الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: يسمون الفليس، قال: أراد: يسمون أولادهم فلس وفليس، ولا يسمون أسماء الخلفاء. وقوله: لقد ولد الأخيطل
…
إلخ، أورده صاحب "الكشاف" شاهدًا لقراءة إبراهيم النخعي:(وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ)[الأنعام/ 101] على أنه لم يؤنث الفعل المسند إلى المؤنث الحقيقي للفصل. والأخيطل: مصغر الأخطل، صغره تحقيرًا له، والصلب: جميع صليب، وشام: جمع شامة، وهي العلامة، يريد أن أمه فعلت فعل الموشمات، نقشت صورة الصليب في ذلك الموضع. وترجمة جرير تقدمت في الإنشاد الحادي عشر.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني والأربعون بعد المائة:
(142)
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم
…
قطينًا لهم حتَّى إذا أنبت البقل
على أن أنبت فيه بمعنى نبت، قال الفراء في "تفسيره" عند قوله تعالى:(تَنبُتُ بِالدُّهْنِ)[المؤمنون/ 20] وقرأ الحسن: (تَنبُتُ بِالدُّهْنِ)، وهما لغتان، يقال. نبت وأنبت، كقول زهير:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم
…
البيت.
وهو كقولك: مطرت السماء وأمطرت، وقد قرأ أهل الحجاز:(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ)[هود/ 8][موصولة] من: سريت، وقراءتنا:(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) من أسريت، وقال تعالى:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا)[الإسراء/ 1] وفي قراءة عبد الله (تخرج الدُّهن) انتهى كلامه. ونقله عنه الجوهري، وكذا في كتاب "فعلت وأفعلت" للزجاج، قال: نبت البقل نباتًا إذا رفعته، وأنبت إنباتًا. وقال الأزهري في "تهذيب اللغة": ونبت الشيء ينبت نباتًا، وأجاز بعضهم: أنبت بمعنى نبت، وأنكره الأصمعي، وأجازه أبو عبيدة. واحتج بقول زهير: حتى إذا أنبت البقل، أي: نبت. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحضرمي (تنبت) بضم التاء وكسر الباء، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن عامر:(تنبت بالدهن) بفتح التاء، وقال الفراء: هما لغتان، وأنشد بيت زهير. انتهى. وقال أبو علي في "الحجة": أما من قرأ: (تنبت بالدهن) احتمل وجهين، أحدهما: أن يجعل الجار زائدًا، يريد: تنبت الدهن، كقوله تعالى:(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة/ 195] وقد زيدت الباء مع الفاعل كما زيدت مع المفعول، وزيادتها مع المفعول به أكثر، وقد زيدت مع هذه الكلمة بعينها، قال:
بوادٍ يمانٍ ينبت الشَّثَّ حوله
…
وأسفله بالمرخ والشَّبهان
حملوه على ينبت أسفله المرخ، وقد يجوز أن يكون الباء متعلقًا بغير هذا الفعل الظاهر. ويقدر مفعول محذوف تقديره: تنبت جناها أو ثمرتها وفيها دهن وصبغ، كما تقول: خرج بثيابه، وركب بسلاحه، ومن قرأ:(تنبت بالدهن) جاز أن يكون الجار فيه للتعدي: أنبته، ونبت به، ويجوز أن تكون الباء في موضع حال كما في الوجه الأول، ولا يكون للتعدي، وقد قالوا: أنبت في معنى نبت، فكأن الهمزة في أنبت مرة للتعدي ومرة لغيرها، والأصمعي ينكر أنبت، ويزعم أن قصيدة زهير التي فيها:"حتى إذا أنبت البقل" متهمة، وإذا جاء الشيء مجيئًا كان للقياس فيه مسلك فروته الرواة؛ لم يكن بعد ذلك فيه مطعن. انتهى كلام أبي علي. وراد تلميذه ابن جني في "المحتسب": فأما من ذهب إلى زيادة الباء، أي: تنبت الدهن، فمضعوف المذهب، وزادوا حرفًا لا حاجة به إلى اعتقاد زيادته مع ما ذكرناه من صحة القول عليه، أي: من تقدير المفعول، وكذلك قول عنترة:
شربت بماء الدُّحرضين
ليس عندنا على زيادة الباء وإنما هو على شربت في هذا الموضع ماء، فحذف
المفعول، وما أكثر وأعذب وأعرب حذف المفعول وأدلَّه على قوة الناطق به! هذا كلامه. وفيه تعسف.
