الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس البناء مشَّيداً لك شيده
…
مثل البناءِ يشادُ بالإحسانِ
البرُّ أكرمُ ما حوتهُ حقيبة
…
والشكرُ أكرمُ ما حوتهُ يدانِ
وإذا الكريم مضي وولي عمره
…
كفل الثَّناءُ له بعمر ثان
والبيت مأخوذ من قول إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وهو:
هل إلى نظرةِ إليك سبيلُ
…
يرو منها الصَّدي ويشف الغليل
إنَّ ما قلَّ منك يكثرُ عندي
…
وكثير ممَّن تحبُّ القليلُ
والأصل مأخوذ من قول يزيد بن الطثرية، وهو:
أليس قليلاً نظرة إن نظرتها
…
إليك وكلاّ ليس منك قليلُ
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والخمسون بعد المائة:
(151)
كفي ثعلاً فخراً بأنَّك منهمُ
…
ودهر لأن أمسيت من أهله أهلُ
على أنه وقع زيادة الباء هنا في فاعل كفي المتعدية لواحد. ولم يتنبه له أحد من شراحه إما لهو عن شرط الزيادة
…
الخ.
أقول: شرط زيادة الباء في فاعل كفي عنده أن يكون كفي بمعني اكتف، وهو فعل لازم يتعدي بالباء، فكفي هذه يخص فاعلها بزيادة الباء، فإن لم يكن كفي بمعني اكتف، فهو إما متعد إلى واحد أو إلى اثنين، وكلاهما لا يجوز زيادة الباء في فاعلهما، فيكون كفي عند المصنف ثلاثة أقسام.
و "كفي" الأولى قيل إنها اسم فعل، وقيل إنها فعل، حكاهما السمين في إعرابه عند قوله تعالي:{وكفي بالله حسيبًا} [النساء/ 6].
وقال أبو حيان في "شرح التسهيل": قال أستاذنا أبو جعفر بن الزبير: لا تزاد الباء في فاعل كفي إلا إذا كانت بمعني حسب، وأما إذا كانت بمعني وقي، فلا تزداد، نحو قوله تعالي:{وكفي اللهُ المؤمنين القتال} [الأحزاب/25] انتهي. وقال في تفسيره " البحر" عند قوله تعالي: {وكفي بالله وليًا وكفي بالله نصيرًا) من سورة النساء [الآية/45]: الباء في بالله زائدة، ويجوز حذفها كما قال سحيم:
كفي الشَّيبُ والإسلامُ للمرء ناهيا
وزيادتها في فاعل كفي، وفاعل يكفي مطردة، كما قال تعالي:{أو لم يكف بربك أنه كل شيء شهيد} [فصلت/53] وقال الزجاج: دخلت الباء في الفاعل لأن معني الكلام الأمر، أي: اكتفوا بالله، وكلام الزجاج مشعر أن الباء ليست بزائدة، ولا يصح ما قال من المعني، لأن الأمر يقضتي أن يكون فاعله هم المخاطبون، ويكون بالله متعلقاً به، وكون الباء دخلت في الفاعل يقضتي أن يكون الفاعل هو الله تعالي لا المخاطبون، فتناقض قوله.
وقال ابن السراج: معناه كفي، الاكتفاء بالله تعالي، وهذا أيضاً يدل على أن الباء ليست زائدة إذا تتعلق بالاكتفاء، فالاكتفاء هو الفاعل لكفي، وهذا أيضاً لا يصح، لأن فيه حذف المصدر وهو موصول، وإبقاء معمولة، وهو لا يجوز إلا في الشعر، نحو قوله:
هل تذكرنَّ إلى الدَّيرين هجرتكم
…
ومسحكم صلبكم رحمن قربانا
التقدير: وقولكم: يا رحمن قربانا، وقال ابن عطية: يا الله، في موضع رفع بتقدير زيادة الخافض، وفائدة زيادته تبيين معني الأمر في صورة الخبر، أي: اكتفوا بالله، فالباء تدل على المراد من ذلك، وهذا الذي قاله ابن عطية ملفق بعضه من كلام الزجاج، وهو أفسد من قول الزجاج، لأنه زاد على تناقض اختلاف الفاعل تناقض اختلاف معني الحرف [إذا]، بالنسبة لكون الله فاعلاً هو زائد، وبالنسبة إلى أن معناه: اكتفوا بالله، هو غير زاد، وقال ابن عيسي: إنما دخلت الباء في "كفي بالله" لأنه كان يتصل اتصال الفاعل، وبدخول الباء اتصل اتصال المضاف، واتصال الفاعل، لأن الكفاية منه ليست كالكفاية من غيره، فضوعف لفظها لمضاعفة معناها. انتهي. وهو كلام يحتاج إلى تأويل، وقد تقدم الكلام علي (كفي بالله) في قوله: {فاشهدوا عليهم وكفي بالله حسيبًا) [النساء/6] لكن تكرر هنا لم تضمن من مزيد نقول ورد بعضها.
