

- ‌92 - أم سَلِيط رضي الله عنها

- ‌93 - بريرة مولاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌94 - الربيع بنت معوذ رضي الله عنها

- ‌95 - أسماء بنت عُميْس رضي الله عنها

- ‌تعليقات على هذا الباب

- ‌خاتمة القسم الأول

الفصل: ‌34 - خالد بن الوليد رضي الله عنه

‌34 - خالد بن الوليد رضي الله عنه

قال ابن حجر في الإصابة: خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي .. سيف الله أبو سليمان، أمه لبابة الصغرى بنت الحارث بن حرب الهلالية وهي أخت لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب وهما أختا ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان أحد أشراف قريش في الجاهلية، وكان إليه أعنة الخيل في الجاهلية، وشهد مع كفار قريش الحروب إلى عمرة الحديبية. كما ثبت في الصحيح أنه كان على خيل قريش طليعة ثم أسلم في سنة سبع بعد خيبر وقيل قبلها ووهم من زعم أنه أسلم سنة خمس. قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس عن حبيب حدثني عمرو بن العاص من فيه قال: خرجت عامداً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبل الفتح وهو مقبل من مكة فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: أذهب والله أسلم فحتى متى قلت وما جئت إلا لأسلم فقدمنا جميعاً فتقدم خالد فأسلم وبايع ثم دنوت فبايعته ثم انصرفت، ثم شهد غزوة مؤتة مع زيد بن حارثة فلما استشهد الأمير الثالث أخذ الراية فانحاز بالناس وخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعلم الناس بذلك كما ثبت في الصحيح وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة فأبلى فيها وجرى مع له بني جذيمة ما جرى، ثم شهد حنيناً والطائف وهدم العزى، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيحين وغيرهما. روى عنه ابن عباس وجابر والمقدام بن معدي كرب وقيس بن أبي حازم وعلقمة بن قيس وآخرون وأخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منزلاً فجعل الناس يمرون فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من هذا" فأقول فلان، حتى مر خالد فقال:"من هذا" قلت خالد بن الوليد فقال: "نعم عبد الله، هذا سيف من سيوف الله"، رجاله ثقات. وأرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أكيدر دومة فأسره، وعن أنس وعن عمرو بن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث خالداً إلى أكيدر دومة فأخذوه فأتوا به فحقن له دمه وصالحه على الجزية، وأرسله أبو بكر إلى قتال أهل الردة فأبلى في قتالهم بلاء عظيماً، ثم ولاه حرب فارس والروم فأثر فيهم تأثيراً شديداً،

ص: 1947

وافتتح دمشق. وروى يعقوب بن سفيان من طريق أبي الأسود عن عروة قال: لما فرغ خالد من اليمامة أمره أو بكر بالمسير إلى الشام فسلك عين النمر فسبى ابنة الجودي من دومة الجندل ومضى إلى الشام فهزم عدو الله واستخلفه أبو بكر على الشام إلى أن عزله عمر.

وقال ابن أبي الدنيا عن قتادة قال: بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد إلى العزى فهدمها وقال أبو زرعة الدمشقي حدثني علي بن عباس حدثنا الوليد حدثني وحشي عن أبيه عن جده أن أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على الكفار" وقال أحمد عن عبد الملك بن عمير قال: استعمل عمر أبا عبيدة على الشام وعزل خالد بن الوليد فقال خالد: بعث عليكم أمين هذه الأمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، فقال أبو عبيدة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة، وروى أبو يعلى من طريق الشعبي عن ابن أبي أوفي رفعه لا تؤذوا خالداً فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار.

