الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من غير الدهر. وقوله: أريهم: في موضع الحال، أبان أنه يتصبر للأعداء، وإن كان مفجوعًا بالأبناء مظهرًا لهم أنه لا يخضع لما نابه.
وحكي أن الحسن بن علي، عليهما السلام، عاد بعضهم، فلما طلب الإذن له عليه، أمر بأن ينصب في فراشه، وأخذ ينشد عند دخوله: وتجلدي للشامتين .. البيت، فلم يلبث الحسن أن قام وأخذ ينشد:
وإذا المنية أنشبت أظفارها
…
البيت
فاستحسن ذلك لكونهما من قصيدة واحدة. انتهى.
وقوله: والنفس راغبة
…
البيت، قال المرزوقي: حكى الباهلي عن الأصمعي أنه قال: هذا أبرع بيت، وأبدع بيت قالته العرب. والمعنى: أن النفس إنما ترغب بحسب بسطك من رجائها، فأما إذا وقفتها على النزر اليسير، ورددتها إلى التافه القليل، فإنها ترضى به وتعف، وتكتفي بنيله وتكف، وهذا غاية الرضى بالمقسوم، ونهاية التسلي عن المرتجع المسلوب. انتهى.
وقوله: كم من جميع الشمل
…
البيت، قال المرزوقي: هذا البيت لم يعرفه الأصمعي وغيره من البصريين.
وترجمة أبي ذويب الهذلي تقدمت في الإنشاد الخامس من أول الكتاب.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والعشرون بعد المائة:
(129)
إذا باهليُّ تحته حنظلية
…
له ولد منها فذاك المذرَّع
على أن التقدير: إذا كان باهلي، وكان تامة.
والبيت من قصيدة للفرزدق، وبعده:
ذراع بها لؤم وأخرى كريمة
…
وما يصنع الأقوام ما الله واضع
غلام أتاه اللؤم من شطر عمّه
…
له مسمع واف واخر أجدع
الباهلي: منسوب إلى باهلة، قال الصاغاني في "العباب": وباهلة: قبيلة من قيس عيلان، وهي في الأصل امرأة من همدان، كانت تحت معن بن أعصر ابن سعد بن قيس عيلان، فنسب ولده إليها.
وقولهم: باهلة بن أعصر، إنما هو كقولهم: تميم بنت مر؛ فالتذكير للحي، والتأنيث للقبيلة، سواء كان الاسم في الأصل لرجل أو امرأة. وقال ابن الكلبي: ولد مالك بن أعصر سعد مناة، أمه باهلة بنت صعب بن سعد العشيرة من مذحج، ومعنًا، وأمه هند بنت شباب بن عبد الله بن غطفان، فولد معن أودًا وجئاوة – قال عباس: جاوة، بغير همز، وجعاوة – وأمها باهلة، خلف عليها باهلة بعد أبيه، وشيبان وهو فرّاص وزيدًا، وهو لحيان، وواثلًا والحارث، وهو ليل، وحربًا ووهيبة وعمرا، وأمهم أرنب بنت شمخ بن فزارة، وقتيبة وقعنبًا وأمهما سودة بنت عمرو بن تميم، فحضنتهم كلهم باهلة، فغلبت عليهم. انتهى كلام "العباب".
وقبيلة باهلة وضيعة بين العرب، مذموم من ينتسب إليها، قد اشتهرت بالدناءة والضعة، كما اشتهرت قريش بالأصالة والمجد والشرف، حتى ضرب بها المثل، قال بعضهم:
وما ينفع الأصل من هاشم
…
إذا كانت النّفس من باهله
وقال رجل من عبد القيس:
ولو قيل للكلب يا باهليُّ
…
عوى الكلب من لؤم هذا النَّسب
وقال آخر:
فما سأل الله عبد له
…
فخاب ولو كان من باهله
ومنها قتيبة بن مسلم الباهلي، تولى الإمارة في زمن عبد الملك، وفتح الفتوحات العظيمة، وعبر ما وراء النهر مرارًا، وجاهد في الكفار، وكان شجاعًا جوادًا حسن الأخلاق، ولم يكن يعاب إلا بأنه باهلي، وكان أصحابه يمازحونه بذلك ويحتمل. حكى أبو عبيدة قال: قدم رجل من بني سلول على قتيبة بن مسلم بكتاب عامله على الري، وهو يعلى المحاربي، فرآه على الباب قدامة بن جعفر، وكان كثير الإدلال عليه، فدخل على قتيبة فقال: ببابك ألام العربّ! فقال: ومن هو؟ قال: سلولي، رسول محاربي إلى باهلي، فتبسم قتيبة تبسم غضب، والتفت إلى مرداس الأسدي، فقال: أنشدني شعر الأقيشر، ففهم مرداس، فأنشده، وفيه تعريض بقدامة:
قلت قم صلِّ فصلَّى قاعدا
…
تتغشّاه سمادير السَّكر
فتغير وجه قدامة، فقال قتيبة: هذه بتلك، والبادئ أظلم.
وروي أن قتيبة مازح أعرابيًا جافيًا، فقال: أيسرك أن تكون باهليًا أميرًا؟ فقال: لا واللهّ قال: فتكون باهليًا خليفة؟ فقال: لا والله! ولو أن لي ما طلعت عليه الشمس، قال: فيسرك أن تكون باهليًا، وتكون في الجنة مع ذلك؟ فأطرق، ثم قال: بشرط أن يعلم أهل الجنة أني باهلي، فضحك قتيبة من قوله.
