الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في عنفوان شبابه حائكًا، وقيل سقاء، ثم قال الشعر فعلا ذكره وانتشر أمره.
قال المبرد: جيد شعره أحسن من شعر البحتري، والبحتري أحسن منه استواء. وكان أبو حيان يتعصب له، فإذا عيب عليه شيء قال: أنا لا أسمع لومًا في حبيب. وكان شعره غير مرتب، فرتبه الصولي على الحروف، ثم رتبه علي بن حمزة الأصبهاني على أنواع الشعر. وعندي من شروحه شرح الإمام المرزوقي، وشرح الإمام محمد الصولي، وشرح أبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي، وشرح المبارك بن المستوفى الإربلي المسمى "بالنظام". وشرحه المعري، وسمى شرحه "ذكرى حبيب" وفسر غريبه القالي، وليسا عندي، وأرجو من الله تعالى تيسيرهما لي بمنه وكرمه.
[إذ]
وأنشد في "إذ"، وهو الإنشاد الثامن عشر بعد المائة:
(118)
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم
…
إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر
على أن "إذ" في الموضعين للتعليل. واستشهد سيبويه بالبيت على أن بعض الناس ينصب مثلهم خبرًا لما، وبشر اسمها. قال: وهذا لا يكاد يعزف، كما أن (لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ)[ص/3] كذلك، ورب شيء كذا. قال السيرافي: يعني أن نصب مثلهم على تقدير الخبر قليل، كما أن (لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ) بالرفع لا يكاد يعرف. انتهى.
وقد رد المبرد على سيبويه بأن الفرزدق تميمي، وهم يرفعون الخبر مؤخرًا فكيف ينصبونه مقدمًا؟ !
قال النحاس: سألت أبا إسحاق عما قهل المبرد فقال: إنه لعمري من بني تميم، ولكنه مسلم قد قرأ القرآن، وقرأ فيه:(مَا هَذَا بَشَرًا)[يوسف/ 31] وقرأ (مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ)[المجادلة/ 2] فرجع إلى لغة من ينصب؛ فلا معنى للتشنيع بأنه من بني تميمي. انتهى.
وأقول: من ينصب الخبر لا ينصبه مع تقدمه، فلا يصح هذا جوابًا. وقيل: أراد الفرزدق أن يتكلم بلغة الحجاز فغلط، وهذا كما قيل: الخارج عن لغته لحان. وأجيب بأن الغربي لا يغلط في اللفظ، وإنما يجوز أن يغلط في المعنى.
ورد ابن ولاد على المبرد بأن الرواة قد تغير البيت على لغتها، وترويه على مذهبها، ولذلك كثرت الروايات في البيت الواحد، ألا ترى أن سيبويه قد يستشهد ببيت واحد لوجوه شتى؟ ! وإنما ذلك على حسب ما غيرته الرواة بلغاتها، لأن لغة الراوي من العرب شاهد، كما أن قول الشاعر شاهد إذا كانا فصيحين، فمن ذلك ما أنشده سيبويه:
بدا لي أنِّي لست مدرك ما مضى
…
ولا سابق شيئًا إذا كان جائيا
ورواه أيضًا: "ولا سابقًا" في موضع آخر. انتهى. وأقول: بيت الفرزدق ليس على لغة الحجاز، ولا على لغة تميم وغيرها، فكيف يكون من قبيل لغة الراوي.
وقال بعضهم: مثلهم ليس خبرًا لما، وإنما هو خبر للمبتدأ مرفوع، لكنه بني على الفتح لإضافته إلى مبني، فإن المضاف إذا كان مبهمًا كغير، ومثل، ودون، وأضيف إلى مبني، بني كقوله تعالى:(إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)[الذاريات/ 23]
فيمن فتح مثلًا، وكقراءة بعضهم (أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ)[هود/ 89] بالفتح، وهذا أقرب الأقوال. وقيل غير ما ذكرنا، وقد بسطنا القول في هذا في الشاهد الرابع والسبعين بعد المائتين من شواهد الرضي:
والبيت من قصيدة للفرزدق، مدح بها عمر بن عبد العزيز لما كان واليًا بالمدينة المنورة، وقبله:
سيروا فإنَّ ابن ليلى عن أمامكم
…
وبادروه فإنّ العرف يبتدر
إلى أن قال مخاطبًا له:
وما أعيد لهم حتّى أتيتهم
…
أزمان مروان إذ في وحشها غرر
فأصبحوا قد أعاد الله دولتهم
…
البيت
ابن ليلى: هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاصي ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. وليلى أمه، وهي بنت عاصم بن عمر ابن الخطاب، رضي الله تعالى عنه.
والمبادرة: المسارعة، والعرف بالضم: المعروف، وأزمان: نائب فاعل أعيد، وضمير وحشها: للمدينة المنورة. والغرر: جمع غرة – بكسرهما – وهي الغفلة، يريد: أن وحشها لا يذعرها أحد، فهي في غرة من عيشها، قال: هو في غرة من العيش؛ إذا كان في عيش لا كدر فيه ولا خوف. يقول: ما أعيد لأهل المدينة، ولمن بها من قريش، أزمان مثل أزمان جدك مروان في الخصب والسعة، حتى وليت أنت عليهم، فعاد عليهم مثل ما كانوا فيه من الخير حين كان مروان واليًا عليهم، فأصبحوا، بولايتك عليهم، قد أعاد الله نعمتهم عليهم. وترجمة الفرزدق تقدمت في الإنشاد الثاني من أول الكتاب.