عن أبي هريرة في قصة الصدقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خالداً احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله" وفي البخاري عن قيس بن أبي حازم عن خالد ابن الوليد قال: لقد اندق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما صبرت معي إلا صفيحة يمانية. وقال يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر: لما قدم خالد بن الوليد الحيرة أتى بسم فوضعه في راحته ثم سعى وشربه فلم يضره، رواه أبو يعلى ورواه ابن سعد من وجهين آخرين وروى ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح عن خيثمة قال: أتى خالد بن الوليد رجل معه زق خمر فقال: اللهم اجعله عسلاً فصار عسلاً. وفي روايه له من هذا الوجه: مر رجل بخالد ومعه زق خمر فقال: ما هذا؟ قال: خل. قال: جعله الله خلاً فنظر فإذا هو خل وقد كان خمراً. وقال ابن سعد عن زياد مولى آل خالد قال: قال خالد عند موته ما كان في الأرض من ليلة أحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبح بهم العدو فعليكم بالجهاد وروى أبو يعلى من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: قال خالد: ما ليلة يهدى إلي فيها عروس أنا لها محب أو أبشر فيها بغلام أحب إلي من ليلة شديدة

ص: 1948

الجليد، فذكر نحوه ومن هذا الوجه عن خالد: لقد شغلني الجهاد عن تعلم كثير من القرآن وكان سبب عزل عمر خالداً ما ذكره الزبير بن بكار قال: كان خالد إذا صار إليه المال قسمه في أهل الغنائم ولم يرفع إلى أبي بكر حساباً وكان فيه تقدم على أبي بكر يفعل أشياء لا يراها أبو بكر وأقدم على قتل مالك بن نويرة ونكح امرأته فكره ذلك أبو بكر وعرض الدية على متمم بن نويرة وأمر خالداً بطلاق امرأة مالك ولم ير أن يعزله، وكان عمر ينكر هذا وشبهه على خالد وكان أميراً عند أبي بكر بعثه إلى طليحة فهزم طليحة ومن معه ثم مضى إلى مسيلمة فقتل الله مسيلمة. قال الزبير: وحدثني محمد بن مسلم عن مسلم بن أنس قال: قال عمر لأبي بكر اكتب إلى خالد لا يعطي شيئاً إلا بأمرك فكتب إليه بذلك فأجابه خالد: إما أن تدعيني وعملي والإ فشأنك بعملك، فأشار عليه عمر بعزله فقال أبو بكر: فمن يجزئ عني إجزاء خالد، قال عمر: أنا. قال: فأنت، فتجهز عمر حتى أنييخ الظهر في الدار فمشى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بكر فقالوا: ما شأن عمر يخرج أنت محتاج إليه وما بالك عزلت خالداً وقد كفاك؟ قال: فما أصنع؟ قالوا: تعزم على عمر فيقيم وتكتب إلى خالد فيقيم على عمله، ففعل، فلما قبل عمر [أي الخلافة] كتب إلى خالد أن لا تعطي شاة ولا بعيراً إلا بأمري، فكتب إليه خالد بمثل ما كتب إلى أبي بكر فقال عمر: ما صدقت الله إن كنت أشرت على أبي بكر بأمر فلم أنفذه فعزله، ثم كان يدعوه إلى أن يعمل فيأبى إلا أن يخليه يفعل ما شاء، فيأبى عمر. قال مالك: وكان عمر يشبه خالداً قال الزبير: ولما حضرت خالداً الوفاة أوصى عمر فتولى عمر وصيته وسمع راجزاً يذكر خالداً فقال: رحم الله خالداً فقال له طليحة ابن عبيد الله:

لا أعرفنك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زودتني زادي

فقال عمر: إني ما عتبت على خالد إلا في تقدمه (1) وما كان يصنع في المال. مات خالد بن الوليد بمدينة حمص سنة إحدى وعشرين وقيل توفي بالمدينة النبوية. اهـ ابن حجر.

(1) إلا في تقدمه: كان يتقدم الناس في الحرب وهو القائد، وتلك مخاطرة.

