الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجعفر بن علبة: بضم العين المهملة، وسكون اللام، بعدها موحدة، ينتهي نسبه إلى كعب بن الحارث، والحارث: قبيلة باليمن، وهو شاعر غزل، فارس مذكور في قومه، وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، قتل في خلافة أبي جعفر المنصور، كذا في "الأغاني" وقال الأسود الغندجاني فيما كتبه على "شرح الحماسة" للنمري: جعفر بن علبة: أحد ذؤبان العرب، ومخيفي السبيل، فأخذ في سرق ودم في زمن هشام بن عبد الملك، فحبس بمكة وهناك قتل. انتهى. فيكون مكث في الحبس إلى أيام المنصور.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السادس والتسعون:
(96)
وكنت إذا غمزت قناة قوم
…
كسرت كعوبها أو تستقيما
على أن "أو" فيه بمعنى "إّلا" الاستثنائية، ونصب المضارع بعدها بإضمار "أن" قال سيبويه في باب:"أو" اعلم أن ما انتصب بعد أو، فإنه ينتصب على إضمار أن، كما انتصب في الفاء والواو على إضمارها، ولا يستعمل إظهارها كما يستعمل في الفاء والواو، والتمثيل ههنا مثله، ثم نقول: إذا قال: لألزمنك أو تعطيني، واعلم أن معنى ما انتصب بعد أو على "إلا أن" قال امرؤ القيس:
فقلت له لا تبك عينك إنّما
…
نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا
والقوافي منصوبة، والمعنى: إّلا أن نموت فنعذرا، ولو رفعت لكان عربيًا جائزًا على وجهين، على أن تشرك بين الأول والآخر، وعلى أن يكون مبتدأ مقطوعًا من
الأول نحو: أو نحن ممن يموت. وتقول: الزمه أو يتقيك بحقك، واضربه أو يستقيم. وقال زياد الأعجم: وكنت إذا غمزت .. البيت. معناه: إلا أن تستقيم. وإن شئت رفعت في الأمر على الابتداء، لأنه لا سبيل إلى الإشراك. انتهى المراد منه. و"أو" عنده عاطفة مصدرًا على مصدر متوهم، وهي على أصلها لأحد الشيئين.
قال السيرافي: "أصل "أو" العطف حيث كانت، والفعل المنصوب بعدها على وجهين:
أحدهما: أن يتقدم فعل منصوب بناصب من الحروف، ثم تعطف عليه بأو، ومعناها أحد الشيئين، كما تعطف بها مرفوعًا على مرفوع، ومجزومًا على مجزوم، والآخر: أن يخالف ما بعدها ما قبلها، ويكون معناها مع ما بعدها معنى "إلا أن" والفصل بين هذا وبين الأول أن الأول لا تعلق له بين ما قبل "أو" وبين ما بعدها، وإنما هو دلالة على أحد الأمرين، وليس بين الأمرين ملابسة.
والوجه الثاني: الفعل الأول فيه قبل "أو" كالعام في كل زمان، والثاني كالمخرج من عمومه، ولذلك صير معناه "إلا أن"، واجتمع أو وإلا في هذا المعنى للشبه الذي بينهما في العدول عما أوجبه اللفظ الأول، وذلك أنا إذا قلنا: جاء القوم إلا زيدًا، فاللفظ الأول قد أوجب دخول زيد في القوم، لأنه منهم، فإذا قلت:"إلا" فقد أبطلت ما أوجبه الأول، وإذا قلت: جاء زيد أو عمرو، فقد وجب المجيء لزيد في اللفظ قبل دخول "أو" فلما دخلت، بطل ذلك الوجوب ولهذا المعنى احتيج إلى تقدير الفعل الأول مصدرًا، وعطف الثاني عليه بذلك التقدير على ما مضى في الفاء. انتهى.
