الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني والثمانون:
(82)
يا ليتما أمَّنا شالت نعامتها
…
أيما إلى جنَّة أيما إلى نار
على أنَّ أمَّا الثانية قد تكون بغير واو العطف، كما نقل الدماميني عن المصنف في حواشيه على "التسهيل" عند قوله: وربَّما استغني عن واو أما، لا أحفظ ذلك إلا مع تخفيف كلمة أمّا بالبدل، نحو:
لا تفسدوا آبالنا
…
أيما لنا أيما لكم
يا ليتما أمَّنا شالت نعامتها
…
. . . . البيت
انتهى وقول المصنف: وفيه شاهد ثان، وهو فتح الهمزة، قال الرّضي في شرح "الكافية" ويرى:"أيما إلى جنّة" وهي لغة في أمّا. وقال ابن جني في "إعراب الحماسة": قوله: أيما إلى جنة، يدل على أنّ إبدال الراء والنون ياءين في "قيراط" و"دينار" ليس للكسرة، إنّما هو للإدغام، ألا ترى أنّ "أيما" قد أبدل فيها من ميم أمّا، ولا كسرة قبلها؟ انتهى. وكأن ابن بري لم يبلغه فتح الهمزة من "إمّا" المكسورة فاعترض على صاحب "الصحاح" في ذكره الفتح والكسر في "أيما"، فقال: صوابه "إيما" بالكسر، لأنّ الأصل "إمّا" فأمّا "أيما" فالأصل فيها "أمّا" وذلك في مثل قولك: أما زيد فمنطلق، بخلاف "إمّا" التي في العطف، فإنها مكسورة لا غير. انتهى. وإنكاره مردود بنقل الثِّقات.
فتلخَّص لنا في هذه الكلمة أن "أيما" بالفتح أصلها "أمّا" المفتوحة، وهي لغة في المكسورة، ووقع البدل في كل منهما، لكن كثر استعمال "أيما" بالفتح.
وقول المصنف: وثالث وهو الإبدال. قال الدماميني في "المزج" عند قول المصنف: وقد يبدل ميما الأولى ياءً، أي: مع فتح الهمزة وكسرها كما نص عليه غير واحد، لكنهم فيما رأيت لم يستشهدوا على الإبدال إلاّ مع فتح الهمزة انتهى. وفيه أن المراديَّ قال في شرح "التسهيل" حكي الإبدال مع كسر الهمزة وفتحها، فمثاله مع الكسر قوله:
يا ليتما أمنّا شالت نعامتها
…
. . . . . البيت
ومع الفتح قول أبي القمقام:
تنفِّحها أيما شمال عريَّة
…
وأيما صبًا جنح الظَّلام هبوب
رواه الفراء بالياء وفتح الهمزة. انتهى. وروى صاحب "الصحاح" البيت الشاهد بالفتح والكسر.
والبيت أوّل أبيات ثلاثة رواها المرزباني في كتاب "النساء والشواعر" قال: حدثنا محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني قال: [كانت] امرأة من عبد القيس بالبصرة، لما ابن يلقَّب النحيف من بني جذيمة، وكان شرّيرًا ضعيفًا، وكان بها عاقًا، فقال يهجوها:
يا ليتما أمَّنا شالت نعامتها
…
أيما إلى جنَّة أيما إلى نار
تلتهم الوسق مشدودًا أشظَّته
…
كأنّما وجهها قد سفع بالقار
خرقاء بالخير لا تهدى لوجهته
…
وهي صناع الأذى في الأهل والجار
وكانت تعظه فلا يتَّعظ، فقالت:
حذار بنيَّ البغي لا تقربَّنه
…
حذار فإنَّ البغي وخم مراتعه
وعرضك لا تمذل بعرضك إنَّني
…
وجدت مضيع العرض تلحى طبائعه
وكم قدر رأينا الدهر غادر باغيًا
…
بمنزله ضاقت عليه مطالعه
فلم يزل به شرُّه حتى وثب على ابن عمّ له، فحطأ به ابن عمه الأرض فدقَّ عنقه فمات. فقالت كالشامتة:
مازال ذو البغي شديدًا هبصه
…
يطلب من يقهره ويهصه
ظلمًا وبغيًا والبلاء ينشصه
…
حتى أتاه قرنه فيقصه
فقاد عنه خاله وعرصه
انتهى ما أورده المرزباني. ونسب السيوطيُّ ما نقلناه عن المرزباني إلى ثعلب في "أماليه" وقد راجعتها مرارًا فلم أجد شيئًا من ذلك فيها مع أن نسختي "أمالي ثعلب" نسخته وعليها خطُّه بالملكيَّة وغيرها، والله تعالى أعلم.
