الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
امرأته فلامته، فجحدها، وكانت قد رأت جماعة لها، فقالت له: إن كنت صادقًا فاقرأ القرآن، فالجنب لا يقرأ القرآن، فقال:
شهدت بأن وعد الله حقُّ
…
وأنَّ النار مثوى الكافرينا
وأنَّ العرش فوق الماء طافٍ
…
وفوق العرش ربُّ العالمينا
فقالت: صدق الله، وكذبت بصري! وكانت لا تحفظ القرآن، ولا تقرؤه.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والخمسون بعد المائة:
(158)
كفى بجسمي نحولاً أنَّني رجل
…
لولا مخاطبتي إيَّاك لم ترني
على أن هذا أيضًا الباء زائدة في مفعوله كبيت الأنصاري، وهو قول الواحدي، وغيره ممن نظر في شعر المتنبي.
وأورده ابن الشجري مع البيت المتقدم في المجلس الثالث والثمانين من "أماليه" قال: يتوجه في هذا البيت سؤال عن الفرق في الإعراب بين "كفى بجسمي نحولاً" وبين} كفى بالله وكيلاً {[الأحزاب/ 3] وسؤال ثان: وهو أن "أنّ" المفتوحة تكون مع خبرها في تأويل مصدر، فبأي مصدر تتقدر في هذا البيت؟ وسؤال ثالث: وهو أن يقال: أن الجملة التي هي: "لولا مخاطبتي إياك لم ترني" وصف لرجل، ورجل: اسم غيبة؛ فكيف عاد إليه ضمير متكلم وكان القياس: لولا مخاطبته إياك؟ الجواب: إن كفى مما غلب عليه زيادة الباء تارة مع فاعله، وتارة مع مفعوله، ودخولها على مفعوله قليل، فزيادتها مع الفاعل مثل (كفى بالله) المعنى: كفى الله، ويدلك على أنها مزيدة في "بالله" قول سحيم:
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
وأما زيادتها مع المفعول، فمنه ما أوردته آنفًا من قول الأنصاري:"فكفى بنا فضلاً" ومنه:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
التقدير كفاك داء رؤيتك الموت. ومنه "كفى بجسمي نحولاً" لأن فاعل كفى: أن وما اتصل بها، واسبك لك من ذلك فاعلاً بما دل عليه الكلام من النفي بلم، وامتناع الشيء لوجود غيره بلولا، فالتقدير: كفى بجسمي نحولاً انتفاء رؤيتي، لولا وجود مخاطبتي، وانتصاب "نحولاً" على التفسير، والتفسير في هذا النحو للفاعل دون المفعول. "فوكيلا" تفسير لاسم الله تعالى، ونحولاً تفسير لانتفاء الرؤية، كما كان "فضلاً" في بيت الأنصاري تفسيرًا لحب النبي إياهم. فقد بان لك الفرق في الإعراب بين "كفى بجسمي نحولاً" و (كفى بالله وكيلاً) من حيث كان بالله فاعلاً، وبجسمي مفعولاً. وأما "رجل" من قوله: أنني رجل: فخبر موطئ إلى آخر ما ذكره، وننقله إن شاء الله تعالى في الباب السابع عند ذكر المصنف هذا البيت هناك أيضًا.
وأما ما نقله ابن أبي العافية من أن بعضهم جعل الباء في "بجسمي" زائدة في الفاعل، فوجهه: أنه يجعل "أنني" مجرورًا بلام مقدرة، والتقدير: حسب جسمي نحولاً لأنني رجل
…
الخ، ونقل عن المعري أنه قال في شرح هذا البيت: نحولاً: مفعول ثان لكفى، وهو خطأ، فإنه يقتضي أن يكون كفى بمعنى وقى، وهو مفسد للمعنى.
والبيت ثالث أبيات قالها المتنبي في صباه، وهي:
أبلى الهوى أسفًا يوم النّوى بدني
…
وفرّق الهجر بين الجفن والوسن
روح تردّد في مثل الخلال إذا
…
أطارت الرِّيح عنه الثوب لم يبن
كفى بجسمي نحولاً
…
البيت
قال الإمام الواحدي. يقال: بلي الثوب يبلى بلى، وأبلاه غيره إبلاء، والأسف: شدة الحزن، ومعنى، إبلاء الهوى البدن: إذهاب لحمه وقوته بما يورد عليه من شدائده، وخص يوم النوى؛ لأن برح الهوى إنما يشتد عند الفراق، والهوى عذب مع الوصال، سم مع الفراق، كما قال السري:
وأرى الصَّبابة أريًة ما لم يشب
…
يومًا حلاوتها الفراق بصابه
وانتصب أسفًا على المصدر، ودل على فعله ما تقدمه؛ لأن إبلاء الهوى بدنه يدل على أسفه، كأنه قال: أسفت أسفًا، ويوم النوى: ظرف للإبلاء، ويجوز تعلقه بأسفًا، والمعنى: أدى الهوى بدني إلى الأسف والهزال يوم الفراق، وبدد هجر الحبيب بين جفني والنوم، أي: لم أجد بعده نومًا، وقوله: روح تردد .. الخ، يقول: لي روح تذهب وتجيء في بدن مثل الخلال في النحول والرقة، إذا أطارت الريح عنه الثوب الذي عليه لم يظهر ذلك البدن لرقته، أي: إنما يرى ما عليه من الثوب، وإذا ذهب عنه الثوب لم يظهر، ويجوز أن يكون معنى لم يبن: لم يفارق، أي: أن الريح تذهب بالبدن مع الثوب لخفته، ومثل الخلال: صفة لموصوف محذوف، وتقديره: في بدن مثل الخلال.
وأقرأني أبو الفضل: "في مثل الخيال" قال: أقرأني أبو بكر الشعراني
خادم المتنبي قال: لم أسمع الخلال إلا بالري فما دونه، يدل على صحة هذا أن الوأواء الدمشقي سمع هذا البيت فأخذه، فقال:
وما أبقى الهوى والشوق منِّي
…
سوى روحٍ تردَّد في خيال
خفيت على النوائب أن تراني
…
كأنّ الرُّوح منِّي في محال
وقوله: "كفى بجسمي نحولاً" يقول: صرت من النحول بحيث لو لم أتكلم لم يقع علي البصر، إنما يستدل علي بصوتي، كما قال الصنوبري:
ذبت حتى ما يستدلّ على
…
أنّي حيُّ إلاّ ببعض كلامي
وأخذه عمر بن الفارض، وزاده، وهو قوله:
كهلال الشَّكِّ لولا أنَّه
…
أنَّ عيني عينه لم تتأيّ
أي: لم تتعم عيني ذاته لولا أنينه، وقال في موضع آخر:
كأِّني هلال الشَّكِّ لولا تأوُّهي
…
خفيت فلم تهد العيون لرؤيتي
وقال في موضع آخر:
خفيت ضنًى حتى لقد ضلَّ عوَّدي
…
وكيف ترى العوَّاد من لا له ظلُّ