الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كريم، ولا يتربى إلا في موضع كريم، كما لا ينبت القناة إلا القناة، ولا ينبت النخل في غير مغارسه، فضرب ذلك مثلًا لأنهم كرماء أولاد كرماء، وهو غاية في البلاغة. وترجمة زهير تقدمت في الإنشاد الخمسين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والأربعون بعد المائة:
(143)
قد سقيت آبالهم بالنَّار
تمامه:
والنَّار قد تشفي من الأوار
على أن اباء للسببية. والمراد بالنار في الموضعين: الوسم، وهو الداغ والكيّ، وهو من كان له من السادات إبل وغيرها، جعل له سمة وعلامة، وتصنع له من حديد، وتحمى في النار حتى تحمر، فتكوى بها الدابة حتى تؤثر في لحمها، وتبقى معروفة بعلامة أصحابها. يقول: إن أصحاب هذه الإبل كانوا سادة في العرب، وكان لإبلهم وسم معروف، فإذا وردت الماء، عرف الناس ذلك الوسم فأفرجوا لها حتى تشرب إكرامًا لأربابها، فكانت التي تصنع بها ذلك الوسم فيها سببًا لتمكينها من الماء، وهذا معنى قوله: قد سقيت آبالهم بالنار.
وقوله: والنار قد تشفي من الأوار؛ يعني أن ذلك الوسم قد شفى الإبل. من حرارة العطش، والأوار، بضم الهمزة: حرارة العطش، قال العسكري: وإسماعيل الموصلي في "أوائلهما": قرب بعض اللصوص إبلًا لبيع، فقيل له: ما نارك؟ وكان أغار عليها من كل وجه، وإنما سئل عن ذلك لأنهم يعرفون ميسم كل يوم، وكرم إبلهم من لؤمها، فقال:
تسألني الباعة أين نارها
…
إذ زعزعتها فسمت أبصارها
كل نجار إبل نجارها
…
وكلُّ لأناس دارها
وكلُّ نار العالمين نارها
انتهى. وقال الصاغاني في "العباب": النار أيضًا: السمة، يقال: ما نار هذه الناقة، أي: ما سمتها. وفي المثل: "نجارها نارها" أي: إذا رأيت نارها عرفت نجارها، أي: أصلها، قال:
لا تنسبوها وانظروا ما نارها
وقال آخر:
قد سقيت آبالهم بالنّار
…
والنار قد تشفي من الأوار
ويروى:
وقد سقوا آبالهم بالنّار
أي: لما رأى أصحاب الماء سماتها، علموا أنها لمن هي، فسقوها لعزّهم ومنعتهم؛ يضرب في شواهد الأمور الظاهرة التي تدل على علم باطنها.
وسرق أعرابي إبلًا فأدخلها السوق، فقالوا له: من أين لك هذه الإبل: فقال:
تسألني الباعة أين دارها
…
إذ زعزعوها فسمت أبصارها
فقلت رجلي ويدي قرارها
…
كلُّ نجار إبل نجارها
وكلُّ نار العالمين نارها
انتهى. يقول: اختلف سماتها لأن أربابها من قبائل شتى، فأغير على سرح كل قبيلة، واجتمعت عند من أغار عليها، فعليها سمات تلك القبائل كلها. والنجار، بكسر النون بعدها جيم: الأصل.