قال في "الفاء" في نحو: "ما تأتيني فتحدثني" بالنصب: لما لم يكن عطفه على ظاهر لفظه، لئلا يبطل المعنى المقصود به، ردوه في التقدير إلى ما لا يبطل معناه، فجعلوا الأول في تقدير مصدر، وإن لم يكن لفظه لفظ المصدر الظاهر، وجعلوا الثاني مقدرًا
بمصدر ليس بظاهر، فلذلك قدرت "أن" فعملت ولم تظهر، وكان هذا التقدير والتغيير والعدول عن الظاهر دلالة على المعنى المقصود، ولو أظهرت أن لكان المصدر قد ظهر، ولم يظهر في المعطوف عليه، وجعل التغيير لهما كالمشاكلة بينهما، فاكتفى بذلك. ويقوي هذا ما ذكره سيبويه من تقدير ما لا يتكلم به من قولك: أتاني القوم ليس زيدًا، والتقدير: ليس بعضهم زيدًا، ولا يتكلم بهذا. انتهى. وقال هناك: ويجوز الرفع فيه، فيقال: أو تستقيم، في غير هذه القصيدة، لأن "كسرت" في موضع رفع، لأنه جواب إذا، وجوابها بالفعل المستقبل رفع.
وقال أبو جعفر النحاس في شرح شواهده: يجوز رفع تستقيم بقطعه من الأول، قال سيبويه: لأنه لا سبيل إلى الإشراك، قال المبرد: الإشراك هنا جيد على الموضع في إذ، لأن الماضي معناه الاستقبال، لأن فيه معنى الشرط، قال تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ) ثم قال:(وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا)[الفرقان/ 10] قال أبو جعفر: الحجة لسيبويه أنه لم يرد الموضع، وإنما أراد أن يريك أنه لا يعطف المستقبل على الماضي. انتهى.
واعلم أن بعضهم أبقى كلام سيبويه على ظاهره، وقال إنه استثناء مفرغ من أعم الأوقات. منهم من جعلها تارة بمعنى إلى أو حتى أو كي، ولما رآه بعضهم بعيدًا، لأنه لم يعدها أحد من النحويين من أدوات الاستثناء، ولا من حروف الجر؛ أوله بما قاله الرضي وغيره من المحققين، بأن ما قاله سيبويه بيان معنى لا توجيه إعراب. وقد نقلنا كلامه وكلام شارحه السيرافي.
والبيت نسبه سيبويه وخدمته إلى زياد الأعجم، وهو من أبيات ثمانية هجابها المغيرة بن حبناء الحنظلي التميمي، رواها صاحب "الأغاني" في ترجمة المغيرة، وهي:
ألم تر أنني أوترت قوسي
…
لأبقع من كلاب بني تميم
عوى فرميته بسهام موت
…
كذاك يردُّ ذو الحمق اللَّئيم
وكنت إذا غمزت قناة قوم
…
كسرت كعوبها أو تستقيم
هم الحشو القليل لكلِّ حيٍّ
…
وهم تبع كزائدة الظَّليم
فلست بسابقي هربًا ولمَّا
…
تمرُّ على نواجذك القدوم
فحاول كيف تنجو من وقاعي
…
فإنَّك بعد ثالثة رميم
سراتكم الكلاب البقع فيكم
…
للؤمكم وليس لكم كريم
فقد قدمت عبودتكم ودمتم
…
على الفحشاء والطّبع اللئيم
كذا رويت هذه الأبيات بالإقواء، وهو اختلاف القوافي بالرفع والجر، وسيبويه أنشد البيت الشاهد منها بالنصب، وتبعه من جاء بعده من النحويين.
نقل السيوطي عن الزمخشري أنه قال في شرح أبيات "الكتاب": أبيات القصيدة غير منصوبة، وإنما أنشده سيبويه منصوبًا، لأنه سمعه كذلك، ممن يستشهد بقوله: وإنشاد الأبيات على الوقف مذهب لبعض العرب، فإن أنشد بيت واحد منهما؛ أنشد على حقه من الإعراب، وإن أنشد جميعها أنشد على الوقف. انتهى. ونقله ابن الملا في شرحه، قال شيخنا الشهاب الخفاجي: هذا كلام لا وجه له، فإن الشعر إذا أنشد بتمامه كيف يلتزم الوقف فيه؟ ! وقد يكون ذلك بكسر وزنه. انتهى.
