الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلجلج في منطقة، فلما رجع أجمع على قتله، وخرجت إليه صاحبته، فحدثته وأخبرته بما يراد به، فقام ينفض برده ويعفي أثره، فلما أنطلق به ليقتل، ضحكت امرأة كان بينها ونبيه شيء، فقال:
إن تضحكي مني فيا رب ليلةٍ
…
تركت فيها كالقباء المفرَّج
فلما قدم ليقتل قال:
شُدُّوا وثاق العبد لا يفلتكم
…
إنَّ الحياة من الممات قريب
فقلد تحدَّر من جبين فتاتكم
…
عرق على ظهر الفراش وطيبُ
فقتل. انتهي، وكذا رأيت في ديوانه، وفيه زيادة، وقال ابن حجر في "الإصابة" يقال: إن سبب قتله أن امرأة من بني الحسحاس أسرها بعض اليهود، واستخصها لنفسه، وجعلها في حضن له، فبلغ ذلك سحيمًا، فأخذته الغيرة، فما زال يتحيل له حتى تسور على اليهودي حصنه، فقتله وخلص المرأة، فأوصلها إلى قومها، فلقيته يوماً فقال له: يا سحيم والله لوددت أني أقدر على مكافأتك على تخليصي من اليهودي! فقال لها: والله إنك لقادرة على ذلك، وعرض لها بنفسها، فاستحيت وذهبت، ثم لقبته مرة أخرى، فعرض لها بذلك فأطعاته، فهويها وطفق يتغزل بها، ففطنوا له فقتلوه خشية العار. انتهي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخمسون بعد المائة:
(150)
قليل منك يكفيني ولكن
…
قليلك لا يقالُ لهُ قليلُ
على أنه كفي التي بمعني أجزأ وأغني متعدية كما في البيت.
وهو لأبي نصر أحمد بن علي الميكالي، كذا قال عبد الرحيم العباسي في"معاهد التنصيص" وليس كذلك، بل هو لغيره، وقد أورده محمد بن عبد الجبار العتبي في ترجمة أبي نصر المذكور من تاريخه اليمني بعد رسالة كتبها إلى شمس المعالي قابوس بن وشمكير جواباً عن رقعة كان أرسلها إليه، وهي رسالة ضمنها السحر الحلال، والعذب الزلال، وهي تحكي بما حوته من لطف العبارة، وحسن الاستعارة، ومعسول الإشارة والشارة، رياض ميثاء إلى قراره، وهذه نتفة منها: فأما ما أهل الأمير العبد لله من شريف كتابه، ولطيف خطابه، ورقّاه إليه من درجة العيادة أولاً، ومنزلة التهنئة ثانياً، وإنفاذ القاصد إليه ثالثاً، فإن ذلك من نتائج همته العالية، ودواعي شيمته الزاكية التي تحنوه على أوليائه وخدمه، وتعطفه على أغذياء نعمه، فليس له في مقابلة ما أولاه، ومعارضة ما كاه إلى الشكر يديمه، والنشر يقيمه، والرغبة إلى الله تعالي يخلصها في إطالة عزة بقائه، وإدامة مجده وعلائه، وإنهاضه بمواجب خدمته، ومعرفة قدر نعمته
بمنه ورحمنته، هذا ولوملك العبد في مقابلة هذه النعمة على جلاله قدرها، ونباهة خطرها، غير بذل المهجة في الطاعة، واستنفاذ الوسع والطاقة، غاية، لبلغها تقرباً إلى حقوقه بما يقضتيها، ويؤدي شرط العبودية فيها، وحكم على نفسه بالعجز والتقصير معها، وإذا قد حرم المراد فما يتمسك إلى بالرغبة إلى الله تعالي في أن يتولي بمكافأته ما لا يسمح به إلا يده، ولا يفي [به] إلا مجده؛ فهذا هو الكلام الذي ليس به عثار، ولا عليه غبار، قد ولي الفضل تحبيره، وملك العقل رسمه وتصويره، والقليل منه على الكثير دليل، وكلام الجليل كقدره جليل [كما قيل]:
قليل منك يكفيني ولكن
…
قليلك لا يقال له قليل
قال العتبي: وأبو نصر هذا، كان صنيعة السلطان يمين الدولة، وشيخ مملكته، وجمال جملته فضلاً موفوراً وأدباً مشهورًا، وعزاً معقودًا، ومالاً ممدودًا، ورأيًا كالأري مشاراً، وحزمًا كالمواثر مغاراً، ودهاء يسلخ الليل البهيم نهاراً، ونظرًا يستشف أستار المصائر، ويستكشف أسرار الضمائر، وشعراً نقي السنخ والجوهر، رضي المورد والمصدر، فمنه قوله:
باني العلي والمجد والإحسان
…
والفضل والمعروف أكرم بان