الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتقدم في الإنشاد العاشر:
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني بعد المائة:
(102)
ألا رجلًا جزاه الله خيرًا
…
يدلُّ على محصِّلة تبيت
على أن "ألا" فيه عند الخليل للتحضيض، وهو طلب بحثّ، والفعل الذي يليها محذوف تقديره: ألا ترونني رجلًا، وهو بضم التاء، من الإراءة لا بفتحها من الرؤية. قال سيبويه: وسألت الخليل، رحمه الله تعالى، عن قوله:
ألا رجلًا جزاه الله خيرًا .. البيت
فزعم أنه ليس على التمني، ولكنه بمنزلة قول الرجل: فهلا خيرًا من ذلك كأنه قال ألا ترونني رجلًا جزاه الله خيرًا، وأما يونس فزعم أنه نون مضطرًا. انتهى. ولم يتكلم عليه السير في بشيء أصلًا، وقال أبو جعفر النحاس: قال أبو الحسن: هذا قول جميل لأنه حذف لعلم السامع، وقول يونس: إنه نون مضطرًا ليس المعنى عليه، لأن المتمني لا يتمنى أن يروه رجلًا هذه صفته. هذا كلامه.
وقال الأعلم: الشاهد فيه نصب رجل، وتنوينه، لأنه حمله على إضمار فعل، وجعل "ألا" حرف تحضيض، والتقدير: ألا ترونني رجلًا. ولو جعلها ألا التي للتمني؛ لنصب ما بعدها بغير تنوين. هذا تقرير الخليل، وسيبويه. ويونس يرى أنه منصوب بالتمني، ونون ضرورة. والأولى أولى، لأنه لا ضرورة فيه، وحروف التحضيض مما يحسن إضمار الفعل بعدها. انتهى.
وقدر بعضهم الفعل: ألا أجد رجلًا. وقدره الصاغاني في "العباب": ألا هات رجلًا. والأولى عندي أن يكون من باب الاشتغال، فيكون "رجلًا" منصوبًا بجزى مقدرًا يفسره المذكور، وعليه تكون "ألا" للتنبيه.
ورواه الأزهري في "التهذيب" والجوهري في "الصحاح": "ألا رجل" بالرفع. قال ابن بري في "أماليه" على "الصحاح": رجل: فاعل بإضمار فعل يفسره "يدل" تقديره: ألا يدل رجل على محصلة. انتهى. وقال العيني، وتبعه السيوطي: رجل: مبتدأ وتخصص بالاستفهام، ويدل: خبره. ورده ابن الملا بأنه لو كان استفهام؛ لكان عن رجل يدل، لا عن عدم رجل يدل، كما لا يخفى. انتهى. ورواه الصاغاني منصوبًا ومجرورًا، وقال: في الجر، هو بتقدير: ألا من رجل. انتهى. وقال بعضهم في رواية الجر: هو على تقدير مضاف، تقديره: ألا دلالة رجل، أي: ألا تحصلون لي دلالة رجل؟ ويدل على هذا المحذوف في البيت "يدل" لا على إضمار من، لما يلزمه من إعمال الجار محذوفًا مع كونه زائدًا. انتهى.
والمحلة بتشديد الصاد؛ قال النحاس: هي التي تحصل الذهب، فتميزه من تراب المعدن، وأراد: تبيت عنده للزنا، والله تعالى أعلم، وقال الأعلم: وأراد بالمحصلة: امرأة تحصل الذهب من تراب المعدن، وتخلصه منه، وتطلبها للمبيت، إما للتحصيل، أو للفاحشة. انتهى. وهما في هذا الحمل قد قلدا ابن الأعرابي، قال في "نوادره" بعد أن أورد البيت الشاهد وحده: المحصلة: تحصل الذهب من التراب الذي يخرج من المعدن، وتبيت للفجور. انتهى. وأورده أبو الحسن الأخفش، سعيد بن مسعدة في كتاب "المعاياة" وقال: قوله محصلة، موضع يجمع الناس يحصلم. هذا كلامه. ولا معنى له هنا وقال الجوهري، وابن فارس في "المجمل" وتبعهما صاحب "العباب" و"القاموس" وغيرهما: هي المرأة التي تحصل تراب المعدن، وأنشدوا هذا البيت
…
وتبيت: مضارع بات، قال الأزهري: قال ابن الأعرابي: يقال: بات الرجل يبيت بيتًا؛ إذا تزوج. انتهى. وهذا هو المناسب هنا. وقيل: تبيت فعل
ناقص، مضارع بات، اسمها ضمير المحصلة. وجملة "ترجل لمتي" في بيت بعده: خبرها، وفيه عيب التضمين، وهو توقف بيت على آخر. وقال ابن الملا: وروى الأزهري: "تبيت" على أنه بضم أوله، من أبات، أي: تجعل لي بيتًا، أي: امرأة بنكاح، وعليه فلا تضمين.
