الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم من يجعله غناء، كما قال الآخر.
ألا قاتل الله الحمامة غدوةً
…
على الغصن ماذا هيَّجت حين غنَّت
وأظهر أبو العلاء المعري التشكك في ذلك، فقال:
أبكت تلكم الحمامة أم غنَّت على فرع غصنها الميَّاد
انتهى. وترجمة كثير عزة تقدمت في الإنشاد التاسع عشر.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث عشر بعد المائة:
(113)
وترمينني بالطَّرف أي أنت مذنب
…
وتقلينني لكنَّ إيَّاك لا أقلي
على أن "أي" فيه تفسير للجملة قبله، قال ابن يعيش في "شرح المفصل": قوله: أي أنت مذنب؛ تفسير لقوله: وترمينني بالطرف؛ إذ كان معناه: تنظر إلي نظر مغضب، ولا يكون ذلك إلا عن ذنب. انتهى.
وقال صاحب "التخمير": الرمي بالطرف: عبارة عن النظر، يقال: رماه بطرفه: إذا نظر إليه، كأنه قال: رميها بالطرف إياي، أي: أنت مذنب، أي: أشارت إلي بطرفها إشارة دلت على أنني مذنب في حقها. هذا كلامه. والجيد هو الأول.
وفسر الدماميني والسيوطي ترمينني بتشرين إلي، وتعقبه ابن الحنبلي وقال: الطرف نظر العين، أي: وترمينني بالطرف كأنه سهم، فكثيرًا ما يستعار السهم لطرف العين، كما قال الشافعي:
خذوا بدمي هذا الغزال فإنَّه
…
رماني بسهمي مقلتيه على عمد
وقال: أي: أنت مذنب، على التفسير، لأن الرمي بالشيء قد يكون عن عمد، وقد لا يكون عنه، والمراد الأول، لكون المرمي ذا ذنب، ولو في ظن الرامي، والإشارة، وإن كانت، قد تكون بالطرف كما قال:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها
…
إشارة محزون ولم تتكلَّم
وقلنا: إن الرمي به بهذا المعنى يستلزم الإشارة به، فالأولى أن لا تكون الإشارة مقصودة للشاعر منه، وإن لبست معنى ترمينني وحده، ولا لازمه، بل لازم مجموع ترمينني بالطرف. هذا ما قرره.
والحاصل: أن "أي" تفسر الجملة وغيرها، وهي أعم من "أن" لأنه يفسر بها المفرد والجملة، والقول الصريح وغيره. تقول: رأيت غضنفرًا أي: أسدًا، وأمرت زيدًا؛ أي: اضرب، وقلت له قولًا؛ أي: عبد الله منطلق، وخرج زيد بسيفه، أي: خرج وسيفه معه.
وإنما يحتاج إلى التفسير إذا كان في الكلام غرابة أو إبهام، أو حذف شيء، أو ما بعدها عطف بيان على ما قبلها، أو بدل منه، وهذا إنما هو في تفسير المفرد. وأما إذا فسرت جملة كما في البيت؛ فلا.
وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنها حرف عطف إذا فسرت مفردًا. ورد عليهم بأنها تفسر الضمير المرفوع المتصل بلا تأكيد ولا فصل، وتفسر الضمير المجرور بلا إعادة الجار، ولو كان ما بعدها معطوفًا بها، لم يستقم الأول بدون تأكيد أو فاصل، ولا الثاني بدون إعادة الجار.
وقال أبو حيان في "الارتشاف": والصحيح أنها حرف تفسير، يتبع بعدها الأجلى للأخفى عطف بيان، يوافق في التعريف والتنكير ما قبله. انتهى.
وقوله: وترمينني خطاب لامرأة، والياء الأولى ضمير خطاب فاعل ترمي، والياء الثانية: ضمير المتكلم مفعول، والنون الأولى علامة الرفع لا تحذف إلا في الجزم والنصب، والنون الثانية: نون الوقاية قال الزمخشري في "الأسا": رماه بالطرف والفاحشة.
والطرف: العين، ولا يجمع، لأنه في الأصل مصدر، وقيل: هو اسم جامع للبصر، لا يثنى ولا يجمع. وقيل: هو نظر العين.