ص: 1949

وقال ابن كثير في البداية والنهاية: خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي أبو سليمان المخزومي، سيف الله، أحد الشجعان المشهورين، لم يقهر في جاهلية ولا إسلام. وأمه عصماء بنت الحارث، أخت لبابة بنت الحارث، وأخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين. قال الواقدي: أسلم أول يوم من صفر سنة ثمان، وشهد مؤتة وانتهت إليه الإمارة يومئذ عن غير إمرة، فقاتل يومئذ قتالاً شديداً لم ير مثله، اندقت في يده تسعة أسياف، ولم تثبت في يده إلا صفيحة يمانية.

وقد روي أن خالداً سقطت قلنسوته يوم اليرموك وهو في الحرب فجعل يستحث في طلبها فعوتب في ذلك، فقال: إن فيها شيئاً من شعر ناصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنها ما كانت معي في موقف إلا نصرت بها.

وقد روينا في مسند أحمد (1) عن أبي بكر الصديق أنه لما أمر خالداً على حرب أهل الردة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فنعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين".

وفي الصحيح: (2)"وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً وقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله" وشهد الفتح وشهد حنيناً وغزا بني جذيمة أميراً في حياته عليه السلام، واختلف في شهوده خيبر وقد دخل مكة أميراً على طائفة من الجيش وقتل خلقاً كثيراً من قريش.

وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العزى -وكانت لهوازن -فكسر قمتها أولاً ثم دعثرها وجعل يقول: يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك. ثم حرقها وقد استعمله الصديق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال أهل الردة ومانعي الزكاة، فشفى واشتفى، ثم وجهه إلى العراق ثم أتى الشام فكانت له من المقامات ما ذكرناها مما تقر بها القلوب والعيون،

(1) أحمد في مسنده (1/ 8).

(2)

البخاري (3/ 331) 24 - كتاب الزكاة -49 - باب قول الله تعالى (التوبة: 60)(وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله).

ص: 1950

وتتشنف بها الأسماع، ثم عزله عمر عنها وولي أبا عبيدة وأبقاه مستشاراً في الحرب، ولم يزل بالشام حتى مات على فراشه رضي الله عنه.

وقد روى الواقدي قال: لما حضرت خالداً الوفاة بكى ثم قال: لقد حضرت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة سيف، أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء.

عن أنس قال: لقي خالد عدواً له فولى عنه المسلمون منهزمين وثبت هو وأخوه البراء ابن مالك، وكنت بينهما واقفاً، قال: فنكس خالد رأسه ساعة إلى الأرض ثم رفع رأسه إلى السماء ساعة -قال: وكذلك كان يفعل إذا أصابه مثل هذا -ثم قال لأخي البراء: قم فركبا، واختطب خالد من معه من المسلمين وقال: ما هو إلا الجنة وما إلى المدينة سبيل، ثم حمل بهم فهزم المشركين.

وقد روى البخاري في التاريخ وغيره عن ياسر بن سمي البرني، قال: سمعت عمر يعتذر إلى الناس بالجابية من عزل خالد، فقال: أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين فأعطاه ذا البأس، وذا الشرف واللسان، فأمرت أبا عبيدة. فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: ما اعتذرت يا عمر، لقد نزعت عاملاً استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعت لواء رفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغمدت سيفاً سله الله، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم. فقال عمر: إنك قريب القرابة، حديث السن مغضب في ابن عمك.

وعن خالد أنه طلق امرأة من نسائه وقال: إني لم أطلقها عن ريبة، ولكنها لم تمرض عندي ولم يصبها شيء في بدنها ولا رأسها ولا في شيء من جسدها، وروى سيف وغيره: أن عمر قال حين عزل خالداً عن الشام، والمثنى بن حارثة عن العراق: إنما عزلتهما ليعلم الناس أن الله نصر الدين لا بنصرهما وأن القوة لله جميعاً. وروى سيف أيضاً أن عمر قال حين عزل خالداً عن قنسرين وأخذ منه ما أخذ: إنك علي لكريم، وإنك عندي لعزيز، ولن يصل إليك مني أمر تكرهه بعد ذلك.