أقول: هذا غير موجود في "تهذيب اللغة" للأزهري، ولا في غيره من كتب اللغة. وزعم الأعلم والنحاس: أنه فعل تام، كما نقلناه، قال السيوطي، وتبعه ابن الملا: يرد قول الأعلم قول الأزهري: إن هذا البيت لأعرابي أراد أن يتزوج امرأة بمتعة. انتهى.
أقول: ليس في "تهذيب الأزهري" شيء من هذا، وإنما قال: الحاصل: ما خلص من الفضة من حجارة المعدن، ويقال للذي يخلصه، محصل، وأنشد البيت، ولم يذكر قائله، ولا شيئًا يتعلق به. ونقل العيني عن ابن هشام اللخمي أنه قال في "شرح أبيات الجمل": هو "تبيث" بثاء مثلثة، والعرب تقول: بثت الشيء بوثًا. وبثته بيثًا: إذا استخرجته، فأراد: امرأة تعينه على استخراج الذهب، وتحصيله من تراب المعدن. انتهى.
وأقول: لم يقع هذا البيت في الجمل ولم أر له كلامًا يتعلق بهذا البيت في ذلك الكتاب، وإنما قال هذا الكلام الباهلي في كتاب "معاني الشعر" ونسب المصنف هذا القول، في شرح أبيات المصنف، إلى السيرافي، وتبعه السيوطي. وأقول: لم يتكلم السيرافي على شيء من هذا البيت، وإنما قال: ويروى: "مخلِّصة". ولم يزد على هذا شيئًا.
وأورد ابن بري وغيره بعد هذا البيت بيتًا آخر، وهو:
ترجِّل جمَّتي وتقمُّ بيتي
…
وأعطيها الإتاوة أن رضيت
وهو استئناف بياني، كأنه قيل له: ما تصنع لك؟ فأجاب به. والترجيل: تسريح الشعر والجملة، بضم الجيم، وتشديد الميم: مجتمع شعر الرأس: وروي بدله "لمّتي" واللمة بالكسر: الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن، وقم البيت. قمًّا، من باب قتل: كنسه، والقمامة، بالضم: الزبالة التي تكنس من البيت. والإتاوة، بالكسر، قال الأزهري: هي الخراج، وأنشد الأصمعي:
أفي كلِّ أسواق العراق إتاوة
…
وفي كلِّ ما باع امرؤ مكس درهم
انتهى. فيكون المراد بالخراج هنا: كسوتها، ونفقتها. وينبغي أن يقرأ قوله: أن رضيت، بفتح الهمزة، أي: لرضاي عنها.
وقال السيوطي: قال الزمخشري في "شرح أبيات الكتاب": البيت الشاهد من قصيدة طويلة لعمرو بن قعاس المرادي أولها:
ألا يا بيت بالعلياء بيت
…
ولولا حبُّ أهلك ما أتيت
ألا يا بيت أهلك أوعدوني
…
كأنِّي كلَّ ذنبهم جنيت
ألا بكر العواذل فاستميت
…
وهل من راشد إمّا غويت
إذا ما فاتني لحم غريض
…
ضربت ذراع بكري فاشتويت
وكنت متى أرى رقًا مريضا
…
يصاح على جنازته بكيت
أمشِّي في سراة بني عطيف
…
إذا ما ساءني ظلم أبيت
أرجِّل لمَّتي وأجرُّ ذيلي
…
وتحمل بزَّتي أفق كميت
وبيت ليس من شعر وصوف
…
على ظهر المطَّية قد بنيت
ألا رجلًا جزاه الله خيرًا
…
.. إلى آخر البيتين
وعلى هذا، يكون بين البيتين وتلك الأبيات مخالفة في حركة الروي بالفتح والكسر، وهو العيب المسمى بالسناد.
والبيت الأول من شواهد سيبويه، أنشده في باب النداء، ونسبه إلى عمرو ابن قعاس. قال الأعلم: الشاهد فيه رفع البيت، لأنه قصده بعينه، ولم يصفه بالمجرور بعده فينصبه، لأنه أراد: لي بالعلياء بيت، ولكني أوثرك عليه لمحبتي في أهلك. انتهى.
واستشهد به أبو علي أيضًا على أن العلياء اسم لا وصف، والعلياء: موضع بعينه، أبدلت لامه ياءً على غير القياس، والعلياء أيضًا: رأس كل جبل، لكنه استعمل استعمال الأسماء، ومثله في الشذوذ: داهية دهياء، والأصل: دهواء، بدليل قولهم: داهية دهويَّة، وزعم الفراء: أن علياء مبنية على عليت، ورده أبو علي بأن علياء اسم، وعليت فعل: فلا معنى لحمله عليه، كذا قال شارح شواهده. وقوله: كأني كل ذنبهم جنيت. قال النحاس: قال المازني: معناه: كأنني كل ذنب أتاه إليهم آت أنا أتيته. وقوله فاستميت، أي: علوت عن سماع عذلهن، ووزنه "افتعلت" من السمو، يقول: أنا أعلى من أن ألام على شيء، وهل من راشد لي إن غويت؟ أي: أنا أرشد الغواة، فكيف أحتاج