الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وترجمة لبيد تقدمت في الإنشاد الواحد والستون.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس بعد المائة:
(105)
وكلُّ أخ مفارقه أخوه
…
لعمر أبيك إَّلا الفرقدان
على أنه من قبيل الشاذ عند ابن الحاجب، فإنه شرط في وقوع "إلا" صفة أن يتعذر الاستثناء، وفي البيت وقعت "إلا" صفة، مع أنه يجوز نصب الفرقدين على الاستثناء، وعنده فيه أيضًا شذوذان آخران، أحدهما: وصف المضاف، والمشهور وصف المضاف إليه، وثانيهما: الفصل بين الصفة والموصوف بالخبر، وهو قليل. وكذا صاحب "اللب". ولا شذوذ في الأولين عند سيبويه قال: كأنه قال: وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه، إذا وصفت به كلا؛ كما قال الشماخ:
وكلُّ خليل غير هاضم نفسه
…
لوصل خليل صارم أو معارز
انتهى. وقال السيرافي: تقديره: وكل أخ إلا الفرقدان مفارقه أخوه. و"إلا": صفة لكل، ومفارقه: خبر، ولو كان صفة للأخ لقال: إلا
الفرقدين؛ لأن ما بعد "إلا" يعرب بإعراب غير الذي يقع موقعه، فالمرفوع: نعت كل، والمخفوض: نعت أخ. انتهى.
وقال صاحب "المقتبس": وفي البيت تخريج يتراءى لي غير بعيد عن الصواب، وهو أن يجعل قوله: مفارقه أخوه: صفة لكل، وساغ ذلك لكونه نكرة إذ إضافته لفظية، ثم يجعل إلا الفرقدان، خبرًا للمبتدأ الموصوف، ولا يخرج جعلها خبرًا عن الوصفية؛ لأن الخبر أيضًا صفة حقيقية، فتكون "إلا" في قوله تعالى:(إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)[الأنبياء/ 22] صفة نحوية، وفي البيت صفة معنوية، وبهذا الوجه يخرج الكلام عن تخلل الخبر بين الصفة والموصوف، وتقدير البيت على ما ذكرت: وكل أخ مفارق أخاه مغائر للفرقدين، أي: ليس على صفتهما، لأنهما لا يفترقان منذ كانا.
ورده السيد عبد الله في "شرح اللب" بقوله: ولا يجوز أن يجعل مفارقه: صفة، وإلا الفرقدان: خبرًا؛ حتى يتخلص من هذه الفسادات، كما يقيل: لفساد المعنى. انتهى. ووجهه أن المراد: الحكم على كل أخ بأنه مفارق أخاه في الدنيا سوى الفرقدين، فإنهما لا يفترقان إلا عند فناء الدنيا، وليس المعنى على ما ذكره، فإنه يقتضي بمفهومه: بأن كل أخ لا يفارق أخاه، مثل الفرقدين في اجتماع الشمل، وليس في الدنيا أخوان لا يفترقان؛ فتأمل.
ورأيت في هامش "شرح اللب" عند قوله: لفساد المعنى، أي: لعدم صحة المعنى، لأنه هو الإخبار بأن كل أخ مع أخيه سيفترق وصلهما إلا الفرقدان، فإنهما لا يفترق أحدهما عن الآخر، لا الإخبار بأن كل أخ مع أخيه المفارق منه مغائر للفرقدين. ولا شك أن المغايرة معلومة لا فائدة في الإخبار بها، لأن الخبر كالوصف في حق المعنى، فلا يخلو حينئذ عن الضعف. هذا ما رأيته، وهو ليس بشيء، إذ لا فساد في المعنى.
وفي البيت تخاريج غير ما ذكر سيبويه أوردتها في شرح الشاهد الأربعين بعد المائتين من شواهد الرضي، وقد كنت ذكرت هناك تخريجًا ظننت أني غير مسبوق به، وهو أن تكون "إلا" للاستثناء، والفرقدان منصوب بعد تمام الكلام الموجب، لكنه منصوب بفتحة مقدرة على الألف على لغة من يلزم المثنى الألف في الأحوال الثلاثة، وهي لغة بني الحارث بن كعب، ثم رأيته الآن مذكورًا في شرح ابن وحيي، نقله عن تعليقة الدمامبيني، وفي آخر كلامه: وهذا إنما يتأتى إذا كان الشاعر من أهل تلك اللغة، فحمدت الله تعالى.
قال الغالي في "شرح اللباب": البيت يحتمل وجوهًا من الإعراب:
أحدها: أن يكون "كل": مبتدأ، و"مفارقه": خبره، و"أخوه": فاعل مفارقه.
الثاني: أن يكون "كل" مبتدأ، و"ومفارقه": مبتدأ ثانيًا، و"وأخوه": خبره، والجملة خبر الأول.
الثالث: أن يكون "كل" مبتدأ، و"وأخوه": مبتدأ ثانيًا، و"ومفارقه": خبره، والجملة خبر الأول.
الرابع: أن يكون "كل": مبتدأ، و"مفارقه": بدلًا منه، و"أخوه": خبر كل، أي: مفارق كل أخ أخوه.
الخامس: أن يكون "مفارقه" بدلًا من "كل" و"أخوه" مبتدأ و"كل أخ مفارقه": خبر مقدم. انتهى.
وقوله: لعمر أبيك: مبتدأ خبره محذوف، تقديره: قسمي، والجملة معترضة، واللام للتأكيد.
والبيت نسبه سيبويه، والجاحظ في "البيان" والمبرد في "الكامل"، وغيرهم، إلى عمرو بن معدي كرب الصحابي، ولم أره في ديوانه. ونسبه غير هؤلاء إلى حضرمي بن عامر الأسدي الصحابي أيضًا.
قال الآمدي في "المؤتلف والمختلف": حضرمي بن عامر: شاعر فارس. سيد من بني أسد، وله في كتاب بني أسد أشعار وأخبار حسان، وهو القائل:
ألا عجبت عميرة أمس لمَّا
…
رأت شيب الذُّؤابة قد علاني
تقول أرى أبي قد شاب بعدي
…
وأقصر عن مطالبة الغواني
وكلُّ قرينة قرنت بأخرى
…
ولو ضنَّت بها ستفرَّقان
وكلُّ أخ مفارقه أخوه
…
لعمر أبيك إَّلا الفرقدان
ونقل السيوطي من غير روايته أكثر من هذه الأبيات. والذؤابة: الخصلة.