قال عبد الله بن المبارك: ولما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال: لقد طلبت القتل

ص: 1951

في مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي شيء أرجى عندي بعد لا إله إلا الله من ليلة بتها وأنا متترس والسماء تهلني تمطر إلى الصبح، حتى نغير على الكفار. ثم قال: إذا أنا مت فانظروا إلى سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله. فلما توفي خرج عمر على جنازته فذكر قوله: ما على آل نساء الوليد أن يسفحن على خالد من دموعهن ما لم يكن نقع أو لقلقة (1). وقد علق البخاري في صحيحه (2) بعض هذا فقال: وقال عمر: دعهن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة.

وقال محمد بن سعد: لما مات خالد بن الوليد اجتمع نسوة بني المغيرة في دار خالد يبكين عليه فقيل لعمر: إنهن قد اجتمعن في دار خالد يبكين عليه، وهن خلقاء أن يسمعنك بعض ما تكره، فأرسل إليهن فانهن، فقال عمر: وما عليهن أن ينزفن من دموعهن على أبي سليمان، ما لم يكن نقعاً أو لقلقة. ورواه البخاري في التاريخ من حديث الأعمش بنحوه.

وقال إسحاق بن بشر وقال محمد: مات خالد بن الوليد بالمدينة فخرج عمر في جنازته وإذا أمه تندبه وتقول:

أنت خير من ألف ألف من القو

م إذا كبت وجوه الرجال

فقال: صدقت والله إن كان لكذلك.

وقال سيف بن عمر عن شيوخه عن سالم. قال: فأقام خالد في المدينة حتى إذا ظن عمر أنه قد زال ما كان يخشاه من افتتان الناس به، وقد عزم على توليته بعد أن يرجع من الحج، واشتكى خالد بعده وهو خارج من المدينة زائراً لأمه فقال لها: احدروني إلى مهاجري، فقدمت به المدينة ومرضته، فلما ثقل وأظل قدوم عمر لقيه لاق على مسيرة ثلاث صادراً عن حجة فقال له عمر مهيم (أي مالك؟) فقال خالد بن الوليد: ثقيل لما به، فطوى عمر ثلاثاً في ليلة فأدركه حين قضى، فرق عليه واسترجع وجلس ببابه حتى جهز، وبكته البواكي، فقيل لعمر: ألا تسمع؟ ألا تنهاهن؟ فقال: وما على نساء قريش

(1) نقع: نثر التراب على الرأس، لقلقة: صوت.

(2)

البخاري (3/ 160) 23 - كتاب الجنائز -23 - باب ما يكره من النياحة على الميت.

ص: 1952

أن يبكين أبا سليمان؟ ما لم يكن نقع ولا لقلقة. فلما خرج لجنازته رأى عمر امرأة محرمة تبكيه وتقول:

أنت خير من ألف ألف من النا

س إذا ما كبت وجوه الرجال

أشجاع فأنت أشجع من ليث

ضمر بن جهم أبي أشبال

أجواد فأنت أجود من سيل

دياس يسيل بين الجبال

فقال عمر: من هذه؟ فقيل له: أمه. فقال: أمه وإلا له -ثلاثاً -وهل قامت النساء عن مثل خالد. قال: فكان عمر يتمثل في طيه تلك الثلاث في ليله وفي قدومه.

تبكي ما وصلت، به الندامى

ولا تبكي فوارس كالجبال

تمنى بعدهم قوم مداهم

فلم يدنوا لأسباب الكمال

وفي رواية أن عمر قال لأم خالد: أخالداً أو أجره ترزئين؟ عزمت عليك أن لا تبيني (1) حتى تسود يداك من الخضاب، وهذا كله مما يقتضي موته بالمدينة النبوية، وإليه ذهب دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي.