انتهي كلام أبي حيان.
وقد نقل ابن الشجري في المجلس الثلاثين من "آماليه" قولي الزجاج وابن عيسي، ولم يتعقبهما بشيء، وقد تبع الزجاج مكي وابن عطية وأبو البقاء.
وأقول: كلام الزجاج توجيه معني لا توجيه إعراب، يدل عليه كلامه، قال في تفسير الآية: معناه: وكفي الله شهيدًا، والباء دخلت مؤكدة لمعني اكتفوا بالله في شهادته، انتهي، فالباء عنده من جهة الإعراب زائدة، والفاعل هو الله، وهذا هو الملحظ الأصلي، ويلزم من كون الله كافياً في الشهادة أمر الاكتفاء بالله تعالي في شهادته، فذكر الباء أكد هذا المعني اللزومي، فالباء ليست زائدة محضة، بل لها فائدة بالنسبة إلى هذا المعني، وإن كانت زائدة من جهة الإعراب، وغضه التحاشي عن إطلاق الزائد الذي لا معني له على شيء من كلام الله تعالي، ولهذا ينكرون الزائد، ويقولون في مثله مؤكد.
وهذا اعتبار حسن جار على القواعد، فلا يرد ما توهمه أبو حيان في الرد عليه، ولا ما توهمه المصنف من أن كفي هذه قسم آخر، فكفي عند الزجاج وغيره قسمان لا غير: إما متعدية لواحد، ويجوز زيادة الباء في فاعلها، وإما متعدية لاثنين، ولا يجوز زيادة الباء في فاعلها، فلا سهو في شرط زيادة الباء.
وعلى القسمين في "كفي" جري كلام ابن الشجري في "أماليه" فإنه أورد بيت المتنبي في آخر ذلك المجلس، وقال: الكفاية: بلوغ الغاية في الشيء، فقلوهم: كفاك به رجلاً، وهو كافيك من رجل، معناه، قد بلغ الغاية في خصال المدح، وفلان
كاف. إذا قام بالأمر، وانتهي إلى الغاية في التدبير، ويكفي ويجزئ ويغني بمعني واحد، فهذا يتعدي إلى مفعول واحد، كقولك: يكفيني درهم، وكفاني قرص، أي: أجزأني وأغناني عن أكل قرص آخر.
وأما كفي المتعدي إلى مفعولين في نحو: كفيت فلاناً شر فلان، فمعناه: منعته منه، وحلت بينه وبينه، وفي التنزيل:{فسيكفيكهم الله} [البقرة/137] فهما مختلفان معني وعملاً، فمن الضرب الأول قوله: كفي ثعلاً فثعلاً: مفعول به، وفخراً: تمييز، والفاعل: أن وصلتها، والباء مزيدة كما زيدت في (كفي بالله) انتهي.
وقول المصنف: و "دهر" مرفوع عند ابن جني الخ .. قال ابن الشجري: وقد روي في دهر الرفع والنصب، فالرفع رواية ابن جني والربعي، والنصب رواية الشامين، وعليه اعتمد المعري. انتهي.
وقول المصنف: ودهر مرفوع، عند ابن جني، وهذه عبارته: ارتفع أهل لأنه وصف الدهر، وارتفع دهر بفعل مضمر دل عليه أول الكلام، فكأنه قال: وليفخر دهر أهل لأن أمسيت من أهله، لا يتجه رفعه إلا على هذا، لأنه ليس قبله مرفوع يجوز عطفه عليه، ولا وجه لرفعه بالابتداء إلا على حذف الخبر، وليس في قوة إضمار الفعل ههنا، انتهي.
وقول المصنف: وأهل صفة، قال ابن الشجري: وأهل هنا معناه مستأهل ومستحق، فلذلك علق به "لأن أمسيت من أهله" لأنه بمنزله اسم الفاعل المقوي
باللام في وصوله إلى المفعول، وإن كان فعله متعدياً بنفسه، كقولك: ظلم فلان فلانًا، وهو ظالم، وكذلك استحق فلان هذا الصنع واستأهله، وهو مستحق له ومستأهل له، ولو قلت: مستحقه ومستأهله وهو ظالم، ولم يكن إيصاله بنفسه في الحسن كإيصاله باللام، فلذلك جاء في التنزيل:{فمنهم ظالم لنفسه} [فاطر/ 32] ومما جاء فيه "أهل" في معني مستأهل قوله تعالي: {وكانوا أحق بها وأهلها) [الفتح/ 26] أي: ومستأهلها. انتهي.
وقول المصنف: أحدها أن يكون مبتدأ حذف خبرة؛ عبارة ابن الشجري: وإن رفعته بالابتداء، وأضمرت له خبراً مدلولاً عليه بأول الكلام، فليس بضعيف، وإن كان نكرة لأنه متخصص بالصفة، والتقدير: ودهر أهل لأن أمسيت من أهله فاخر بك، وأما قول أبي الفتح: إنه ليس قبله مرفوع يجوز عطفه عليه؛ فقول من لم يمعن النظر، وقنع بأول لمحة. انتهي.