ومنها الأصمعي: صاحب الأخبار والنوادر والمعرفة بلغات العرب وأيامها وأشعارها، حكى عن نفسه قال: لقيت صبيًا من الأعراب ما أظنه ناهز عشرين
سنة، وإذا هو من أفصح الناس، فقلت متعنتًا: هل تقول الشعر؟ فقال: وأبيك إني لأقوله وأنا دون الفطام، فأخرجت درهمًا، وقلت: امدحني وخذه، فقال: من أي العرب أنت؟ فقلت: من باهلة، وهي معروفة بالخسة، فقال: واسوأة أبي! أمدح باهليًا؟ فقلت: فاهجني وخذه، فقال: والله إني لمحتاج إليه، ولكن كلفتني شططًا فزدني معرفة، فقلت: أنا الأصمعي، فقال:
ألا قل لباغي اللُّؤم حيث لقيته
…
عليك عليك الباهليَّ ابن أصمعا
متى تلق يومًا أصمعّيًا تجد له
…
من اللُّؤم سربالًا قديمًا وبرقعا
ثم قال: اقذف الدرهم، لا آخذه من يد لئيم، فقذفته فأخذه.
وهجا اليزيدي الأصمعي بأبيات منها:
وما أنت هل أنت إلَّا امرؤ
…
إذا صحَّ أصلك من باهله
وحنظلية: منسوبة إلى حنظلة، قال الصاغاني في "العباب": حنظلة أكرم قبيلة في تميم، يقال لهم: حنظلة الأكرمون، وأبوهم حنظلة بن مالك بن عمرو ابن تميم. انتهى.
ومنها الفرزدق، فإنه ابن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن حنظلة.
وتحته ظرف متعلق بمحذوف صفة لباهلي، أي: مستقر تحته، أو استقر تحته وحنظلية: فاعل الظرف، وجملة: له ولد منها، صفة لباهلي، قيل: ويجوز أن تكون صفة لحنظلية، وفيه: لو كان كذلك لكان السياق لها ولد منه. ولقد أغرب السيوطي، وأبعد في تجويزه أن تكون الجملة حالية، وذاك إشارة إلى الولد الحاصل منها. والمذرع، بالذال المعجمة وتشديد الراء المفتوحة، قال الأزهري في "تهذيب اللغة": قال أبو الهيثم: المذرع من الناس: الذي أمه أشرف من أبيه، قال: والهجين: الذي أبوه عربي وأمه أمة، وأنشد:
إذا باهليٌّ تحته حنظلية
…
البيت
وإنما سمي مذرعًا تشبيهًا بالبغل، لأن في ذراعيه رقمتين كرقمتي ذراع الحمار نزع بها إلى الحمار في الشبه، وأم البغل أكرم من أبيه. انتهى. قال هدبة بن خشرم:
ورثت رقاش اللُّؤم عن آبائها
…
كتوارث الحمران رقم الأذرع
وقد صحفه الدماميني فقال: والمدرع: الذي يلبس الدرع، بالدال المهملة، وجعل البيت من قبيل المدح بناء على تصحيفه، فقال: يعني أنه إذا ولد للرجل الباهلي من زوجة حنظلية ولد، فذلك الولد هو النجيب الشجاع الذي يتأهل للبس الدرع لشرف أبويه. هذا كلامه، ولا يليق بمثله. والمذرع يقال له: المقرف. قال ابن قتيبة في "أدب الكاتب": إذا كان الأب عتيقًا، والأم ليست كذلك، كان الولد هجينًا، والإقراف من قبل الأب، فإذا كانت الأم من العتاق والأب ليس كذلك، كان الولد مقرفًا. وأنشد أبو عبيدة لهند بن النعمان بن بشير في روح بن زنباع:
وهل عند الَاّ مهرة عربيَّة
…
سلسلة أفراس تجلّلها نغل
فإن نتجت مهرًا كريمًا فبالحرى
…
وإن يك إقراف فجاء به الفحل
وتجللها: علاها، ونغل، بفتح النون وسكون الغين المعجمة: الدنيء والخسيس، والحرى بفتحتين: اللائق، مصدر يوصف به الواحد وغيره. وقال المبرد في "الكامل" أنشدني الرياشي:
إنَّ أولاد السَّراري
…
كثروا يا ربِّ فينا
ربِّ أدخلني بلادا
…
لا أرى فيها هجينا
والهجين عند العرب: الذي أبوه شريف، وأمه وضيعة، والأصل في ذلك أن تكون أمة. وإنما قيل: هجين من أجل البياض، كأنهم قصدوا قصد الروم والصقالبة ومن أشبههم، والدليل على ذلك أن الهجين الأبيض، أن العرب تقول: ما يخفى ذلك على الأسود والأحمر، أي: العربي والعجمي، ويسمون الموالي وسائر العجم الحمراء، ولذلك قال زيد الخيل:
وأيقن أنّنا صهب السِّبال
أي: كهؤلاء [العدو] من العجم، فقيل: هجين من ههنا. وإذا كانت