ولكن المشهور عن الجمهور أنه مات بحمص سنة إحدى وعشرين. زاد الواقدي: وأوصى إلى عمر بن الخطاب. وقد روى محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد وغيره قالوا: قدم خالد المدينة بعد ما عزله عمر فاعتمر ثم رجع إلى الشام، فلم يزل بها حتى مات في سنة إحدى وعشرين.

لما مات خالد بن الوليد قال عمر: رحم الله أبا سليمان، لقد كنا نظن به أموراً ما كانت. وقال جويرية عن نافع قال: لما مات خالد لم يوجد له إلا فرسه وغلامه وسلاحه.

قال أبو علي الحرنازي: دخل هشام بن البحتري في ناس من بني مخزوم على عمر بن

(1) عزمت عليك أن لا تبيني: عزمت عليك بعد أن تفارقيني أن تخضبى يديك لأن المرأة لا يحل لها أن تظهر الحزن أكثر من ثلاثة أيام على أحد إلا على زوجها.

تسود: أن تخضب يديها بالحناء إشارة إلى تركها الحزن على فقد خالد.

ص: 1953

الخطاب فقال له: يا هشام أنشدني شعرك في خالد. فأنشده فقال: قصرت في الثناء على أبي سليمان رحمه الله، إنه كان ليحب أن يذل الشرك وأهله، وإن كان الشامت به لمتعرضاً لمقت الله. ثم قال عمر: قاتل الله أخا بني تميم ما أشعره:

وقل للذي يبقى خلاف الذي مضى

تهيأ لأخرى مثلها فكأن قدي

فما عيش من قد عاش بعدي بنافعي

ولا موت من قد مات بمخلدي

ثم قال عمر: رحم الله أبا سليمان ما عند الله خير له مما كان فيه. ولقد مات سعيداً وعاش حميداً ولكن رأيت الدهر ليس بقائل (1). اهـ ابن كثير.

وقال الذهبي في ترجمته: سيف الله تعالى، وفارس الإسلام، وليث المشاهد، السيد الإمام الأمير الكبير، قائد المجاهدين، أبو سليمان القرشي المخزومي المكي، وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث.

هاجر مسلماً في صفر سنة ثمان، ثم سار غازياً، فشهد غزوة مؤتة واستشهد أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة: مولاه زيد، وابن عمه جعفر ذو الجناحين، وابن رواحة، وبقي الجيش بلا أمير، فتأمر عليهم في الحال خالد، وأخذ الراية، وحمل على العدو، فكان النصر، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم، سيف الله، فقال:"إن خالداً سيف سله الله على المشركين". وشهد الفتح وحنيناً، وتأمر في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، واحتبس أدراعه ولأمته في سبيل الله وحارب أهل الردة، ومسيلمة، وغزا العراق، واستظهر، ثم اخترق البرية السماوية بحيث إنه قطع المفازة من حد العراق إلى أول الشام في خمس ليال في عسكر معه، وشهد حروب الشام، ولم يبق في جسده قيد شبر إلا وعليه طابع الشهداء، ومناقبة غزيرة، أمره الصديق على سائر أمراء الأجناد، وحاصر دمشق فافتتحها هو وأبو عبيدة. اهـ الذهبي.

(1) رأيت الدهر ليس بقائل: من القيلولة، بمعنى أن الدهر لا يغفل عنه.

أقول: إن عمر كان يعرف قدر خالد ومقامه وليس مثل عمر يجهل الرجال كما أنه فوق أن يحمله غرض نفسي على عزل خالد ولكنه خشي أن يستشهد خالد وهو أمير فتهن معنويات المسلمين وترتفع معنويات الكافرين، وحتى تبقى قلوب المسلمين تتعلق بالله وتثق أن النصر منه جل جلاله فلا يداخلها نوع من الاعتماد على غير الله.

