الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال سلمة: وبارز عمي يومئذ مرحبًا اليهودي، فقال مرحب:
قد علمت خيبر أنِّي مرحب
…
شاكي السِّلاح بطل مجرّب
إذا الحروب أقبلت تلهَّب
فقال عمي:
قد علمت خيبر أنِّي عامر
…
شاكي السِّلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، ورجع سيفه على ساقه، فقطع أكحله، فكانت منها نفسه. قال سلمة: فلقيت ناسًا من أصحاب رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، فقالوا: بطل عمل عامر، قتل نفسه! قال سلمة: فجئت رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله بطل عمل عامر! فقال: "من قال ذلك"؟ قلت: ناس من أصحابك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:"كذب من قال ذلك، بل له أجره مرتين" انتهى.
وغزوة خيبر كانت في سنة سبع من الهجرة.
وترجمة عبد الله بن رواحة تأتي إن شاء الله تعالى في الإنشاد السابع والخمسين بعد المائة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السادس والثلاثون بعد المائة:
(136)
ألا إنَّ قرطا على آلة
…
ألا إنَّني كيده لا أكيد
على أن "لا" النافية لا صدارة لها، ولهذا تقدم مفعول الفعل الذي بعدها عليها.
قال الدماميني في "المزج": والظاهر أن اختلافهم في صدارة لا النافية إنما هو في غير الناسخة، أما لا الناسخة فلا يختلفون في أن لها الصدر، وحرّر النقل في هذه المسألة، فلست على وثوق منها الآن. انتهى.
والبيت أول أبيات سبعة أوردها أبو تمام في أواسط باب الحماسة من كتاب "الحماسة" للأخزم السنبسي ووقع في روايته:
ألا أنَّني كيده ما أكيد
بـ"ما" دون "لا"، ولم يذكر شراحه رواية لا، وإنما روى "لا أكيد" كالمصنف الأعلم الشنتمري في "حماسته".
والسيوطي غفل عن رواية المصنف، وعن وجه الاستشهاد، وتبع روايته الجماعة، فقال: وما زائدة لا نافية، لأن ما في حيزها لا يعمل فيما قبلها، ولا موصولة، ولا مصدرية، لئلا يتقدم الصلة على الموصول، والمعنى: إني كيده أكيد، أي: أفعل مثل فعله. قال التبريزي: ويجوز كونها نافية، أي: ما أكيد كيده كما يكيدني لأكون خيرًا منه. انتهى كلام السيوطي.
وغفل ثانيًا عن مقتضى كلام التبريزي من فوات صدارة "ما" مع أن المعمول المتقدم مفعول، وهذا لا يجيزه أحد، وتخرج هذه الرواية على أن "ما" زائدة، أي: إنني أقابل كيده بكيد مثل كيده، يريد: إنني لا أبتدئه بمساءته، ولا أباديه بمكر وخيانة، بل أقتدي به فيما عاملني به، وأجازيه صاعًا بصاع. وأما على رواية "لا"، فالمعنى: لا أكيده كما كادني، لأكون خيرًا منه.
والآلة: الحالة، قال الطبرسي: يقال: فلان لي على آلة وعلى حالة: إذا تنكر وتغير عما كان عليه من قبل، وهذا يجري مجرى الكنايات. ويقال أيضًا، حصل فلان لنا على لون، يراد على لون مذموم، يقول: إن هذا الرجل تغير عما كان يجري عليه معي إلى أمر أنكره ولا أعرفه، إلا أنني أكيد كيده، أي: أقابل كيده لي بكيد مثله، و"ما" زائدة. انتهى. فجعل ما زائدة، ولم يتعرض لكونها نافية. ولله دره في ذلك.
وبعد البيت:
بعيد الولاء بعيد المحـ
…
ـلِّ من ينأ عنك فذاك السعيد
وعزُّ المحلِّ لنا بائن
…
بناه الإله ومجد تليد
ومأثره المجد كانت لنا
…
وأورثناها أبونا لبيد
لنا باحة ضبس نابها
…
يهون على حامييها الوعيد
بها قضب هندوانَّية
…
وغيض تزاءر فيها الأسود
ثمانون ألفًا ولم أحصهم
…
وقد بلغت رجمها أو يزيد
قوله: بعيد الولاء
…
إلخ، قال المرزوقي: يذم قرطًا ويقول: هو بعيد النصرة والموالاة، أي: بطيئها، بعيد الدار والمسكن، ثم قال: من بعد عنك فقد سعد جدُّه، نقل اللام عن الإخبار إلى الخطاب على عادتهم في افتنانهم، وكأنه التفت إليه يريد الزهادة في مجاورته، والاستغناء عن معاونته. انتهى، أشار إلى أن الولاء مصدر المولى، وهو الذي يتولاك وينصرك.
وقوله: وعز المحل لنا
…
إلخ، افتخر بأن بلادهم حصينة ومحلهم عزيز،
فقال: عز المحل لنا بائن، أي: ظاهر للناس غير خاف، بناه الله تعالى وآثرنا به، وذلك أن بلاد طي اكتنفها جبلاهم: أجا وسلمى؛ فلا يهجم عليهم الآفات ولنا مجد تليد، أي: قديم متوارث، والمأثرة: مفعلة، من أثرت الحديث: إذا رفعته، أراد أن العز اجتمع بهم مكتسبًا وموروثًا، وتالدًا وطريفًا، فلهم بذلك صيت في الناس يؤثر، وثناء يتصل كما كان لأبيهم.
وقوله: لنا باحة
…
إلخ، الباحة: الساحة، والضبس: الشديد، وهو يفتح الضاد المعجمة، وكسر الموحدة، وثالثه سين مهملة. وناب القوم: سيدهم وأراد بالحاميين جبلي طي، والضمير يعود إلى الباحة، ويجوز أن يريد بالناب واحد الأنياب، وجعله مثلًا للشدة، وذكر الباحة والمراد أهلها. وقوله: بها قضب
…
إلخ، جمع قضيب، وهو السيف، يريد أن ديارهم تحوي العُدد والعَدد، فسلاحهم السيوف الهندوانية، ورجالهم أسود. وغيض: جمع غيضة، وهي الأحمة، وتكون مأسدة، وتزاءر: تفاعل، من الزئير، وهو صوت الأسد، وأصله: تتزاءر، فحذف إحدى التائين. والغيض: الأصل، ومنبت كرائم الأشجار الملتفة.
وثمانون: تبيين لكمية ما أشار إليه، يقول: هم ثمانون ألفًا، ولست أقول: هذا عن إحصاء وعد، ولكنه رجم مني وحدس، فهم يبلغون رجمي لها فأضاف المصدر إلى المفعول، ويزيدون عليه. وأصل الرجم: الرمي بالقول وغيره، وأو بمعنى بل.
والأخزم السنبسي الطائي بمعجمتين، والسنبسي، بكسر السين والموحدة