وقال الحريري في "درة الغواص": أنبت في الآية بمعنى نبت كما في بيت زهير، وقيل: زائدة، فيكون تقدير الكلام: تنبت الدهن، أي: تخرج الدهن بعد إنبات الثمر الذي يخرج الدهن منه، فلما كان الفعل في المعنى قد تعاق بمفعولين يكونان في حال بعد حال، وهما الثمرة والدهن؛ احتيج إلى تقويته في التعدية بالباء. انتهى. قال شيخنا الشهاب الخفاجي في شرحها: قيل: هذا أحسن الأقوال.
وروى صعوداء في "شرح ديوان زهير" والأعلم الشنتمري في "شرح الأشعار الستة": حتى إذا نبت البقل، نبت بدون ألف على اللغة الشائعة، فلا شاهد فيه لمجيء أنبت بمعنى نبت.
والبيت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى، مدح بن سنان ابن أبي حارثة المري، وقبله:
إذا السَّنة الشَّهباء بالناس أجحفت
…
ونال كرام المال في الحجرة الأكل
السنة الشهباء: البيضاء من الجدب، لا يرى فيها خضرة. وقال الأعلم: الشهباء: البيضاء من الجدب لكثرة الثلج وعدم النبات. وروى صعوداء: "إذا السنة الحمراء" وقال: هي التي يحمر فيها آفاق السماء من شدة الجدب. وأجحفت
بتقديم الجيم على الحاء المهملة، أي: أضرت بهم، والجحرة، بفتح الجيم وسكون المهملة: السنة الشديدة البرد التي تجحر الناس في البيوت. وقوله: ونال كرام المال
…
إلخ، يعني أن أصحابها ينحرونها ويأكلونها.
وقوله: رأيت ذوي الحاجات، نص أكثرهم على فتح التاء للخطاب، ويجوز ضمها. والحاجة: الفقر، والقطين: جمع القاطن، وهو الساكن في الدار، يعني أن الفقراء يلزمون بيوت هؤلاء القوم يعيشون في أموالهم حتى يخصب الناس وينبت البقل، وهو كل نبات اخضرت به الأرض، قال ابن فارس: وأبقلت الأرض: أنبتت البقل، وقال ابن قتيبة في كتاب "أبيات المعاني" بعد إنشاده هذا البيت: القطين: الحشم والأهل، يقول: يلزمونهم حتى يسمنون، وجمع القطين: قطن، وقال جرير يهجو رهط الأخطل:
هذا ابن عمّي في دمشق خليفة
…
لو شئت ساقكم إليَّ قطينا
فقيل: يا أبا حزرة، ما وجدت في تميم مفخرًا تفخر به عليهم حتى فخرت بالخلافة! لا والله ما صنعت شيئًا في هجائهم. والقطين فيه: العبيد، والقطين في مكان آخر: السكان، قال الأخطل:
خفَّ القطين فراحوا منك أو بكروا
والقطان: المقيمون، واحدهم قاطن. انتهى كلام ابن قتيبة.
