الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتهى. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب "أيام العرب": لما تنبأت سجاح، واتبعها بشر كثير من بني تغلب، والنمر، وبني تميم، وكان الهذيل ممن تبعها، فلما هزمتها الرباب يوم النباح، وهرب الهذيل، كر على نعم لبني يربوع، فمر بها قبل أرض بني تغلب، فمر بسفار، وعليها أهلها من بني مازن، فنفرت طائفة منهم، وبقيت طائفة على الماء، فجعل أعوان الهذيل يوردون تلك الإبل قطعة قطعة حياض سفار فتشرب، ثم تصدر وترد أخرى، والهذيل قاعد على سفير سفار، فلما تشاغل من معه، ورأى منه حباشة غرة، استدبره بسهم فأقصده، وخر في الركية، وهالوا عليه إلى اليوم. وقال الفرزدق:
متى تردن يومًا سفار تجد بها
وترجمة الفرزدق تقدمت في الإنشاد الثاني من أول الكتاب.
وأنشد بعده:
من يفعل الحسنات الله يشكرها
تمامه:
والشَّرُّ بالشَّرِّ عند الله مثلان
وتقدم شرحه في الإنشاد الثمانين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والثلاثون بعد المائة:
(135)
ونحن عن فضلك ما استغنينا
على أن "عن" متعلقة باستغنينا لضرورة الشعر، لأن ما النافية لا يعمل
ما بعدها فيما قبلها، لأن لها الصدر كإن النافية دون لا ولم ولن.
وهذا البيت من رجز لعامر بن الأكوع الصحابي، روى البخاري في غزة خيبر من "صحيحه" عن سلمة بن الأكوع، رضي الله تعالى عنه، قال: خرجنا مع النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، إلى خيبر فسرنا ليلًا، فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر، ألا تسمعنا من هنيَّاتك، وكان عامر رجلًا شاعرًا، فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللهمَّ لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا
فاغفر فداءً لك ما أبقينا
…
وثبِّت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينةً علينا
…
إنَّا إذا صيح لنا أتينا
وبالصِّاح عوَّلوا علينا
قال ابن حجر في شرحه: ووقع في رواية إياس بن سلمة عن أبيه عند أحمد في هذا الرجز من الزيادة:
إنَّ الَّذين قد بغوا علينا
…
إذا أرادوا فتنةً أبينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا
وهذا القسم الأخير عند مسلم أيضًا.
وقوله: اللهم لولا أنت؛ فيه زحاف الخزم – بمعجمتين – وهو زيادة سبب
خفيف في أوله.
وأكثر هذا الرجز قد تقدم في الجهاد من حديث البراء بن عازب، وأنه من شعر عبد الله بن رواحة، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا منه، بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر، أو استعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة.
وقوله: فداء لك ما أبقينا، استشكل هذا الكلام لأنه لا يقال في حق الله تعالى، إذ معنى فداء لك: نفيدك بأنفسنا، وحذف متعلق الفداء للشهرة، وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء، وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد ظاهرها، بل المراد بها المحبة والتعظيم، مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ. وقيل: المخاطب بهذا الشعر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فالمعنى لا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقك ونصرك، وعلى هذا فقوله: اللهم، لم يقصد بها الدعاء، وإنما افتتح بها الكلام، والمخاطب بقوله: أنت، النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ويعكر عليه قوله بعد ذلك:
فأنزلن سكينةً علينا
…
وثبِّت الأقدام إن لاقينا
فإنه دعاء لله تعالى، ويحتمل أن يكون المعنى: فاسأل ربك أن ينزل ويثبت، والله أعلم.
وأما قوله: ما أبقينا؛ معناه: ما تركنا من الأوامر، و"ما" ظرفية.
وللأصيلي والنسفي: أبقينا، أي: خلفنا وراءنا مما اكتسبناه من الآثام، أو ما أبقينا وراءنا من الذنوب، فلم نتب منه. وللقابسي ما لقينا، والمعنى: ما وجدنا من المناهي، وروي:"ما اقتفينا" أي: تبعنا من الخطايا، من قفوت الأمر: إذا تبعته، وكذا لمسلم.
وقوله: إنا إذا صيح بنا أتينا، أي: جئنا إذا دعينا للقول، أو إلى الحق، وروي بالموحدة، فالمعنى: إذا دعينا إلى غير الحق امتنعنا. وقوله: وبالصياح عولوا علينا، أي: قصدونا بالدعاء بالصوت العالي، واستعانوا علينا، تقول: عولت على فلان، وعولت بفلان، بمعنى استعنت به، وقال الخطابي: المعنى: أجلبوا علينا بالصوت، وهو من العويل. انتهى كلام ابن حجر.
وقد جاء هذا الرجز في غزوة الخندق أيضًا منسوبًا إلى عبد الله بن رواحة، ويأتي - إن شاء الله تعالى - بقية الكلام عليه في حرف النون من هذا الكتاب، فإنه قد استشهد فيه بقوله:
وأنزلن سكينةً علينا
تبعًا لسيبويه وغيره. وعامر بن الأكوع: هو عم سلمة بن الأكوع، واسم الأكوع سنان، قال ابن عبد البر في "الاستيعاب": هو عامر بن سنان الأنصاري، عم سلمة بن الأكوع، وسنان هو الأكوع، استشهد عامر بن سنان يوم خيبر، وعن عكرمة بن عمار، قال: حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع قال: أخبرني أبي، قال: لما خرج عمي عامر بن سنان إلى خيبر مع رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، جعل يرتجز بأصحاب رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، وفيهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فجعل يسوق الركاب وهو يقول:
تالله لولا الله ما اهتدينا
…
ولا تصدَّقنا ولا صلّينا
إنَّ الَّذين قد بغوا علينا
…
إذا أرادوا فتنة أبينا
ونحن من فضلك ما استغنينا
…
فثِّبت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينةً علينا
فقال رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم: من هذا؟ قالوا: عامر يا رسول الله، قال: غفر لك ربك. قال: وما استغفر لإنسان قط، يخصه بالاستغفار، إلا استشهد، قال: فلما سمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، قال: يا رسول الله، لو متعتنا بعامر! فاستشهد يوم خيبر.