وقوله. وتقلينني. هو من القلى، قال ابن الشجري في "أماليه": القلى .. البغض، مكسور مقصور، وقد صرفت العرب منه مثالين: قلاه يقليه، مثل: رماه يرميه، وقليه يقلاه، مثل: رضيه يرضاه، وهو من الياء، بدليل يقلي، ولو كان من الواو كان يقلو. وأنشدرا في يقلي: وترميني بالطرف .. البيت، وفي التنزيل:(مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)[الضحى/ 3] وروى أبو الفتح لغة ثالثة: قلاه يقلوه قلاء، مثل: رجاه يرجوه رجاء:
إن تقل بعد الودِّ أمُّ محلِّم
…
فسيَّان عندي ودُّها وقلاؤها
انتهى. وفي "القاموس": قلاه، كرماه ورضيه، قلىِّ وقلاءً ومقليةً.
أبغضه وكرهه غاية الكراهة، فتركه. أو: قلاه في الهجر، وقليه في البغض. انتهى.
وقوله: لكن إياك، فيه أقوال:
أحدها للفراء: قال في تفسير قوله تعالى: (لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي)[الكهف/ 38] معناه: لكن أنا هو الله ربي، ترك همز الألف من أنا، وكثر بها الكلام فأدغمت النون من "أنا" مع النون من "لكن" ومن العرب من يقول: أنا قلت، بتمام الألف، فقرئت لكنا على تلك اللغة، وأثبتوا الألف في اللغتين في المصحف، ويجوز الوقف بغير ألف في غير القرآن في أنا، [و] من العرب من يقول: إذا وقفل: "أنه" وهي لغة جيدة، وهي في عليا تميم وسفلى قيس. أنشدني أبو ثروان: وترمينني بالطرف .. البيت، يربد: لكن أنا إياك لا أقلي، فترك الهمز، فصار كالحرف الواحد. وزعم الكسائي أنه سمع بعض العرب يقول: إنّ قائم، فترك الهمز وأدغم، وهي نظيرة للكن .. انتهى كلامه. وقد تبعه صاحب "الكشاف" وأبو حيان في "تذكرته" وغيرهما.
ثانيها: أن تكون من أخوات إن، واسمها ضمير شأن محذوف، والجملة بعدها خبرها، وعليه اقتصر ابن يعيش، وصاحب "اللباب" وشراحه. ونقل ابن المستوفى عن الزمخشري في "مناهيه" على "المفصل" أنه قال: وجهه أن يكون الأصل. لكنه إياك لا أقلي، الضمير ضمير الشأن، ثم حذفه كما حذف من قال:
إنَّ من لام في بني بنت حسَّا
…
ن ألمه وأعصه في الخطوب
ولو روي "لكنِّ" بكسر للنون، اجتزاء من الياء بالكسرة؛ فكان وجهًا سديدًا. انتهى.
ثالثها: أن اسمها ضمير متكلم محذوف لضرورة الشعر، والأصل: ولكني، كما حذف اسمها في قول الآخر:
ولكنّ زنجيٌّ عظيم المشافر
أي: ولكنك زنجي، وهو قول الخوارزمي، نقله عن ابن المستوفى. فإن قلت:"إياك" ضمير نصب، فهل يجوز أن يكون اسم لكن؟ قلت: لا يجوز لأنه لو كان اسمها لوجب أن يقال: ولكنك، فإنه متى أمكن اتصال الضمير لا يعدل إلى انفصاله، اللهم إلا أن يدعى فصله لضرورة الشعر، قال الأندلسي في شرح "المفصل": ولو قلت: أجعل الضمير المنفصل اسمًا، "ولا أقلي" خبرًا، وأرتكب إجراء المنفصل مجرى المتضل، وأحذف الراجع إلى اسم لكن، والأصل: لكنك لا أقليك؛ لكنت لعمري متعسفًا. انتهى.
فإن قلت: حيث امتنع في الفصيح جعل إياك اسم لكن، ما وجه فصله عن عامله، وتقديمه عليه؟ قلت: وجيه الحصر، فإن تقديم ما حقه التأخير يفيد ذلك؛ فأفاد أنها هي التي لا تقلى، بخلاف غيرها، فإنه يقلى.