ص: 1954

2102 -

* روى الطبراني والبزار عن عبد الله بن أبي أوفى قال: شكا عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا خالد لا تؤذ رجلاً من أهل بدر، فلو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله" فقال: يقعون في فأرد عليهم. فقال: "لا تؤذوا خالداً فإنه سيف من سويف الله صبه الله على الكفار".

2103 -

* روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب" -وعيناه تذرفان -"حتى أخذها سيف من سيوف الله. حتى فتح الله عليهم".

2104 -

* روى البخاري عن قيس قال سمعت خالداً يقول: لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية.

2105 -

* روى أبو يعلى عن قيس بن أبي حازم قال: قال خالد بن الوليد: لقد منعني كثيراً من القراءة الجهاد في سبيل الله.

قال الذهبي: عاش ستين سنة وقتل جماعة من الأبطال: ومات على فراشه، فلا قرت أعين الجبناء.

توفي بحمص سنة إحدى وعشرين. ومشهده على باب حمص. الصحيح موته بحمص، وله مشهد يزار. ا. هـ.

وذكر الذهبي في السير (1) عن أبي العالية: أن خالد بن الوليد قال: يا رسول الله إن

2102 - المعجم الصغير: الروض الداني (1/ 348).

وكشف الأستار (3/ 266) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 349): رواه الطبراني في الصغير والكبير باختصار والبزار بنحوه ورجال الطبراني ثقات.

2103 -

البخاري (7/ 100) 62 - كتاب فضائل الصحابة -25 - باب مناقب خالد بن الوليد.

2104 -

البخاري (7/ 515) 64 - كتاب المغازي -44 - باب غزوة مؤتة من أرض الشام.

2105 -

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 350): رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.

(1)

السير (1/ 368) ورجاله ثقات ولكنه مرسل. وأخرج أحمد الدعاء في مسنده (3/ 419) عن عبد الرحمن بن خنيس التميمي بإسناد صحيح.

ص: 1955

كائداً من الجن يكيدني، قال:"قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ذرأ في الأرض، وما يخرج منها، ومن شر ما يعرج في السماء وما ينزل منها، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن" ففعلت فأذهبه الله عني.

2016 -

* روى الطبراني عن عمرو بن العاص قال: ما عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم بي وبخالد ابن الوليد أحداً منذ أسلمنا في حربه.

2107 -

* روى أحمد عن الزهري قال: وكان عبد الرحمن بن الأزهر يحدث أن خالد ابن الوليد بن المغيرة خرج يومئذ وكان على الخيل خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن الأزهر: قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما هزم الله الكفار ورجع المسلمون إلى رحالهم يمشي في المسلمين ويقول: "من يدل على رحل خالد بن الوليد" قال: فمشيت أو قال فسعيت بين يديه وأنا محتلم أقول من يدل على رحل خالد حتى حللنا على رحله فإذا خالد بن الوليد مستند إلى مؤخرة رحله فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى جرحه. قال الزهري: وحسبت أنه قال: ونفث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2108 -

* روى البخاري عن سالم عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر. ودفع إلى كل رجل منا أسيره. حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره. حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال:"اللهم أني أبرأ إليك مما صنع خالد" مرتين.

2109 -

* روى ابن سعد عن هشام بن عروة: عن أبيه قال: كان في بني سليم ردة، فبعث أبو بكر إليهم خالد بن الوليد فجمع رجالاً منهم في الحظائر، ثم أحرقهم، فقال عمر

2106 - قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 350): رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات.

2107 -

أحمد في مسنده (4/ 88) وإسناده صحيح.

2108 -

البخاري (8/ 56) 64 - كتاب المغازي -58 - باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة.

2109 -

الطبقات الكبرى: ورجاله ثقات، لكنه مرسل.

ص: 1956

لأبي بكر: أتدع رجلاً: يعذب الله؟ قال: والله لا أشيم (1) سيفاً سله الله على عدوه، ثم أمره، فمضى إلى مسيلمة.

* * *

(1) أشيم: أغمد.

ص: 1957