وقد روى أبو تمَّام هذه الأبيات الثلاثة في "حماسته" مع قطعة جيدة من شعر أمَّه تأمره بترك طلاق زوجته، وصبره على جورها حتى يقضي الله تعالى بموتها، وكانت قبل أن يتزوجها نهته عنها فغضب، وهجاها بتلك الأبيات. وذكر اسم النحيف قال: هو سعد بن قرط أحد بن جذيمة، وكأبي تمام صنع الأعلم في "حماسته" وقد نقلت ما أورده أبو تمام وشرحته في الشاهد التسعمائة من شواهد المحقق الرضي، وهنا اقتصرنا على رواية المرزباني.
وقوله: يا ليتما أمنا الخ. يا: حرف تنبيه، وأمنا: اسم ليتّ، وجملة:"شالت نعامتها" في محل [رفع] خبرها. وشالت: ارتفعت، قال ابن الأنباري: في شرح "المفضليات": النعامة: الشخص، وشخص كل شيء نعامته، انتهى، وهذا كناية عن الموت، ويقال أيضًا: شالت نعامتهم بمعنى: ذهب عزُّهم، واختلفت كلمتهم، وتفرق أمرهم، قال ذو الإصبع:
أزرى بنا أنَّنا شالت نعامتنا
…
فخالني دونه وخلته دوني
وقال السهيليّ في "الرَّوض الأنف": العرب تضرب "زوال النعامة" مثلًا في الفرار، وتقول: شالت نعامة القوم: إذا فرُّوا أو هلكوا، قال الشاعر:
يا ليتما أمنا شالت نعامتها
…
البيت.
وقال أمية:
اشرب هنيئًا فقد شالت نعامتهم
والنعامة في اللغة: باطن القدم، ومن مات فقد شالت رجله، أي: ارتفعت وظهرت نعامته، والنعامة أيضًا: الظُّلمة، فيجوز أن يكون قوله: زالت نعامتهم منه، كما يقال: زال سواده، وضحا ظله: إذا مات، وجائز أن يكون: ضرب النعامة مثلًا، والعرب تقول: أشرد من نعامة وأنفر من نعامة، فمعناه: نفرت نفسه التي هي كالنعامة في شرودها، هذا كلامه.
وقوله: تلتهم الوسق الخ، التهمه: ابتلعه بمرة، والوسق: حمل بعير، والأشظة: جمع شظاظ بالكسر، وهو حشبة عقفاء تجعل في عروق الجو القين، وسفع: بالبناء للمجهول، لكنه سكَّن الفاء ضرورة، من سفع السَّموم أو النار وجهة: إذا أصابه فغيره إلى السواد، وسفعه: ضربه. والقار: الزِّفت. والخرقاء: المرأة التي لا تحسن عمل شيء، والصناع، بفتح الصاد: المراة الحاذقة بعمل اليدين.
وقولها: حذار: اسم فعل أمر بمعنى احذر، والوخم: الثقيل الذي لا يهضم، وعرضك: منصوب بالعطف على اسم "إن" ولا تمذل، من باب نصر: لا تسمح، وكان القياس أن تقول: لا تمذل به، لكن جاءت به ظاهرًا تفخيمًا، وتلحى: تلام، وحطا، بمهملتين، أي: صرعه. والهبص: مصدر هبص، من باب فرح، : عجل وهبص على الشيء بأكله فقلق لذلك، ويهصه: مضارع وهصه وهصًا، وهو شدة كسر الشيء الرَّخو، وشدة الوطء، والرَّمي العنيف، والشَّدخ، وينشصه: مضارع نشصه: إذا طعنه، من باب كتب، ويقصه مضارع وقصه وقصًا، أي: دقَّ عنقه، والقرن، بالكسر: المثل في الخصومة والحرب. فقاد عنه خاله، أي: اقتصَّ خاله من القاتل بالقود نيابة عنه، وقولها: وعرصه، لم أفهم معناها. وقال السيوطي: العرص بالتحريك: النشاط.
قال التبريزي: والنُّحيف: مصغر ترخيم نحيف، واسمه سعد بن قرط، بضم القاف وسكون الراء وآخره طاء مهملة، أحد بني جذيمة، وصحف ابن الملا ثلاثة أسماء، فقال: سعد بن قرظ – بفتحتين ومعجمتين بينهما مهملة – الملقب بالتُّحيت الخدري. انتهى، ومن خطه نقلت.