و"إذا" هنا مجردة عن الظرفية، قال أبو البقاء في "شرح الإيضاح"
لأبي علي: "حتى" هنا بمعنى إلى، و"إذا" خرجت عن الظرف، ويدل على أنها ليست ظرفًا أنه لا جواب لها، بل حتى هنا متعلقة بقوله: قطينًا، إلى زمن نبات البقل. انتهى. وفي دليله نظر، فإنه إنما يدل على كونها غير شرطية، ويجوز أن تكون شرطية بتقدير جواب يعلم من قرينه الحال، وهو: ارتحلوا، أو استغنوا. وتكون حتى ابتدائية غاية لقطين. وبعدهما:
هنالك إن يستخلبوا المال يخبلوا
…
وإن يسأوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
هنالك، أي: في تلك الشدة يتفضلون ويتكرمون، والاستخبال: أن يستعير الرجل من الرجل الإبل فيشرب ألبانها، وينتفع بأوبارها. والإخبال المنيحة من الإبل؛ أن يعطيه ناقة أو شاة، وييسروا: من اليسر، يقول: إذا قامروا بالميسر يأخذون سمان الجزر فيقامرون عليها. ولا ينحرون إلا غالية.
وفيهم مقامات حسان وجوههم
…
وأندية ينتابها القول والفعل
المقامات: المجالس، سميت بذلك لأن الرجل يقوم في المجلس، فيحض على الخير ويصلح بين الناس. وأراد بالمقامات أهلها، ولذلك قال: حسان وجوههم. والأندية: جمع ندي، وهو المجلس والمتحدث. وقوله: ينتابها القول، أي: يقال فيها الجميل من القول، ويعمل به. والانتياب: القصد إلى الموضع والحلول به، وهو من: ناب ينوب.
على مكثريهم حقُّ من يعتريهم
…
وعند المقلِّين السَّماحة والبذل
يقول: على أغنيائهم القيام بمن اعتراهم، أي: قصدهم وطلب معروفهم، والمقل: القليل المال؛ وصف فقراءهم بأنهم يسمحون ويبذلون بمقدار طاقتهم.
وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم
…
مجالس قد يشفى بأحلامها الجهل
يقول: هم أهل عقول وآراء صائبة، فمن شاهد مجالسهم تحلم وإن كان جاهلًا، ويبينون بآرائهم ما أشكل من الأمور، وجهل وجه الرأي فيه.
وإن قام فيهم حامل قال قاعد
…
رشدت فلا غرم عليه ولا خذل
يقول: إن تحمل أحدهم حمالة، أي: دية، لم يرد عليه فعله، ولا سفه رأيه بل يقول له القاعد، وهو الذي لم يحمل الحمالة: رشدت وأصبت الرأي: فلا نخذلك، وليس عليك غرام، أي: لا ندع تغرم شيئًا في الحمالة.
سعى بعدهم قوم لكي يذركوهم
…
فلم يفعلوا ولم يليموا ولم يألوا
يقول: تقدم هؤلاء في المجد والشرف، وسعى على آثارهم قوم آخرون لكي يدركوهم وينالوا منزلتهم، فلم ينالوا ذلك ولم يليموا، أي: لم يأتوا بما يلامون عليه حين لم يبلغوا منزلة هؤلاء؛ لأنها أعلى من أن تبلغ، فهم معذورون في التقصير عنها، وهم مع ذلك لم يألوا، أي: لم يقصروا في السعي.
فما يك من خير أتوه فإنَّما
…
ثوارته آباء آبائهم قبل
يقول: مجدهم قديم متوارث، ورثوه كابرًا عن كابر.
وهل ينبت الخطِّيَّ إلّا وشيجه
…
وتغرس إلَاّ في منابتها النَّخل
الخطي: الرمح، نسبة إلى الخط، وهي جزيرة بالبحرين ترفأ إليها سفن الرماح. والوشيج: القنا الملتف في منبته، واحدته وشيجة. يقول: لا ينبت القناة إلا القناة، أي: لا ينبت الشيء إلا جنسه، ولا يغرس النخل إلا بحيث تنبت وتصلح، وكذلك لا يولد الكرام إلا في موضع كريم، يريد: لا يلد الكريم إلا