وأقول: وعلى تسليم ذلك، فأي مدخل في إنشاد البيت منصوبًا؟ فإنه
ليست الأبيات منصوبة القوافي! وإنما يكفي قوله لأنه سمعه كذلك ممن يستشهد بقوله، فإنه وقع له نظيره في البيت المنسوب لعقيبة الأسدي، وهو:
معاوي إنَّنا بشر فأسجح
…
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
فإنهم قالوا: إنه قد سمعه منصوبًا ممن أنشده، ولم تحفظ الأبيات التي قبله وبعده إلى مخفوضة وبعده:
أكلتم أرضنا فجرزتموها
…
فهل من قائم أو من حصيد
وقد حققناه في الشاهد الرابع والعشرين بعد المائة من شواهد الرضي.
وقوله: ألم تر أنني
…
إلخ، خطاب لمن يسمع، وأوترت القوس ركبت الوتر عليها، وروي أيضًا:"وترت" بالتشديد، والأبقع: وصف من البقع بفتحتين، قال صاحب "القاموس": هو في الطير والكلاب كالبلق في الدواب، وفعله من باب فرح.
وقافية هذا البيت مجرورة، وكذلك قافية البيت الرابع والثامن، وقوافي ما عداها مرفوعة. وقوله: كذاك يرد بالبناء للمفعول، وذو: نائب الفاعل، واللئيم: صفته، والحمق بضمتين: الحماقة. ورواه ابن بري في "أماليه" على "الصحاح":
عوى فرميته بسهام موت
…
تردُّ عواء ذي الحمق اللئيم
ففاعل "ترد" ضمير السهام، وعواء: مفعوله. وعواء الكلب، بالضم والمدّ: وهو أن يمدَّ صوته ولا يفصح، وعليها فهذه القافية مجرورة أيضًا. واللئيم: الذي جمع إلى سح النفس دناءة الآباء.
وقوله: وكنت إذا غمزت
…
إلخ، قال الجوهري: غمزت الشيء بيدي، وأنشد هذا البيت. قال ابن بري في "أماليه" عليها: ومعنى غمزت: ليَّنت، وهذا
مثل، والمعنى: إذا اشتد علي جانب قوي، رمت تليينه أو يستقيم. وليس معنى الغمز ما ذكره، وإنما هو ضم الأصابع على الرمح ونحوه، وتحريكها وهزُّها، قال الأزهري في "التهذيب": الغمز: العصر باليد. وليس معناه المقصود هنا أيضًا ما نقله ابن الملا عن "القاموس" وهو: غمزه بيده يغمزه، شبيه نخسه، والنَّخس على ما قال: الغرز بعود ونحوه. انتهى. والقناة: الرمح، وتطلق على مجرى الماء.
وما أحسن قول شيخنا الخفاجي:
تخال رماح الخطِّ قتالهم
…
قنا قد جرى فيهنَّ ذوب عقيق
وقال: إنهم يكنون بالقنا عن الحال، فيقال لانت قناته: إذا تغيرت حاله. وقال المرزوقي: القناة تستعار للإباء والشتدُّد كقوله:
كانت قناتي لا تلين لغامز
…
فألانها الإصباح والإمساء
ومثله لشارح "ديوان عمرو بن كلثوم" قال في شرح معلقته عند قوله:
فإنَّ قناتنا يا عمرو أعيت
…
على الأعداء قبلك أن تلينا
قناتهم: يعني عزهم وصلابتهم. وقال صاحب "الموعب": معنى البيت: من لم يستقم له بالملاينة، تناوله بالمخاشنة فأهلكه، إلا أن يستقيم.
وقال الدماميني: فيه استعارة تمثيلية، شبَّه حاله إذا أخذ في إصلاح قوم – إذا اتصفوا بالفساد، ولم يكفوا عما ينشأ عنه فسادهم إلا بما يحصل عنه صلاحهم –