وقول المصنف: أي: إنهم فخروا بكونه منهم، قال الشمني: هذا الكلام يشعر بتعلق الباء ب "فخراً"، وهي زائدة، فلا تتعلق بشيء أصلاً بل المقصود بيان محصل المعين، فالأولي أن يقال: إنهم أجزأهم من جهة الفخر كونه منهم، وزمانه الذي هو فيه، انتهي. وهذا الإشعار جاء من سوء الاختصار، قال ابن الشجري: ويجوز عطف [دهر] على فاعل كفي، وهو المصدر المقدر: لأن "أن" مع خبرها هنا بمعني الكون؛ لتعلق "منهم" باسم الفاعل المقدر الذي هو كائن، فالتقدير: كفي ثعلاً فخراً كونك منهم، ودهر مستحق لأن أمسيت من أهله، أي: وكفاهم فخراً دهر أنت فيه، فأراد: أنهم فخروا بكونه منهم، وفخروا بزمانه لنضارة أيامه، كما قال أبو تمام:
كأنَّ أيَّامهم من حسنها جمع
والعادة جارية في الكلام والشعر بمدح زمان الممدوح، وذم زمان المذموم، وعطف دهر، وهو اسم حدث، على الكون المقدر، وهو اسم حدث، ودهر موصوف بصفة فيها ضمير عائد على اسم "أن" وهو التاء من "أمسيت" فهذا وجه في الرفع صحيح المعني ليس فيه تقدير محذوف. انتهي. ونقل الواحدي هذا الوجه عن ابن فورجة قال: وللرفع في دهر وجه آخر، وهو العطف على فاعل كفاهم دهرك فخراً لهم. انتهي. وقول المصنف: والثالث أنتجره .. الخ. قال ابن الشجري: وبقي عندي في إعراب البيت وجه لم يذهب إليه من تقدم، كما لم يذهبوا إلى عطف دهر على فاعل كفي، وهو أنك ترفع الفخر بإسناد كفي إليه، وتخرج الباء عن كونها زائدة؛ فتجعها معدية متعلقة بالفخر، وتجر الدهر بالعطف على مجرور الباء، وترفع الأهل بتقدير المبتدأ الذي تقدم ذكره، فيصير اللفظ: كفي ثعلاً فخر بكونك منهم، وبدهر هو أهل لأن أمسيت من أهله، والمعني: أنهما كتفوا بفرخهم به، وبزمانه، عن الفخر بغيرهما. انتهي.
وقول المصنف: وزعم لمعري .. الخ، قال ابن الشجري والمعري أسقط حكم الرفع، وذلك أنه قال: وبعض الناس يرفع دهراً ولا ينبغي أن يلتفت
إليه، وعطف دهراً على ثعلاً، ورفع "أهل" بتقدير: هو أهل، وحكاية اللفظ الذي قدره للنصب: كفي ثعلاً فخراً أنك منهم، وكفي دهراً هو أهل لأن أمسيت من أهله أنه أهل لكونك من أهله، وهذا قول فيه إسهاب، كما تري، وتكلف شاق، والرفع، وإن كان فيه تكلف إضمار فعل، أقرب متناولاً، وأصح معني، وأكثر فائدة، انتهي.
ونقل الواحدي هذه الرواية عن ابن فورجة، قال: وروي ابن فورجة: ودهراً، عطفاً على ثعلاً، وأهل: خبر مبتدأ محذوف، أي: هو أهل لأن أمسيت من أهله.
وقول المصنف: ثم حذف المرفوع المعطوف .. الخ، هو قولنا المقدر: أنه أهل لكونك من أهله، وهو مؤول بمصدر مرفوع بالعطف على فاعل كفي، والمعطوف على الفاعل فاعل، والفاعل لا يحذف، وليس هذا من المواضع التي يحذف فيها الفاعل.
وقول المصنف: وزعم الربعي
…
الخ، وقال ابن الشجري: وحمل الربعي نصب دهر على أنه معطوف على اسم أن، وأهل: خبر عنه، أي: كفي ثعلاً فخراً أنك منهم، وأن دهراً أهل لأن أمسيت من أهله، وهذا القول بعيد من حصول فائدة، ثم قال: والرفع أجود علي: وليفخر دهر، وهو روايتي، والنصب رواية سامية ذكرتها لتعرف. انتهي.
وقول المصنف: ولا معني للبيت على تقديره، فيه نظر، لأن الدهر إذا تأهل لوجود الممدوح فيه كان ذلك شرفًا للدهر، ولا شك أن الممدوح من ثعل، فحصل الفخر للقبيلة بأن واحدًا منها تشرف به الدهر، بأن أصبح أهلاً لوجوده فيه، قاله الدماميني، وهو وجه حسن.